الصورة: Credit: MOHAMMED HUWAIS/AFP via Getty Images
02-10-2023 at 4 PM Aden Time
سوث24 | فريدة أحمد
غاب الحوثيون عن إيقاد شعلة الذكرى الـ 61* لثورة 26 سبتمبر هذا العام، إلاّ إنهم احتفلوا بطريقتهم الخاصة. إذ أعلن زعيم الجماعة الحوثية المدعومة من إيران "عبدالملك الحوثي"، عن بدء ما أسماها بمرحلة "التغيير الجذري"، التي يروجون لها عملياً منذ أكثر من شهر. وألقى زعيم الجماعة خطاباً بمناسبة المولد النبوي*، يعلن فيه الإطاحة بالحكومة غير المعترف بها في صنعاء، التي يترأسها القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام "عبدالعزيز بن حبتور"، واستبدالها بحكومة "كفاءات"، وفقاً لما وصف بالتغيير الجذري في مرحلته الأولى. وقد أيد مجلس الدفاع الوطني التابع للحوثيين هذا القرار، وأعلن إقالة الحكومة وتكليفها بتصريف الشؤون العامة ما عدا التعيين والعزل حتى يتم تشكيل حكومة جديدة. كان الأمر المثير في هذه الجزئية، هو ظهور مجلس الدفاع الوطني الحوثي وكأنه يقيل نفسه، لا سيّما وأنّ رئيس الحكومة ونائبه لشؤون الأمن والدفاع ووزراء الدفاع والداخلية والمالية هم أعضاء في مجلس الدفاع الوطني. لكنهم سرعان ما تلافوا الخطأ بعد يومين، عندما أعاد المجلس السياسي الأعلى إصدار قرار بإقالة الحكومة.
جاءت تغييرات صنعاء بعد خلافات متصاعدة في الآونة الأخيرة بين أنصار حزب المؤتمر والحوثيين؛ اللذان يشكلان تحالفاً شكلياً منذ انقلاب الجماعة الحوثية على الدولة في 2014. خصوصا بعد مطالبة رئيس حزب المؤتمر في صنعاء "صادق أمين أبو راس"، للجماعة، التي تسيطر على معظم شمال اليمن، بصرف رواتب الموظفين، في ظل تهرّبها من الاستجابة للمطالب الشعبية، وتكتمها الشديد على أرقام الإيرادات التي تسيطر عليها. قوبل خطاب "أبو راس"، بنبرة أكثر تشدداً عبر رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، "مهدي المشاط"، الذي وصف من يطالبون بدفع الرواتب، بـ "المزايدين"، و"الحمقى"، زاعماً أنّهم يسعون في ذلك "لخدمة العدوان". على الفور، تطوّر التهديد إلى حد الدعوة لمصادرة مقرات وممتلكات النظام السابق [نظام علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر]، وممتلكات خصوم الحوثيين في معسكر الشرعية، في صنعاء ومدن الشمال الأخرى، وتحويلها إلى صندوق دعم المعلم، ذلك جاء عبر تغريدة للقيادي الحوثي في الصف الأول "محمد علي الحوثي". أكثر من ذلك، هدد "نصر الدين عامر"، رئيس وكالة سبأ بالنسخة الحوثية، "صادق أبو راس" وغيره من المؤتمريين، بـتلميحات من شأنها "كسر جمجمته"، بالطريقة نفسها التي قتلت بها جماعته الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح". وهو ما يشير فعلياً إلى اشتداد الخلافات بين الطرفين حد التهديد بالتصفيات.
