الرئيس اللبناني جوزيف عون - أ ف ب
13-01-2025 at 7 PM Aden Time
"يبدو أنّ أحد الأولويات الرئيسية للعماد جوزيف عون سوف تتمثل بالسعي لإعادة لبنان إلى حاضنته العربية، وذلك في ضوء مجموعة من المحددات والمتغيرات الرئيسية.."
سوث24 | محمد فوزي
بعد ثلاثة عشر جلسة برلمانية لم تُفضي إلى توافق، وفي أول وأهم استحقاق لبناني عقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، نجح البرلمان اللبناني في الجلسة التي عُقدت في 9 يناير 2025، في انتخاب العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني السابق، كرئيس جديد للجمهورية اللبنانية، بأغلبية 99 صوتاً من أصل 128. وبذلك يصبح جوزيف عون هو الرئيس الرابع عشر للبنان، ليطوي لبنان بذلك صفحة الفراغ الرئاسية الممتدة منذ عام 2022. وطرحت هذه الخطوة اللبنانية المهمة تساؤلات عن الكواليس والسياقات التي جرى فيها اختيار الرئيس اللبناني الجديد، وكذا أبرز الملفات والتحديات التي ستكون على طاولة العماد جوزيف عون كرئيس للبنان على المدى القريب.
خلفيات اختيار الرئيس اللبناني الجديد
كان هناك مجموعة من المشاهد والمؤشرات الرئيسية التي عبرّت في مجملها عن الكواليس والسياقات التي جاء في ظلها اختيار الرئيس اللبناني الجديد، ويُمكن رصد أبرز هذه المؤشرات في ضوء التالي:
1- تعديل ضمني للدستور اللبناني: حظي العماد جوزيف عون بتأييد برلماني كبير خصوصاً في الجلسة الثانية للتصويت، بعد أن انضم الثنائي الشيعي "حركة أمل" و"حزب الله" إلى التوافق حول "عون"، ما ضمن له 30 صوتاً إضافياً (كان قد حصل على 71 صوتاً في الجلسة الأولى). وكانت هذه الأغلبية أشبه بتعديل ضمني للدستور، انطلاقاً من كون الدستور يفرض استقالته بوصفه قائداً للجيش قبل سنتين من انتخابه. ووفقاً للنظام السياسي والدستوري في لبنان، فإنّ الرئيس بحاجة إلى أكثر من ثلثي أصوات البرلمان، لتعديل الدستور الذي لا يسمح بانتخاب موظفين من الفئة الأولى وهم في المنصب، كما هي حال عون، وحتى عامين من استقالتهم أو إحالتهم إلى التقاعد.
2- توافق إقليمي ودولي واسع: شهد لبنان على مدار الأسبوع الماضي زيارات وحراك دبلوماسي كبير، استهدف بشكل رئيسي أمرين، دعم عقد جلسة برلمانية لانتخاب الرئيس الجديد، والثاني هو دعم العماد جوزيف عون كرئيس جديد للبنان. وقدم إلى لبنان مجموعة من الوفود الدبلوماسية من الولايات المتحدة وقطر وفرنسا والسعودية في محاولة للتأكيد على أهمية عدم إرجاء انتخاب الرئيس. ولأن جوزيف عون يحتاج لأغلبية الثلثين، انصب جزء كبير من الحراك الدولي مع القوى السياسية في لبنان على مسألة دعم مرشح الجيش.
وتعكس تصريحات المسؤولين الدوليين والإقليميين تجاه العماد جوزيف عون استناد هذا الدعم الكبير للرجل، إلى نظرة ترى فيه أنّه يعبر عن الكفاءة المهنية، والوسطية السياسية، ومعايشته للعديد من الظروف والسياقات والتجارب السياسية الصعبة في لبنان، ومنها حالة الشلل المؤسسي في عهد العماد ميشال عون الرئيس السابق، ومعايشته للحراك الشعبي الكبير ضد الطبقات السياسية في 2019، وكذا دوره في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله.
