20-04-2020 at 10 PM Aden Time
سوث24| إياد قاسم، بدر محمد
تتصاعد مخاوف الخبراء والمراقبين من إشارات النفوذ التركي في منطقة شبه الجزيرة العربية وخصوصا في جنوب اليمن، حيث يحتضنا بحراها ومضيقها الدولي المائي عصب الملاحة العالمية، في وقت عجزت فيه إيران حتى اللحظة عن إيجاد موطئ قدم في المنطقة الاستراتيجية رغم سيطرة أتباعها "الحوثيين" شبه الكامل على شمال اليمن الحدودي مع المملكة العربية السعودية.
لم تظهر حتى الآن تصريحات علنية تدفع بهذه المخاوف إلى واجهة الصدام الدبلوماسي الرسمي بين دول التحالف العربي المسيطرة عمليا على جنوب اليمن، والمنتشرة قواها البحرية في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر، وبين تركيا التي تتمركز في قاعدتها العسكرية في دولة الصومال المجاورة على الضفة الأخرى من الخليج.
تصعيد إعلامي
الاتهامات الشائعة حتى الآن ترتبط بشكل رئيسي في قضية التدخل التركي السافر في ليبيا وشرق سوريا، ودعم تركيا لحركات الإخوان المسلمين في العالم العربي، إلا أن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018 كان الوقود النهائية لتحوّل تركيا إلى مدفع غير متزن يُطلق قذائفه بكل مكان، ولو من نافذة الجارة القطَرية "المؤذية" في مياه الخليج العربي.
وفي تطوّر يدفع إلى مزيد من التصعيد في العلاقات السعودية الإماراتية مع تركيا، حجبت السلطات التركية أمس الأحد عددا كبيرا من مواقع إلكترونية لوسائل إعلام سعودية وإماراتية كبرى داخل البلاد، ردا على إجراء مماثل اتخذته الحكومة السعودية بحق وكالة وقناة إخباريتين تركيتين. [1]
وتأتي عملية الحجب بعد يوم واحد من نشر الكاتب التركي البارز إسماعيل ياشا، المقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم (إخوان تركيا)، مقالا بعنوان "اليمن ينتظرنا" دعا فيه علانية السلطات التركية للتدخل بقوة في اليمن، ملمّحاً لضرورة طرد القوات السعودية من هناك.
تفاخر الكاتب التركي في صناعات عسكرية تركية، قال أن اليمنيين يتشوّقون لرؤيتها، ناصحا الحكومة التركية بالاستجابة لنداء اليمنيين. في إشارة واضحة لدعوات وزراء بارزين في حكومة عبدربه منصور هادي، بينهم وزير النقل صالح الجبواني (أقيل مؤخرا)، ووزير الداخلية أحمد الميسري.
لم يذهب الكاتب التركي بعيدا في توجيه تهديداته، فالـ "اليمن قد تبدو بعيدة عن تركيا، لكن يجب أن نتذكر أنه قريب من قاعدتنا العسكرية في الصومال".[2] تركيا التي هيأت قطر لها الدور للتغلغل في داخل مؤسساتها السيادية والاستخبارية الصومالية.
ويصل ذلك، بحسب الخبير الأمني الصومالي عبد العزيز آل كلاسي إلى أن" تركيا تستخدم ميناء مقديشو الذي يديره صهر اردوغان وزير المالية التركي الحالي بيرات البيرق لإرسال الأسلحة والمرتزقة إلى كل من اليمن وليبيا". [3]
رهان النقيضين
يبدو أن دول التحالف العربي وخصوصا السعودية لا تزال تراهن على استخدام جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، التي يرتبط قادتها بعلاقات واسعة مع تركيا، في حربها داخل اليمن. على الرغم من الهزائم الساحقة لقوات "الجيش الوطني" التي تسيطر عليه الجماعة في منطقتي الجوف ومأرب شمال شرق اليمن.[4] وعلى الرغم من التحذيرات الواسعة التي يطلقها حلفاؤها في التحالف.