يتجلّى الانقسام الأكثر أهمية بين مؤتمر صنعاء وبين الحوثيين في نقطتين أساسيتين: الأولى، هي استبعاد مسألة تداول السلطة في المجلس السياسي الأعلى الذي تم إنشاؤه في يوليو 2016، بين (حلفاء الضرورة) بعد انقلاب 2014. ورغم أنّ المجلس الأعلى لم يلقَ اعترافاً دولياً، إلا أنّه أصر على تشكيل حكومة "إنقاذ وطني"، ظل "بن حبتور" يديرها لأعوام إلى ما قبل إقالته مؤخراً. بالتبعية، ووفقاً لنظام المجلس الأعلى الداخلي، فهو يتيح تداول رئاسة المجلس كل ستة أشهر بين أعضاءه من الطرفين الحوثي والمؤتمري، غير أنّ ذلك لم يحدث على أيّة حال، إذ ظل الحوثيون يمسكون بزمام أموره، وازدادوا تمسكاً به بعد أن قتلوا حليفهم "صالح" في 2017. هذا الاحتكار بحد ذاته فاقم سوء العلاقة بين الطرفين. أما النقطة الثانية، يمكن تلخيصها في الإقصاء المستمر لحلفاء الحوثيين من مؤتمر صنعاء في المحادثات الجانبية خلال الأشهر الفائتة، سواء بينهم وبين العمانيين، أو بينهم وبين السعوديين. على سبيل المثال: رفضت الجماعة الحوثية طلباً من وزير الخارجية في حكومة صنعاء غير المعترف بها، من الحضور للقاء الوفد السعودي برئاسة السفير "محمد آل جابر" في إبريل العام الحالي، كما رفضوا طلب المؤتمر للّقاء بوفد الوساطة العمانية أكثر من مرة. وهو ما يشي فعلياً بأن مؤتمر صنعاء مجرد طرف شكلي لا أكثر، وبالذات في المواقف الأكثر صرامة التي يتخذها الحوثيون.
ورغم هذه الخلافات، رحّب مؤتمر صنعاء في بيان له، مساء الأول من أكتوبر بالإجراءات التي أعلنها زعيم الجماعة الحوثية. لكنه اشترط أن تُمنح الحكومة الجديدة كامل الصلاحيات، وأنّ تكون الإجراءات التي أعلن عنها عبد الملك الحوثي، في "إطارها الوطني الملتزم بأهداف ومبادئ وقيم ثورة 26 سبتمبر..". ولم ينس البيان التذكير بأهمية أن تقوم حكومة صنعاء المزمع تشكيلها بالحفاظ على "الوحدة"، في إشارة للوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال، التي يرفضها غالبية سكان جنوب اليمن.
متعلق: هل يستطيع «مؤتمر أبوراس» مواجهة الحوثيين؟
خلافات حوثية عاصفة
لم يقتصر الخلاف العميق على الحلفاء الاسميين في صنعاء فقط، بل امتد ليشمل أجنحة الجماعة الحوثية نفسها. فعلى السطح، تبدو العلاقة أكثر اتساقاً، لكن تطورات المشهد السياسي خلال الأشهر الأخيرة وفي مقدمتها المحادثات السعودية الحوثية سواء في صنعاء أو مسقط أو الرياض، اختبرت بجدارة سير الإجماع الحوثي من عدمه حولها. إذ يبدو أن الخلافات وصلت أشدها في ظل رفض جناح متشدد من الحوثيين؛ الذهاب للتفاوض مع السعوديين في الرياض أو حتى اعتبارهم وسطاء في هذه العملية.
برز الرفض لاحقاً في عدة إشارات، منها اعتداء الحوثيين على الحدود الجنوبية للسعودية في 25 سبتمبر الماضي، عبر استهداف طائرات مسيرة هجومية مواقع قوة الواجب البحرينية المرابطة هناك، ذلك رغم توقف العمليات العسكرية بين أطراف الصراع في اليمن بناءًا على الهدنة السابقة، وبعد أيام قليلة من عودة وفد حوثي رفيع من الرياض. دفع الهجوم، الذي أسفر عن مقتل أربعة من منتسبي قوة دفاع البحرين، متحدث القيادة المشتركة للتحالف الذي تقوده السعودية، تركي المالكي، لإصدار بيان أدان فيه "الهجوم الغادر من بعض العناصر التابعة للحوثيين"، معتبرا هذه "الأعمال العدائية لا تنسجم مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها سعياً لإنهاء الأزمة والوصول لحل سياسي شامل". لقد ظهرت نبرة البيان بغير المعتاد بتوجيه اللوم على "بعض" العناصر الحوثية، وليس الجماعة بكاملها. ما يعني أنّ السعودية؛ تتعامل مع الجماعة وفقاً لما قطعته من شوط إيجابي كبير في المحادثات. الأمر كذلك ظهر جلياً، في مطالبة البحرين للحوثيين، بتسليم المسؤولين عن مهاجمة قواتها بالحد الجنوبي السعودي، وفقاً لوكالة الأناضول. يشير عدم نسب الهجوم للميليشيا الحوثية بالعموم كما جرت العادة، إلى رغبة فعلية من السعودية وحلفائها بالخروج الآمن من معادلة الحرب في اليمن، من خلال محاولتها الحفاظ على ما أنجزته من تقدم في علاقتها مع العناصر الحوثية.
