جانب من الاجتماع المشترك للمكتب التنفيذي بحضرموت الذي تم خلال إعلان توقيف إيرادات المحافظة، المكلا، 26 نوفمبر 2023 (المكتب الإعلامي للمحافظ)
09-12-2023 at 7 PM Aden Time
سوث24| عبد الله الشادلي
في 26 نوفمبر الماضي، أجمع المكتب التنفيذي في محافظة حضرموت، جنوب اليمن، على قرار توقيف إيداع إيرادات المحافظة وميناء منفذ الوديعة البرّي، المحاذي للمملكة العربية السعودية، في البنك المركزي اليمني بالعاصمة عدن.
جاءت هذه الخطوة بسبب "توقيف التعزيزات المالية الصادرة من وزارة المالية لمحافظة حضرموت التي تقف في أدراج محافظ البنك المركزي اليمني في عدن"، وفقا لبيان السلطة المحلية. كما تضمن البيان اتهامات للحكومة اليمنية بالتلاعب بحصة حضرموت من عائدات بيع المنفط المقدرة بنحو 20% خلال السنوات الماضية.
وقالت السلطة المحلية إنها اتخذت القرار لتلبية الاحتياجات الخدمية المتزايدة للسكان، لاسيما مع استقبال حضرموت عشرات الآلاف من النازحين من محافظات يمنية أخرى.
ولم يصدر موقف رسمي من مجلس القيادة الرئاسي اليمني أو الحكومة اليمنية تجاه هذه الخطوة، لكن قيادة البنك المركزي اليمني بدأت على الفور تحركات للضغط على السلطة المحلية في حضرموت للتراجع عن هذا الإعلان. وفي 28 نوفمبر، التقت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن محافظ البنك أحمد غالب المعبقي.
وقالت البعثة في بيان لها: "أشاد سفراء الاتحاد الأوروبي بجهود المعبقي في الحفاظ على استقرار العملة في سياق صعب للغاية، وشددوا على أهمية إيداع الإيرادات بشكل منتظم من قبل جميع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المحافظات في البنك المركزي".
وفي 30 نوفمبر، صدر موقف غربي آخر داعم لقيادة البنك المركزي. وقالت السفارة الأمريكية في اليمن: "نشيد بجهود محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي في الحفاظ على استقرار العملة في هذه الأوقات الصعبة، وندعو جميع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المحافظات، إلى مواصلة إيداع جميع الإيرادات في البنك المركزي".
وفي 6 ديسمبر الجاري، بحث محافظ حضرموت عبر الاتصال المرئي مع سفيرة بريطانيا عبدة شريف إعلان وقف توريد الإيرادات. وشرح بن ماضي للسفيرة الأسباب التي أدت إلى هذا الإجراء.
وقال المحافظ إن "اتخاذ المحافظة لقرار إيقاف توريد الإيرادات الى البنك المركزي ليس تمردًا على الدولة، وأن سلطة حضرموت على وئام مع الحكومة، ولكنها تطلب تقدير مواقفها ومعاملتها مثل بقية المحافظات، وإنهاء الاستهداف الواضح لسياسات البنك المركزي تجاه حضرموت"، بحسب بيان نشره المكتب الإعلامي.
واستغرب محافظ حضرموت الصمت الداخلي والخارجي تجاه سلطة محافظة مأرب في شمال اليمن التي لا تقوم منذ سنوات بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي.
ولوّح بن ماضي، في اللقاء الافتراضي، بتقديم استقالته ضمنياً، في حال تجاهلت الحكومة مطالب المحافظة، وقال: "إمّا أن توفر السلطة المحلية الخدمات للمواطنين وتطالب بها، أو نُغادر الكراسي رافعي الرأس".
تقييم القرار
وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لمركز سوث24، لم تنفذ السلطة المحلية في محافظة حضرموت إعلانها الأخير بشأن الإيرادات حتى الآن، ولا يزال هذا الإجراء حبيس الجدران التي تم الإعلان منها عن هذه الخطوة. وطبقا للمصادر، لازالت كل الإيرادات في حضرموت تصب في أوعية البنك المركزي بانتظام.
ولم تتجاوب قيادة السلطة المحلية في حضرموت مع اتصالات أجراها مركز سوث24 للرد على هذه المعلومات. لكن مصدر مقرب منها، طلب عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخوّل له بالتصريح لوسائل الإعلام، زعم أن القرار تم تنفيذه بالفعل من لحظة الإعلان عنه.
وقال المصدر لمركز سوث24: "قرار توقيف الإيرادات كان مدروساً بعناية، وسبقته مناشدات متكررة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الحكومة اليمني، دون الالتفات إلى مطالب حضرموت وأهلها".
وأضاف: "هذا القرار صدر في غضون ساعات بعد دراسة أبعاده لأشهر قبل أن يتم العمل به، وسيتم إلغاؤه في ساعات أيضاً؛ بمجرد أن تلتزم الحكومة بوعودها وتنفّذ المشاريع التي تعهّدت بها خلال الفترة الماضية".
