تظاهرة لضباط جنوبيين مبعدين قسرا من وظائفهم أمام وزارة المالية، بالعاصمة عدن، (الصورة: ناشطون - تم تحسينها بواسطة الذكاء الاصطناعي)
03-10-2024 at 9 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 4 سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة المالية اليمنية، بدء عملية صرف المستحقات المالية للموظفين العسكريين والأمنيين المبعدين عن وظائفهم في محافظات جنوب اليمن، لعدد "أكثر من 34 ألف مستفيد"، بمبلغ أكثر من 9 مليارات ريال، وذلك عبر بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر.
والمبعدون قسرًا من وظائفهم هو مصطلح يطلق على عشرات الآلاف من الموظفين العسكريين والأمنيين والمدنيين الجنوبيين الذين تم إقصاؤهم أعقاب حرب 1994، التي اجتاحت فيها القوات الشمالية جنوب اليمن بعد أربع سنوات من الوحدة الاندماجية بين دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي في 1990.
آنذاك، عمد نظام الوحدة المركزي من صنعاء إلى الانتقام من كوادر الجيش الجنوبي وكوادر المؤسسات المدنية عبر إحالتهم للتقاعد القسري وحرمانهم من المرتبات، ومزيج من الأساليب الأخرى التي استندت على الخلفية الجهوية والمناطقية لقرابة ثلاثة عقود من الزمن.
وجاءت خطوة صرف المستحقين الجنوبيين مؤخرًا بعد سنوات من العمل الدؤوب لأفراد ولجان في مقدمتها اللجنة التي شكلها الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في يناير 2013، وصولًا إلى عهد مجلس القيادة الرئاسي الحالي الذي أخرج قرارات اللجنة وتوصياتها إلى التنفيذ العملي.
ومع ذلك، لازال الآلاف من المبعدين قسرا من الجنوبيين محرومين من تسوية أوضاعهم ورتبهم حتى الآن، فضلًا عن كل تلك السنوات بين 1994 – 2024 التي حرم فيها هؤلاء المبعدون من مستحقاتهم، حيث اكتفت الحكومة اليمنية بصرف مرتبات 3 أشهر مؤخرًا فقط للذين تمت تسوية أوضاعهم وتمت ترقيتهم للرتب المستحقة.
الإنصاف المتأخر
في 8 يناير 2013، شكَّل الرئيس اليمني السابق عيد ربَّه منصور هادي لجنة لمعالجة قضايا الموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري. لاحقاً في 18 مايو 2023، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي قرارات بترقية وتسوية اوضاع أكثر من 52 ألفًا من الموظفين المبعدين عن وظائفهم في محافظات الجنوب.
وفقًا لمصدر مطلع لمركز سوث24، لعب عضو المجلس الرئاسي ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عبد الرحمن المحرمي جهدًا مفصليًا للدفع نحو هذه الخطوة. وفي 9 سبتمبر الجاري، نشرت صحيفة 14 أكتوبر الحكومية كشوفات أسماء الترقيات والتسويات للمبعدين قسرًا.
وفي حديث مع مركز سوث24، قالت الناطقة الإعلامية للجنة معالجة قضايا الموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري بمحافظات الجنوب، القاضي نورا ضيف الله قعطبي: "لقد أنجزت اللجنة عدد 13 قرارًا لعدد 52 ألف تظلم خاص بالمبعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين".
وأضافت: "هذه القرارات صدرت بدءًا من القرار الرئاسي رقم 42 إلى القرار رقم 62، والتي أصدرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتاريخ 15 مايو 2023. بالإضافة إلى ذلك، تم تضمين القرارات السابقة رقم 1 و2، التي أصدرها الرئيس السابق هادي خلال الأعوام 2013-2014، ليصل إجمالي ما أنجزته اللجنة وصدر بالقرارات الرئاسية إلى 62 ألف حالة وتظلم عسكري وأمني ومدني نتيجة الإبعاد القسري والتقاعد المبكر والانقطاع بسبب حرب 1994".
ولفتت إلى أنّه ما زال أمام اللجنة معالجة بقية التظلمات العسكرية والأمنية والمدنية وقضايا المتقاعدين التي قيدت أمام اللجنة والتي تتوافق مع معايير المعالجة.
في حديث لمركز سوث24، أشار رئيس مجلس التنسيق الأعلى للمسرحين قسراً، العميد عبده المعطري إلى أنّه تم اتخاذ أول قرار لتسوية أوضاع المسرحين في العام 2008، خلال عهد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. مضيفًا: "في عام 2013، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارين جديدين لتسوية أوضاع المتضررين من أحداث 1994، وشملت هذه القرارات حوالي 10 آلاف شخص. أما في عام 2023، فقد شهدنا تقدماً ملحوظاً في هذا الملف، حيث قامت اللجنة الرئاسية بإعداد وأرشفت تلك القرارات وتم حتى الآن الانتهاء من أكثر من 50 ألف شخص".