مما لا شك فيه، إن تصريحات بعض الحوثيين اللاذعة للسعودية، سوف يُنظر إليها على أنها استفزاز، وستُبيّن أنّ مواقفهم لم تتغير بشأن ما يصفونه بـ "العدوان". ورغم حقيقة الخلافات العميقة بين أجنحة الجماعة، غير أنّ انفتاح بعض عناصرهم مع السعودية، قد يبدو لوهلة هو الآخر كورقة سياسية تلعب بها الجماعة الحوثية، ويمكن أن تغيّر مسارها متى ما تحققت اشتراطاتها. إذ من الخطأ النظر لما يحدث على أنه تغيير كبير في نهج الجماعة، لا سيّما في ظل الوضوح الاستراتيجي لسياساتها على المستويات الدينية والعسكرية.
في 21 سبتمبر، احتفل الحوثيون بذكرى انقلابهم على الدولة وأقاموا عرضاً عسكرياً بطريقة (مميتة)، وفقاً لما وصفه معهد واشنطن. وأشار المعهد الأمريكي إلى، إنّ ذلك بمثابة "تحذير من أنّ الحوثيين يبنون قوتهم لإجراء مزيد من الاختبار للقرار اليمني والخليجي، تماماً كما تمارس الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات ضغوطاً على ما تبقى من الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة لتحقيق السلام بشروط يمليها الحوثيون." وهو أمر خطير بالمناسبة، في ظل الإمعان في الضغط من أجل السلام بأي ثمن، وعدم الموازنة في ردع الميليشيا الحوثية على الجانب الآخر، لا سيّما مع استمرار تقوية القدرات العسكرية الحوثية من قبل إيران، وعسكرة السكان وتجنيدهم وتعبئتهم.
نقطة تحوّل
أدى الخطاب السياسي والديني القمعي للحوثيين خلال عقود، إلى تعزيز رؤيتهم لمفهوم شكل الدولة التي يطمحون إليها. وهو ما أكده موقفهم الصريح تجاه ثورة 26 سبتمبر لسنة 1962، التي قامت ضد حكم الأئمة في اليمن الشمالي آنذاك. وقد عبّرت عنه بوضوح الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين عشية الاحتفال بهذه الذكرى، عندما منعت أي مظهر من مظاهر الاحتفال الشعبي، ونشرت النقاط المسلّحة لانتزاع أعلام الجمهورية اليمنية، وقمعت المظاهرات الرديفة في صنعاء والحديدة وإب، واعتقلت أكثر من ألف شاب في صنعاء وحدها، وفقاً لنشطاء ومحامين يمنيين. إذ يمكن وصف الوضع الناتج، بأنّه تخوّف حوثي من تأثير امتداد هذه الانتفاضة إلى أبعد من ذلك إن لم يتم قمعها منذ الآن.
مع ذلك، خرجت التظاهرات في أكثر من مكان غير مكترثة للقمع الحوثي، وهي المرة الأولى التي تتواصل فيها الاحتجاجات الشعبية لأكثر من شهر، للمطالبة بصرف الرواتب التي أوقفتها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 8 سنوات. مع ذلك، وفي محاولة للاحتراز من التصعيد الخطير للتوتر، استخدم زعيم الجماعة "عبدالملك الحوثي"، التغيير الجذري كحجة عاطفية يستأثر بها الجماهير. ويبدو أنّ الاضطرابات غير المتوقعة أدّت إلى تقليص محتمل للتغييرات الأوسع التي كان المراد القيام بها. فوفقاً لوزير الإعلام اليمني في الحكومة المعترف بها دوليا، "معمر الإرياني"، ادّعى أنّ الحوثيين كانوا ماضين في استنساخ النموذج الإيراني ضمن سلسلة تغييرات جذرية، منها تعديل الدستور، وتغيير نظام الحكم، وحل البرلمان والسلطة القضائية واستبدالها بما يسمى بـ المنظومة العدلية، وغيرها من التغييرات على نطاق المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها الجماعة.