لا تزال قيادات الجماعة البارزين مقيمين على الأراضي السعودية. ويمثّل نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر المقيم في الرياض ذراع الجماعة العسكري التاريخي البارز سيء الصيت. [5]
وتراهن تركيا هي الأخرى، بصورة تدعو للتأمل العميق، على ذات الجماعة في مد نفوذها التركي داخل منطقة جنوب اليمن. يتواجد عشرات القيادات البارزين من حزب الإصلاح اليمني وعدد من الناشطين في الحزب داخل الأراضي التركية.
قال المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر: "إن حزب الإصلاح يلعب دوراً فعالاً في منح المؤسسات التركية والحكومة التركية، التي تتنكر في شكل منظمات خيرية، إمكانية الوصول إلى المدن اليمنية"." لدى تركيا مصلحة في تحريض الإخوان المسلمين ومنحها المزيد من النفوذ على الساحة اليمنية.[6]
وبحسب الباحث المصري عمرو إمام فإن تركيا تنشر الآن وحدات بحرية بالقرب من سواحل اليمن ومضيق باب المندب وشيدت قاعدة بحرية / جوية بالقرب من حدودها مع السودان على البحر الأحمر. يقول إمام أن هذا التهديد القادم ليس فقط لأمن دول الخليج ولكنه يشكّل أيضا تهديدا لأمن مصر القومي. [6]
منهجية النفوذ إلى اليمن
النفوذ إلى عمق الجزيرة العربية مرتبط أيضا بإثارة النزعة العربية التي تقوم على فكرة خطف الإسلام خارج المنطقة العربية. فالخاطف العثماني والفارسي ما زالا مضطلعان بلعب هذا الدور حالياً.
فإلى جانب هذا تلعب كل من إيران وتركيا حالياً أدوار القطبية الإسلامية. فإيران القطب الإسلامي الشرقي وتركيا القطب الإسلامي الغربي. هذه القطبية لا تستعدي بعضهما بعض. فما قد يبدو تفاهماً رأسيا بينهما على المستوى السياسي الثنائي كدولتين (ايران-تركيا) يترجمه أداؤهما أفقياً على الساحة العربية في صورة جماعتين إسلاميتين إحداهما تمثل الإسلام السياسي الشيعي والأخرى الإسلام السياسي السني.
يقول المحلل المصري المستقل عبد المنعم أحمد: "كانت تركيا تأمل في أن يخدم الصعود السياسي لهذه الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) بعد الربيع العربي مصالحها في المنطقة". ولهذا السبب ألقت بثقلها وراء الحركة في كل مكان: في مصر والسودان وليبيا واليمن." [6]
في اليمن مثلا، ما حاول تمثيله العداء العقائدي بين السنة والشيعة كقاعدة، كسرته جماعتا الإسلام السياسي بتفاهمهما مؤخراً (جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثيين). ترَك القطبُ العثماني للقطب الفارسي حرية السيطرة والتمدد على كامل الشمال اليمني.
قبل هذا كان العثماني مكتفي من الكعكعة اليمنية بالقطع الصغيرة الوسطى (محافظتي مأرب وتعز)، بتنازل جماعة الإخوان المسلمين عن محافظة الجوف وأجزاء كبيرة من مأرب للحوثيين، انطلق ليدشّن خط تدخله الساخن جنوبا وهو يبدي رغبة جامحة في التوغل، بدأت تتصاعد من موقع قاعدته العسكرية في القرن الأفريقي "الصومال" المطلّ على عدن.
إدارة الفوضى
ومقابل السكون الذي يخيّم على دول المنطقة أمام هذه التهديدات، إلا أن التدخل التركي في الجنوب حاليا يَظهرُ في أفق تبدو فيه فرص نجاحه منعدمة، بأداء يشبه آخر أداء للدولة العثمانية (إمبراطورية الرجل المريض). فالدور التركي المتقهقر لصالح الدور الإيراني في اليمن لا يلبس شخصية القوى الفتية الصاعدة بقدر لبسه شخصية القوى الهرمة الآفلة.
