أتباع الديانة البهائية يحملون الزهور وهم يتظاهرون خارج محكمة أمن الدولة خلال جلسة استماع في قضية رجل بهائي زميل متهم بالسعي لإنشاء قاعدة للطائفة في اليمن، صنعاء، 3 أبريل/نيسان 2016. — رويترز/خالد عبد الله
29-08-2024 at 8 PM Aden Time
"الحوثيون يستخدمون المعتقلين، خاصة من الأقليات والعاملين في المنظمات الدولية، كرهائن. وكلما زادت الضغوطات الدولية، ارتفع سقف مطالب المليشيا".
سوث24 | ريم الفضلي
منذ سيطرة ميليشيات الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم مناطق شمال البلاد في أواخر عام 2014، دخلت البلاد في مرحلة من الاضطرابات العميقة، حيث أضحت الأقليات الدينية والعقائدية عرضة لموجة متصاعدة من القمع والاضطهاد. من بين تلك الأقليات، كانت الطائفة البهائية هدفًا رئيسيًا لسياسات الحوثيين.
البهائيون، الذين يشكلون جزءًا صغيرًا من النسيج الديني في اليمن، تعرضوا لمعاملة قاسية وغير إنسانية تضمنت الاعتقالات التعسفية، ونهب الممتلكات، وتلفيق التهم بالعمالة والتخابر مع دول أجنبية، وعلى رأسها إسرائيل. وقد وثّقت تقارير دولية وأممية هذه الانتهاكات بقلق بالغ، حيث اعتبرتها جزءًا من حملة ممنهجة تهدف إلى القضاء على أي وجود لأتباع هذه الطائفة في اليمن.
وصلت هذه الحملة القمعية إلى ذروتها مع إصدار أحكام بالإعدام ضد عدد من أتباع الديانة البهائية، وهو ما أثار استنكارًا واسعًا من قبل منظمات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. هذه الأحكام، التي تُعَدّ خرقًا واضحًا لكل الأعراف والقوانين الدولية، لم تكن سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إخضاع الأقليات وترهيبها لدفعها إلى مغادرة البلاد أو التخلي عن معتقداتها.
ورغم الضغوط الدولية المتزايدة على جماعة الحوثيين للإفراج عن المعتقلين البهائيين ووقف هذه الانتهاكات، إلا أن الوضع ما زال ينذر بالخطر. الإفراج عن بعض المعتقلين مؤخرًا لم يكن سوى خطوة تكتيكية كما يرى منتمون للطائفة، في وقت تواصل فيه الجماعة فرض قيود صارمة على حرية التنقل والتعبير الديني.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى مصير الطائفة البهائية في اليمن معلقًا في مهب الريح، وسط مخاوف من استمرار عمليات الاضطهاد والتصفية الدينية تحت ستار (الشرعية الثورية) التي ترفعها الجماعة.
اضطهاد متوارث
الديانة البهائية هي ديانة توحيدية تأسست في القرن التاسع عشر على يد بهاء الله (1817-1892) في إيران. تؤمن البهائية بوحدة الله، ووحدة جميع الأديان الكبرى، ووحدة الإنسانية. يرى البهائيون أن الأديان الكبرى جاءت من مصدر إلهي واحد، وتكمل بعضها البعض في رسالة إلهية مستمرة.
وفقًا للدكتور نادر السقاف، مدير مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن، وهي جمعية يمنية بهائية حقوقية، فإن الاضطهاد ضد البهائيين لم يكن جديدًا على الساحة اليمنية، حيث سبقته حالات فردية من التمييز والاعتقال في فترات النظام السابق برئاسة علي عبد الله صالح.
وقال السقاف لمركز سوث24: "الاضطهاد ضد البهائيين في اليمن حدث من قبل، إلا أن ما يميز هذه المرحلة هو التحول نحو اضطهاد ممنهج ومدعوم من قبل مليشيا الحوثيين، التي جعلت من استهداف البهائيين جزءًا من سياساتها لإحكام السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها".