3- خطاب ثوري للرئيس الجديد: عقب اختياره كرئيس جديد للبنان، ألقى العماد جوزيف عون خطاب القسم، والذي حمل مجموعة من الرسائل الأساسية، حيث أكد على الهوية اللبنانية متعددة الطوائف، مشدداً على أولوية ملفات: إعادة الإعمار، واستقلالية القضاء وأن يكون جميع اللبنانيين تحت سقفه، ومواجهة المافيات والفساد وعمليات التهريب، وإعادة هيكلة الإدارة العامة، وتثبيت سيطرة الجيش على الحدود واحتكاره للسلاح كجزء من وضع استراتيجية دفاعية جديدة شاملة، والعمل على منع أي اعتداءات إسرائيلية على لبنان، وممارسة سياسة الحياد الإيجابي، ورفض توطين الفلسطينيين وإشراف الدولة على أمن المخيمات، وبدء حوار جدي مع سوريا بخصوص عدد من الملفات. وبشكل عام، فقد أعطى هذا الخطاب من الرئيس اللبناني الجديد، بصيص أمل للبنانيين على اعتبار أنّه مثل خروجاً عن المألوف في العديد من المواضع، وعبر عن رسائل شديدة اللهجة تجاه المنظومة الحاكمة ككل في لبنان.
أبرز الأولويات والتحديات
انطلق خطاب الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون من افتراض رئيسي مفاده وجود أزمة في منظومة الحكم بلبنان، ما يستدعي تغيير الأداء السياسي للنخب السياسية اللبنانية. وبشكل عام يطرح الوضع الراهن في لبنان، وكذا خطاب القسم لـ "عون"، مجموعة من الأولويات والتحديات الرئيسية أمام الرئيس اللبناني الجديد، ويمكن بيان أبرز هذه الأولويات والتحديات في ضوء الآتي:
1- ملف تشكيل الحكومة الجديدة: استهل العماد جوزيف عون عهدته الرئاسية، بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، طالباً منه الاستمرار في تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وعقب اللقاء أعلنت الرئاسة اللبنانية أن الرئيس جوزيف عون حدد يوم الاثنين (13 يناير) موعداً لبدء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة، وهو ما تم اليوم بتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة.
وقبل تكليف نواف سلام، كانت تُطرح في الأوساط اللبنانية مجموعة من الخيارات فيما يتعلق برئاسة الحكومة الجديدة، أولها استمرار الرئيس نجيب ميقاتي كرئيس للوزراء لحين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في 2026. ويحظى هذا الخيار وفق بعض التقارير اللبنانية بدعم الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل"، بالإضافة لدعم من تيار «المردة» والحزب الاشتراكي وتكتّل الاعتدال.
2- إعادة بناء المؤسسات الأمنية: سوف تنصرف الأولوية الثانية للرئيس اللبناني الجديد عقب تشكيل الحكومة الجديدة، إلى بعض الملفات الأمنية المهمة، وعلى رأسها اختيار قائد جديد للجيش اللبناني، وهو الاختيار الذي يتم دستورياً عقب تشكيل الحكومة، حيث ستقوم الحكومة الجديدة بترشيح ثلاثة أسماء يتم التوافق على أحدها. وتشير الأعراف الخاصة باختيار قائد الجيش اللبناني تاريخياً، إلى أن قائد الجيش على الأرجح يكون من الطائفة المارونية، كما أنّ الاختيار يجب أن يحوز على موافقة رئيس الجمهورية. وتُشير بعض التقديرات إلى أنّ واحداً من أبرز الأسماء المطروحة في هذا الصدد هو مدير المخابرات في الجيش، العميد طوني قهوجي. وكان وزير الدفاع اللبناني موريس سليم قد كلف، رئيس الأركان اللواء الركن حسان عوده تأمين قيادة الجيش بالإنابة، بعد انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية.
وبالإضافة لملف اختيار قائد الجيش الجديد، يوجد مجموعة من الأولويات الأمنية الرئيسية بالنسبة للرئيس اللبناني الجديد. وكان لافتاً في خطاب القسم لـ "عون" أنه أكد على دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة، وأكد على حق الدولة الأصيل في احتكار السلاح، في رسائل يبدو أنّها كانت موجهة بشكل رئيسي لحزب الله. ويبدو أنّ الاستراتيجية الدفاعية الجديدة التي تحدث عنها "عون" سوف تُركز على أن الجيش سيكون ذا عقيدة قتالية دفاعية يحمي الأرض ويخوض الحروب طبقاً لأحكام الدستور ويطبق القرارات الدولية ويحارب الإرهاب وعمليات التهريب ويفرض سيطرته على الحدود ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية. كذلك فإنّ عدم تطرق الرئيس الجديد لفكرة "المقاومة" ودورها في تحرير الأراضي اللبنانية، تعكس نسبياً احتمالية تراجع نفوذ وتحركات حزب الله خلال العهدة الرئاسية الجديدة.