وبشأن المواقف الدولية الأخيرة في هذا الاتجاه، قال المصدر: "مسؤولون في الحكومة اليمنية والبنك المركزي أعطوا معلومات مضللة للدول التي تدخلت وانتقدت القرار في بادئ الأمر. لكنَّ تلك الدول تفهمت الموقف بعد الرجوع إلى المحافظ بن ماضي والاستماع إلى دوافع ذلك القرار".
ورأى المصدر أن مخاوف عميقة لدى قيادة الحكومة من أن يشمل الإجراء الأخير الإيرادات النفطية في حال استئناف التصدير هي ما دفعت المسؤولين إلى التواصل مع سفراء الدول الكبرى لطلب الضغط على سلطة حضرموت.
ومن ناحية عملية، لا يبدو أن القرار الأخير قد يشكل ضغطا كبيرا على البنك المركزي اليمني والحكومة في ظل توقف الإيرادات النفطية التي يأتي معظمها من حضرموت، منذ أكثر من عام جراء هجمات الحوثيين.
وفي هذا السياق، قال الصحفي عماد الديني، رئيس تحرير صحيفة أخبار حضرموت: "لقد تم اتخاذ القرار بصورة ارتجالية دون دراسة للعواقب المحتملة. الموارد الحالية في المحافظة دون النفط لا تكفي لسداد المرتبات، وبالتالي، هذا القرار لا يخدم ولا يفيد حضرموت، بل يضر ويحرمها من الموارد المركزية اللازمة لتلبية احتياجاتها".
ولا يفضل الديني تسمية المواقف الدولية الأخيرة بشأن هذه القضية "ضغوطا". مضيفًا لمركز سوث24: "هذه التدخلات ليست بالضرورة ضغوطات دولية، بل محاولات لتوحيد وجهات النظر اليمنية تجاه ترتيب الأوضاع السياسية في اليمن، وذلك ضمن إطار التسوية الشاملة".
المواقف من القرار
رغم أن الحكومة اليمنية لم تعلق رسميا على إعلان السلطة المحلية في حضرموت، إلا أنَّ وزير الدفاع اليمني الفريق محسن الداعري قال خلال اجتماع مع اللجنة الأمنية في حضرموت برئاسة المحافظ بن ماضي قبل يومين: "بعد جلوسنا مع محافظ حضرموت وجدنا ما يُبرر له اتخاذ قرار إيقاف الإيرادات، وعلى السلطة المركزية أن تقوم بمعالجة الأمور التي أدت الى اتخاذ هذا القرار".
وبالنسبة للموقف داخل مجلس القيادة الرئاسي، قال مصدر مطلع في المجلس إن هذا الملف لم تتم مناقشته حتى الآن، كما أنه من غير الواضح بعد موقف كل عضو من أعضاء المجلس الثمانية تجاه هذه الخطوة بعد.
وقالت مصادر خاصة لمركز سوث24 إن المجلس الانتقالي الجنوبي يؤيد من حيث المبدأ هذا الإجراء، إلا أنه لم يصدر أي بيان رسمي في هذا الخصوص حتى الآن. وفي محاولة لحشد الدعم المحلي، أجرى محافظ حضرموت لقاءات مع شيوخ قبائل في حضرموت، لإظهار التأييد لخطوة وقف توريد الإيرادات.
وفي 3 نوفمبر الماضي، قال المكتب الإعلامي لمحافظة حضرموت إن شيوخ قبيلة "العوابثة" بساحل حضرموت أعلنوا تأييدهم لقرار بن ماضي. كما اجتمع في 5 نوفمبر مع شيوخ قبيلة نهد الذين عبروا عن دعمهم له.
ونشر المكتب الإعلامي وثائق ومذكرات وخطابات قال إنَّها تظهر "تأييد السلطات المحلية بالمديريات والمكونات وشرائح حضرموت لقرار منع توريد الإيرادات للبنك المركزي".
وفي 2 ديسمبر الجاري، أحاط المحافظ بن ماضي في اجتماع لقيادات الألوية ورؤساء الشُعب والوحدات العسكرية، بقيادة المنطقة العسكرية الثانية، بواقع تطورات الأوضاع في المحافظة وجهود السلطة المحلية لتوفير الخدمات للمواطنين
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات المحلية في العاصمة عدن ومحافظة شبوة كانت قد وجهت في يونيو الماضي باتخاذ إجراءات مماثلة ردا على تنصل الحكومة عن واجباتها تجاه المواطنين، قبل أن تتراجع لاحقا عن هذه الخطوات في ظل وعود حكومية لم تنفذ حتى الآن.
وفي حضرموت، سوف تكشف الأيام القادمة مدى جدية السلطة المحلية في هذا الإجراء كخطوة استراتيجية حقيقية لانتزاع حقوق المحافظة التي تعاني من تدهور الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء، مع مخاوف بأن تكون هذه الخطوة مجرد مناورة سياسية لأهداف أخرى.
Previous article