وكانت مليشيا الحوثيين قد شنت سلسلة من حملات الاعتقال ضد البهائيين منذ عام 2014، كان آخرها في مايو 2023، حيث اعتقلت نحو 17 شخصًا بينهم خمس نساء. بعد اعتقال دام عامًا كاملًا دون تهمة أو حكم قضائي، أفرجت جماعة الحوثي عن آخر أربعة معتقلين من البهائيين في سجونها في أغسطس الجاري، وهم: عبد الإله البوني، محمد بشير، إبراهيم جعيل، وحسان ثابت، وفقًا لما نشرته الجمعية العالمية للبهائيين. وقد تزامن الإفراج عن البهائيين الأربعة مع اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد في 22 أغسطس.
وحتى الآن، نددت العديد من الجهات الأممية بالتعرض للبهائيين، ودعت الحوثيين إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين. وأشارت مفوضية حقوق الإنسان إلى أن البهائيين الذين أُفرج عنهم اضطروا للتوقيع على تعهدات بعدم التواصل مع البهائيين الآخرين والامتناع عن الانخراط في أي أنشطة بهائية.
كما ذكرت المفوضية في تقريرها الصادر في مايو من هذا العام أن الحوثيين أجبروا البهائيين على عدم مغادرة مسقط رأسهم دون إذن، فيما تعرض البعض لضغوط شديدة للتخلي عن معتقداتهم الدينية.
وفي هذا الصدد، قال السقاف: "الحوثيون ما زالوا يمارسون اضطهادًا منهجيًا ضد آلاف البهائيين حتى بعد الإفراج عن المعتقلين، من خلال تضييق سبل العيش عليهم وعدم السماح لهم بحرية الاجتماع وممارسة معتقداتهم، وهو حق مكفول بموجب القانون الدولي وحرية الدين والمعتقد".
وأشار السقاف إلى أن الحوثيين قاموا في عام 2020 بنفي ستة مواطنين يمنيين بهائيين إلى خارج اليمن في خطوة غير مسبوقة، بالإضافة إلى إجبار بعض البهائيين على الهجرة القسرية من اليمن ضد إرادتهم.
أسباب الاضطهاد
وليد عياش، بهائي وأمين عام المجلس الوطني للأقليات في اليمن، يُعد من أبرز الناشطين في تعزيز ثقافة التعايش في البلاد. تم نفيه من قبل مليشيا الحوثيين في 30 يوليو 2020، برفقة عدد من المعتقلين البهائيين، من السجن مباشرة إلى خارج اليمن دون السماح لهم بتوديع أسرهم.
روى عياش في حديثه لمركز سوث24 أنه تعرض لتعذيب جسدي ونفسي مروع خلال فترة احتجازه التي امتدت لحوالي أربع سنوات في معتقلات الحوثيين بصنعاء.
وقال: "أُبقيت في سجن انفرادي لمدة عامين، حيث كنت ممنوعًا من التحدث أو الكتابة أو قراءة أي كتاب باستثناء كتبهم المليئة بالكراهية والعداوة. كما حُرمت من التواصل مع عائلتي، وتم التحقيق معي معصوب العينين وتعرضت للضرب الشديد بوسائل شنيعة، دون الحق في حضور محامٍ أو الاتصال به أثناء التحقيق."
لم يكتف الحوثيون بتعذيب عياش فقط، بل حرضوا السجناء الآخرين على ضربه. ففي أحد الأيام، وضعوه في زنزانة مليئة بالسجناء وأغلقوا الباب، حيث تعرض للضرب المبرح حتى فقد وعيه وبقي طريح الفراش لفترة طويلة.
وأضاف: "امتد التعذيب النفسي ليشمل أفراد عائلتي الذين عاشوا في خوف وقلق مروعين. لم يعرفوا شيئًا عني لمدة عامين حتى سُمح لي بالاتصال بهم، وواجهوا حملة تشويه شنيعة ضدي، وعاشوا حياة صعبة للغاية في غيابي."