وأشار إلى أنَّ "القرارات تشمل حل وتسوية أوضاع 62 ألف شخص عسكري وأمني ومدني". وأضاف: "لقد تم تسوية أوضاع البعض، وقد اللجنة الرئاسية أن من تنطبق عليهم القرارات ولم تُعلن أسماؤهم، سوف يتم معالجة موضوعهم، ونحن سوف نستكمل من لم يتم تسوية أوضاعهم".
ولفت إلى وجود ما يقرب من نحو 16 ألف موظف مدني سقطت أسماؤهم. لكنه بشر أن "هذه الإشكالية في طريقها للحل خلال الأسابيع القادمة".
الهيئة العسكرية العليا للجيش والأمن الجنوبي من الجهات التي لعبت دورًا بارزًا في هذا الملف أيضًا. وفي هذا الصدد، قال المستشار القانوني للهيئة العميد سعيد العيسائي لمركز سوث24: "في سبيل هذه القضية، لقد أتبعنا مسارات متعددة للمطالبة بحقوقنا المشروعة. شملت هذه المسارات: تقديم طلباتنا عبر الحكومة ومجلس الرئاسة، وتنظيم اعتصامات ومؤتمرات صحفية، والتوجه إلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتوعية القانونية".
الصعوبات
أبرز التحديات التي تواجه عمل الكيانات التي تعمل على معالجة أوضاع المسرحين قسراً تتعلق بعدة عوامل، منها سقوط بعض الأسماء من القوائم نتيجة لأخطاء في البيانات أو عدم تقديم الملفات المطلوبة، إضافة إلى التأخير في إصدار الفتاوى من وزارة الخدمة المدنية، وفقًا للعميد المعطري.
ولفت المعطري إلى بروز مشكلة أخرى وهي الأخطاء في الأرقام العسكرية أو اختلاف الأسماء المسجلة، مما يعقد عملية التسوية. مضيفًا: "علاوة على ذلك، فإن طول الفترة الزمنية منذ عام 1994 أدى إلى فقدان بعض الوثائق الضرورية لإتمام الإجراءات".
وتحدثت القاضي نورا قعطبي عن توافد أعداد كبيرة من المواطنين على اللجنة رغم أن 90% منهم لم يتقدموا منذ تأسيس اللجنة، وأكدت أن اختصاص اللجنة محدد بالقرار الرئاسي.
الإنصاف الكامل
مما لا شك فيه، فإن أي تعويض لمن أمضوا عقودًا كاملة محرومين من حقوقهم ومستحقاتهم لأسباب سياسية وجهوية سيظل منقوصًا مهما كان. ومع ذلك، فإن الواقع اليوم يتطلب استمرار المحاولات للاقتراب حد الإمكان من الإنصاف الكامل.
شرح العميد المعطري ملامح التسوية الحالية لأوضاع الجنوبيين المبعدين قسرا من وظائفهم. وفقًا له، فإن "ما حدث هو تسوية المرتبات. على سبيل المثال، يتقاضى المتقاعد برتبة مساعد أول 27 ألف يمني قبل التسوية، والآن 115، والعقيد 40 ألف ريال يمني، والآن 180، والعميد 50 ألف ريال يمني، والآن 190 ألف ريال يمني".
وأضاف: "حتى الآن، تم إضافة زيادة قدرها ثلاثة أشهر فقط للمرتبات، وليس اعتبارا للفترة منذ صدور القرار. نحن لا نريد الدخول في متاهات حالياً، لكن سيتم النظر في أي مستحقات قانونية أخرى بعد استكمال عملية الصرف".
ويؤكد العميد العيسائي على أنه "تم احتساب ثلاث أشهر فقط (يونيو، يوليو، أغسطس) كتسوية، لكننا لم نحصل على الراتب الكامل للأشهر والسنوات السابقة التي شملتها القرارات الجمهورية في العام 2014، ولم نستلم التسوية أو ربط التسوية مع الراتب القديم حتى هذه اللحظة".
وأوضح العيسائي أن الخطوة الأولى التي يقومون بها حاليا هي تطبيق فارق التسوية، مضيفاً: "أما التعويضات والحقوق السابقة فسيتم النظر فيها لاحقًا".
وفي هذا الشأن، قالت القاضي قعطبي: "لجنتنا تعمل على استيفاء واستكمال جميع الملفات والمظالم المقيدة لديها، ولن تغفل أي مظلمة قيدت أمامها. كما أن البعض ممن شملتهم القرارات بالمعالجة، ولكن لم يحصلوا على أي تسويات أو استحقاقات أو فارق مالي، وذلك لأن مرتباتهم جارية في مؤسساتهم العسكرية والأمنية، وقد ورد ذكرهم في القرارات لحماية حقوقهم المستقبلية".
ورغم هذا الإنصاف المتأخر وغير الكامل، إلا أنه يظل بارقة إيجابية بالنسبة للسكان في جنوب اليمن. ومن المتوقع أن يسهم أيضًا في تحقيق نوع من الثقة بالمجلس الرئاسي والحكومة اليمنية في ظل هذه الظروف والتحولات التاريخية التي تمر بها البلاد والمنطقة. ويظل استكمال العمل لمعالجة ملفات كل الموظفين أمر بالغ الأهمية.