يضمن قرار تغيير الحكومة غير المعترف بها بالنسبة للحوثيين، تحقيق ثلاثة أشياء بالتوازي، الأول، محاولة السيطرة على الغضب الشعبي في مناطق سيطرتهم وعدم اتساعه أكثر من ذلك، الثاني، تحميل الحكومة السابقة فشل سياساتهم وإلقاء تهمة الفساد ونهب الإيرادات على عاتقها، والثالث، ضمان حكومة جديدة أكثر ولاءًا لمشروعهم، وفي نفس الوقت تثبيتها كحكومة غير طارئة، كما كانوا يعرّفون الحكومة السابقة (حكومة انقاذ وطني)، لإعادة تشكيل المشهد بصورة أقرب لأن تكون شرعية ومستقرة، من أجل الحصول على استحقاقات أعلى لقاء المكاسب التي حققوها خلال 9 أعوام.
ينبغي للأطراف السياسية اليمنية المناهضة للمعسكر الحوثي أن تشعر بالقلق إزاء الإشارات التي يرسلها الحوثيون وتتعاطى معها الرياض باسترخاء، خاصة إن ألقت مثل هذه التطورات بظلالها على وضع البلاد وما ستؤول إليه من تفاقم سيء لعملية التسوية السياسية وبالضرورة لعملية السلام برمّتها، إن استمرت المحادثات بالهيئة الحالية التي تقدم تنازلات مستمرة وتستثني أطرافاً عن أخرى للمشاركة بها. إذ من الواضح، إنّه على رغم التهديدات الحدودية مع اليمن بالنسبة للسعودية، يبدو أنّ الرياض ستكون أكثر حرصاً على عدم الانزلاق نحو صراع عرضي يهدد الإضرار بالهدنة والخروج الآمن لها من الحرب، لا سيّما بعد أشهر من المفاوضات مع الجماعة الحوثية. وعلى الأرجح أنّ ذلك قد يعود لأسباب داخلية تتعلق بتغييرات مقبلة على نطاق نقل السلطة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، ومثل هذه الإرباكات الآنية قد تؤجل المسألة لوقت أطول.
من المهم القول، إن استمرار الوضع بهذه الوتيرة، والتشجيع الإقليمي والدولي للمحادثات الأُحادية من طرف الحوثيين، واستثناء الأطراف السياسية اليمنية، يُضعف من موقف الحكومة المعترف بها دوليا وبالذات الأطراف الشمالية. أمّا بالنسبة للجنوبيين، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تسيطر قواه الأمنية والعسكرية على رقعة جغرافية واسعة في جنوب اليمن. سيساهم تغييبهم عن المشهد في تعزيز الانقسام الفعلي بين الشمال والجنوب، في حال إصرار السعودية وإيران على تمكين الحوثيين سياسياً وعسكرياً حفاظاً على اتفاقات التقارب بين الرياض وطهران.
كما أنّ هذه التطورات تعزز طموحات القوى الجنوبية بأهمية وجود دولة مدنية ديمقراطية (فيدرالية) في الجنوب، تحمي المصالح الدولية وتحترم حقوق الإنسان والمرأة، في ظل شمال منقسم بين جماعات الإسلام السياسي (حوثيين وإخوان مسلمين)، التي تملك حواضن شعبية مؤيدة لها ومؤمنة بمشاريعها الدينية، مقابل وجود نخبة فكر يمنية محدودة لا تملك تأثير على المشهد وأحزاب صغيرة منقسمة على ذاتها. هذا الأمر يُنذر بالمحصّلة؛ بانفجار قنبلة "إسلام سياسي" موقوتة، يساهم المجتمع الإقليمي والدولي بشحنها دون إدراك، ويوّفر لها غطاءاً مناسباً للتوسّع، ستطال تبعاته الجميع بلا استثناء.
Previous article
Next article