وبالتالي لربما ما تفعله تركيا جنوبا يبدو نوع من العبث والتعطيل ونشر الفوضى في منطقة سيطرة التحالف العربي أكثر منه البحث عن سيطرة وتمكين وهذا هو تماما ما يجعل تهمة ادارة الإرهاب والفوضى لائقة على تركيا.
تتفق هذه النظرة مع تقرير حديث لمؤسسة جيمس تاون الأمريكية المعنية برصد المخاطر التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، عن فوضى تهريب السلاح في منطقة خليج عدن والقرن الإفريقي بين سواحل جنوب اليمن والسواحل الصومالية بدرجة أساسية.
لربما ما تفعله تركيا جنوبا يبدو نوع من العبث والتعطيل ونشر الفوضى في منطقة سيطرة التحالف العربي أكثر منه البحث عن سيطرة وتمكين وهذا هو تماما ما يجعل تهمة ادارة الإرهاب والفوضى لائقة على تركيا.
فقد رصد تقرير للباحث ميخائيل هارتون بأن الأسلحة والعتاد التي يتم الاتجار بها من اليمن لا تزال موجودة في القرن الأفريقي. يتم بيع العديد من الأسلحة المهربة عبر وسطاء ينقلون البضائع غير المشروعة إلى دول مثل كينيا وموزمبيق وتنزانيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.[7]
التقرير كشف عن تهريب أسلحة سعودية تم تصنيعها بشكل خاص للقوات المدعومة من السعودية، مثل بندقية G3. فضلا عن وصول هذه الأسلحة لأيدي الجماعات الإرهابية.
تتحصل جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على الجيش الوطني بشكل مستمر على أسلحة وعتاد سعودي حديث. وتكشف هذه المعلومات بالمقابل، تورّط هذه الجماعة، التي تحاول تركيا عبرها إدارة الفوضى، في إفشاء هذه الفوضى.
هذان الدوران لكل من إيران في الشمال اليمني وتركيا في الجنوب، ضد تواجد التحالف العربي وأمنه القومي تثيران النزعة العروبية أولا بمحاولة خطفهما للإسلام خارج المنطقة العربية وثانيا بالعودة به وتصديره إلى نفس المنطقة بصورة مشوهة وبشكل فوضوي، قد يشكّل في بعض حالاته مصدرا طريا لصناعة الإرهاب.
ولأن حماية المنطقة الاستراتيجية في جنوب اليمن من فوضى النفوذ التركي لا تكمن بالمطلق بتعزيز حشود الإخوان المسلمين على بواباته الحدودية مع الشمال واستمرار التغاضي عن تدفق الأسلحة لأيدي تلك الميليشيات، على الأقل منطقيا، بقدر ما سيشكّل التعاطي الفعّال مع جهود القوات الجنوبية وسياسة المجلس الانتقالي الجنوبي في المنطقة ضرورة قومية لتعزيز فرص الحماية وقطع الطريق أمام تحويل المنطقة إلى خليج فوضى.
- بدر قاسم محمد: زميل باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في شؤون الجماعات المتطرفة
- إياد قاسم: مدير مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث وكاتب
[1] تركيا
توجه "ضربة جوابية" وتحجب في أراضيها مواقع إعلام سعودية وإماراتية،
روسيا اليوم، 19 إبريل 2020
[2] صحيفة تركية تدعو صراحة القوات
التركية لاجتياح اليمن وطرد السعودية، سوث24، 19 إبريل 2020
[4] سقوط آخر معاقل
الشرعية في الجوف يدفع الإخوان لحشد قواتهم في الجنوب، 01 إبريل 2020
[6] خبراء بارزون: علي محسن الأحمر
ارتبط بتنظيم القاعدة والجميع لا يثق فيه، سوث24، 17 إبريل 2020
[6] Growing Turkish interference in Yemen stirs concern in Cairo، Arab Weekly، 12 إبريل 2020
[7] جيمس تاون: الأسلحة المهربة من
اليمن ستؤجج الصراع في القرن الأفريقي، 19 إبريل 2020