ولا يستبعد عياش أن يكون للحوثيين أهداف سياسية من وراء هذه الممارسات. وأضاف: "الحوثيون يمتلكون مناعة قوية ضد الضغوط الدولية، وغالباً ما يستغلون هذه الضغوط لفرض شروط نفعية مقابل الإفراج عن المعتقلين. باعتقادي فإن الحوثيين يستخدموا المعتقلين، خاصة من الأقليات والعاملين في المنظمات الدولية، كرهائن. وكلما زادت الضغوط الدولية، ارتفع سقف مطالب الحوثيين".
وتشير حملات الحوثيين ضد البهائيين إلى استهداف ممنهج وعنيف، خاصة بعد إصدار أوامر قضائية تقضي بإعدام العشرات منهم ومصادرة ممتلكاتهم دون وجه حق، وفقاً لما أكده نادر السقاف. وأوضح أن هذه الملاحقات أدت إلى تدمير أرزاق العديد من العائلات والأفراد البهائيين، وأجبرت بعضهم على الهجرة القسرية أو النفي من اليمن.
وقال السقاف إن المعتقلين تعرضوا لضغوط شديدة ومحاولات غير ناجحة لإكراههم على ترك معتقداتهم البهائية وذلك عن طريق المشاركة فيما يسمى بـ "الدورات الثقافية" بشكل إجباري. وهي دورات دينية يستخدمها الحوثيون لغسل أدمغة آلاف الأشخاص، بمن فيهم الأطفال والمراهقين وأسرى الجماعة بعد الإفراج عنهم.
امتداد أيدولوجي
ويرى الصحفي ورئيس مبادرة إثراء، عبد الرزاق العزعزي، أن الحوثيين يمارسون هذه الانتهاكات ضد البهائيين وأتباع الديانات والطوائف الأخرى لأنهم لا يريدون وجود أي قوى تخالفهم، خاصة إذا كانت قوة دينية، حيث يرون في ذلك تهديدًا لنفوذهم وتوسعهم وبالتالي لجمهورهم.
وأضاف لمركز سوث24: "هناك نقطة أخرى، وهي أن الحوثيين يعتبرون البهائيين وغيرهم، بمن فيهم الصحفيون والحقوقيون والمحامون، كفارًا وأدوات غربية لمحاربة الإسلام. وقد أعلن زعيم الميليشيا هذا الرأي صراحة في إحدى خطاباته، قبل أن يتم حذفه من حساباتهم"، حد زعمه.
ومن جهته قال المحامي والناشط الحقوقي اليمني، توفيق الحميدي، إن الحوثيين يسعون لاستخدام البهائيين كورقة ابتزاز سياسي، مستغلين الحساسية المرتبطة بملف الأقليات. وأشار الحميدي في حديثه لمركز سوث24 إلى أنّ ضعف الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، إلى جانب تدخل عوامل معقدة مثل الخشية من الانتقام، وعدم الرغبة في فقدان الحياد وحماية المصالح، تسهم في تعقيد الموقف.
القانون والدين
بالإضافة للتفسيرات الخاص بالنصوص الدينية الإسلامية، يستخدم الحوثيون في كثير من الأوقات نصوص وتشريعات من القانون اليمني لتمرير كثير من ممارساتهم، مع استغلال الثغرات الخطيرة الموجودة في هذا القانون والتي تساعد في قمع واضطهاد الأقليات والنساء، كما يقول حقوقيون.
وفي هذا السياق، قال المحامي الحميدي إن التفسيرات الدينية والتشريعية المتباينة، والأحكام المسبقة المبنية على آراء فقهية، قد أثرت على القوانين بشكل يتضمن أحكاماً تتعلق بالردة وتجريم اعتناق ديانات أخرى غير الإسلام. ونتيجة لذلك، تستغل الميليشيات هذه الآراء في شن حملات ظالمة ضد الأقليات الدينية.