3- احتضان بيئة المقاومة اللبنانية: كان لافتاً في خطاب الرئيس اللبناني الجديد هو بعثه برسائل تستهدف احتضان بيئة المقاومة اللبنانية، وتجسد ذلك عندما تعهد بإعادة إعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وجميع أنحاء لبنان، واعتبر أنّ شهداء لبنان هم روح عزيمته والأسرى هم أمانة في عنقه، وتأكيده أن "تأذّي لبناني واحد هو تأذّي لكل لبنان"، وهي رسائل استهدفت من جانب التأكيد على سلطة الدول اللبنانية الجديدة على كل الحدود، مع الحرص على عدم استفزاز البيئة الحاضنة لحزب الله.
4- عودة لبنان إلى حاضنته العربية: كان من الملاحظات الرئيسية في ملف اختيار الرئيس اللبناني الجديد، هو حضور ممثلين عن الدول العربية خصوصاً من مصر والسعودية. وفي هذا السياق وجّه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، دعوة للرئيس اللبناني جوزيف عون، لزيارة المملكة، وذلك خلال اتصالٍ هاتفي أبلغه فيه تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتهنئته، بانتخابه وأدائه اليمين الدستورية رئيساً للبنان. وفي سياق متصل اتفق رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، والرئيس اللبناني جوزيف عون، على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة فتح سفارة دولة الإمارات في بيروت. كذلك أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً بالرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، اتفقا فيه على عقد لقاء ثنائي قريب، وناقشا عدداً من الملفات.
بشكل عام، يبدو أنّ أحد الأولويات الرئيسية للعماد جوزيف عون سوف تتمثل بالسعي لإعادة لبنان إلى حاضنته العربية، وذلك في ضوء مجموعة من المحددات والمتغيرات الرئيسية، أولها تراجع النفوذ الإيراني بشكل كبير في المنطقة بما ينسحب على لبنان. والثاني، المتغيرات الأخيرة في سوريا والإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد وحالة الانفتاح العربي على سوريا، بما تفرضه من تحديات بالنسبة للبنان. وثالثا، حاجة لبنان إلى الدعم العربي على كافة المستويات في ضوء الأزمات البنيوية العميقة التي تعاني منها الدولة.
5- التحديات المرتبطة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي: هناك مجموعة من التحديات الخاصة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى رأسها ملفات عدم الانسحاب الإسرائيلي حتى اللحظة من مجمل مناطق الجنوب اللبناني، وملف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، فضلاً عن ملف المخيمات الفلسطينية في لبنان. وبتحليل خطاب الرئيس جوزيف عون، يتبدّى أنّ الرجل سوف يكون حريصاً على الضغط لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، فضلاً عن تقوية الجيش اللبناني والدفاع باتجاه احتكاره للسلاح والسيطرة على الحدود، فضلاً عن تأكيده رفض توطين الفلسطينيين، حيث أشار إليهم بلفظ "الأخوة"، فيما يبدو أنّه التزام بالمبادرة العربية والتي تعتبر توطين الفلسطينيين تتعارض وحق العودة وحق حل الدولتين.
6- الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان: تعهّد الرئيس اللبناني الجديد بدعم تطبيق الاقتصاد الحر وحماية الملكية الفردية وإصلاح القطاع المصرفي وإعمال القانون بشأنه، وحماية أموال المودعين وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي خاصةً شبكة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. وكانت فكرة الشلل المؤسساتي وعدم امتلاك حكومة "ميقاتي" لصلاحيات كاملة، على رأس التحديات التي ساهمت في مفاقمة الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، الأمر الذي يجعل من التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي وصلت إلى ذروتها في لبنان أحد التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني الجديد والحكومة المزمع تشكيلها.
يمكن القول، إنّ اختيار جوزيف عون كرئيس جديد للبنان، عبّر عن انفراجة نسبية في الملف اللبناني، حيث مثّلت هذه الخطوة طوياً لفترة ممتدة من الشغور الرئاسي في لبنان، وما صاحب ذلك من أزمات وتداعيات سلبية. ورغم حالة الاحتفاء بخطاب القسم الذي ألقاه "عون" والوعود التي قطعها، إلا أنّ حجم التحديات المركبة التي تواجهها الدولة اللبنانية، سوف يضع الرئيس اللبناني أمام اختبارات عديدة، وسوف تكون مدى قدرة "عون" على إعادة بناء الجبهة الداخلية، وكذا حجم الانفتاح والدعم الخارجي على النظام اللبناني الجديد، عوامل محددة لمدى قدرة الرئيس اللبناني على التعامل مع هذه التحديات والأزمات المركبة.
Previous article