وأضاف الحميدي أن تفسير وتطبيق القانون ضد جماعات معينة يعزز الرؤية السلبية المسبقة، مما يعزز تعرض الأقليات للاضطهاد. وأشار إلى أن الدراسات الفقهية والإعلام يلعبان دوراً مهماً في تفاقم هذه الانتهاكات.
الوضع الراهن والمصير
يثير مصير البهائيين في اليمن قلقًا كبيرًا، لا سيما في ظل استمرار سيطرة ميليشيا الحوثيين على أجزاء واسعة من شمال البلاد. ورغم الإفراج الأخير عن آخر المعتقلين من أتباع الديانة البهائية في سجون الحوثيين، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن استمرار هذه الانتهاكات ضدهم، بما في ذلك التهديد بالتصفية في حال ممارستهم لأي نشاط بهائي. جاء هذا التحذير على لسان وليد عياش، أمين عام المجلس الوطني للأقليات في اليمن.
وحذّر نادر السقاف أن سياسة الحوثيين تجاه البهائيين ما زالت تستند إلى اضطهاد ممنهج قد يصل إلى مستوى التطهير الديني أو "الإبادة الصامتة". وأضاف أن "الحوثيين يعتمدون على أيديولوجيا متشددة لا تقبل التنوع الديني، مما يجعل من الصعب التنبؤ بتوقفهم عن اضطهاد البهائيين. هناك آلاف من البهائيين تعرضوا بطرق مختلفة للأذى بسبب ممارسات الحوثيين".
وأشار السقاف إلى أن الإفراج عن المعتقلين البهائيين رغم كونه خطوة إيجابية، لا يعني بالضرورة انتهاء الاضطهاد. وأكد على ضرورة أن تتوقف ميليشيا الحوثيين عن ممارساتها القمعية ضد البهائيين وغيرهم من الأقليات والمكونات الدينية، وأن تُفرج عن جميع السجناء الأبرياء الذين اعتقلوا بشكل تعسفي.
من جانبه، أشار المحامي توفيق الحميدي إلى أن إطلاق سراح آخر أربعة معتقلين بهائيين في سجون الحوثيين لا يعني أن الجماعة قد توقفت عن انتهاكاتها ضد أتباع هذه الديانة. ولفت إلى أن الحوثيين قد يستأنفون انتهاكاتهم في المستقبل إذا شعروا بتراجع الضغوط عليهم، ما يجعل من الصعب التنبؤ بسلوكياتهم.
وأضاف الحميدي: "لقد شهدنا مؤخرًا حملات اعتقال واسعة وممنهجة ضد العاملين في السفارات والنشاط الإنساني، دون أي احترام أو تقدير لعملهم. والمثير للاهتمام أن هذه الحملة كانت على أساس أعمال قاموا بها قبل تواجد الحوثيين في السلطة، مما يشير إلى أن الوضع العام لم يشهد أي تحولات سياسية ملموسة".
في نهاية المطاف، تبقى قضية البهائيين في اليمن مثالًا صارخًا على الانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات الدينية في البلاد التي تمزقها الحرب منذ قرابة عشر سنوات، لاسيما من قبل الجماعات الدينية مثل الحوثيين والقاعدة وداعش.
وبشكل عام، فقد واجه التنوع الديني في اليمن محطات قاسية، مثل ما تعرض له يهود اليمن الذين تركزوا في صنعاء وعمران ومحافظات أخرى خلال العقود الماضية من تهجير نحو إسرائيل. ولا تعرف حتى الآن الأوضاع الدقيقة للأقلية اليهودية، فضلا عن الأقلية المسيحية التي تواجدت في عدن بجنوب اليمن وواجهت اضطهادا بعد الوحدة اليمنية، وصل ذروته في عام 2015، عندما فجّر متطرفون متأثرون بالأفكار الجهادية كنيسة تاريخية، وارتكبوا مذبحة في دار للعجزة.
Previous article