محمية دكسم وسط جزيرة سقطرى، 7 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
Last updated on: 08-12-2025 at 9 PM Aden Time
|
|
مركز سوث24 | رياض مبارك، سعد العجمي
يمثّل أرخبيل سقطرى في جنوب اليمن أحد أبرز النماذج العالمية للتنوّع الحيوي، إذ يجمع بين منظومات بيئية نادرة لا تتكرر في أي مكان آخر. يقع الأرخبيل في المحيط الهندي شرق خليج عدن، ويتميّز بموقعه الجغرافي المعزول الذي ساهم عبر آلاف السنين في نشوء أنواع نباتية وحيوانية متوطّنة ارتبط اسم الجزيرة بها، الأمر الذي أدى إلى إدراجها عام 2008 ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو.

محمية دكسم وسط جزيرة سقطرى، 7 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
وتُظهر الدراسات أن نحو 37% من النباتات المسجّلة في سقطرى لا توجد خارجها، إضافة إلى 90% من أنواع الزواحف وقرابة 95% من الحلزونات البرية. هذا الثراء الاستثنائي، إلى جانب تشكيلات جيولوجية فريدة من الكهوف والمغارات، وموائل ساحلية متنوعة، جعل من سقطرى نموذجًا عالميًا للتنوّع البيولوجي في منطقة خليج عدن، وسببًا في منحها لقب “غالاباغوس المحيط الهندي”.
على الجانب الاجتماعي، حافظ المجتمع السقطري طويلًا على علاقته المتوازنة بالطبيعة عبر ممارسات تقليدية دقيقة في الرعي والصيد وإدارة الموارد، ما سمح للنظام البيئي بالاستمرار دون ضغوط كبيرة. غير أنّ العقد الأخير شهد تغيّرات متسارعة في المناخ والأنشطة البشرية، الأمر الذي بدأ ينعكس على الغطاء النباتي، والموائل البرية والبحرية، والموارد الطبيعية التي يعتمد عليها السكان.
يسعى هذا التقرير إلى تقديم تغطية لهذه التحديات المتنامية، من خلال عرض المعطيات البيئية والشهادات الرسمية والمجتمعية، وتسليط الضوء على التحولات التي تشهدها الجزيرة في ضوء التغيرات المناخية والضغوط البشرية الحديثة.

الأماكن الرطبة في منطقة سرهين بسقطرى، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
الخلفية البيئية والجغرافية
يتميّز أرخبيل سقطرى ببيئة طبيعية ذات خصائص فريدة جعلته واحدًا من أهم مواقع التنوع الحيوي في العالم. يقع الأرخبيل في المحيط الهندي شرق خليج عدن، ويتكوّن من أربع جزر رئيسية وعدد من الجزر الصغيرة التي تشترك جميعها في نظام بيئي متنوع يرتبط بعوامل جغرافية ومناخية متباينة. ويُعد هذا التنوع أحد أبرز أسباب تصنيف سقطرى ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو.

منطقة عرهر شمالي سقطرى، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
تشير البيانات العلمية إلى أن سقطرى تمتلك ما يزيد عن 825 نوع نباتي، منها ما يقارب 300 نوع متوطن لا يوجد في أي مكان آخر. وتبرز أشجار دم الأخوين واللبان كرمزين بيئيين لهذه الخصوصية، إلى جانب تشكيلات واسعة من الشجيرات والنباتات الطبية.
ويمتد التفرّد الحيوي ليشمل الكائنات الأخرى، إذ تحتضن الجزيرة 90% من أنواع الزواحف المتوطنة و95% من الحلزونات البرية، إضافة إلى موائل بحرية متنوعة تضم أسماكًا وشعابًا مرجانية وسلاحف بحرية، ما يعكس غنى النظام البيئي البحري المحيط بسقطرى.
لكن هذه البيئة الفريدة واجهت مؤخرًا تحديات متلاحقة، منها ما هو طبيعي، ومنها ما يسهم فيه النشاط البشري بشكل مباشر.
التحديات الطبيعية والبشرية
تواجه سقطرى خلال السنوات الأخيرة مجموعة من التحديات الطبيعية التي أثّرت على تنوعها الحيوي وموائلها البرية والبحرية، وبدأت انعكاساتها تظهر بشكل ملموس مع تكرار الأعاصير وارتفاع درجات الحرارة وتزايد موجات الجفاف. فمنذ العام 2015 ضربت الأرخبيل سلسلة من الأعاصير المدارية، بينها إعصارا «تشابالا» و«ميج»، مخلفة أضرارًا واسعة في الأشجار المتوطنة مثل اللبان ودم الأخوين، إضافة إلى تراجع مساحات من الغطاء النباتي بفعل الرياح والانجراف المائي.
وتؤكد تقارير اليونسكو أن بعض غابات دم الأخوين تعرضت لاقتلاع شبه كامل في مواقع متعددة، إلى جانب تدهور التربة نتيجة الأمطار الغزيرة التي صاحبت تلك الأعاصير. كما أشارت دراسات مناخية دولية إلى أن ارتفاع حرارة سطح البحر في المحيط الهندي كان من العوامل الرئيسية التي زادت من قوة الأعاصير المؤثرة على الجزيرة، في حين أُصيبت الشعاب المرجانية بأضرار ناتجة عن اضطراب الأمواج وارتفاع نسبة الرواسب، وهو جانب لا تزال بياناته غير مكتملة بسبب القيود المحلية في الرصد البحري.

جذع شجرة دم الأخوين في محمية دكسم وسط جزيرة سقطرى، 7 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
وتبرز آثار الجفاف كعامل طبيعي آخر مؤثر على البيئة السقطرية، حيث شهدت مناطق متعددة تأخرًا ملحوظًا في مواسم الأمطار وتراجعًا في كميات المياه السطحية، ما انعكس على المسطحات المائية الموسمية وعلى الأراضي الرطبة التي بدأت تفقد خصائصها تدريجيًا، كما هو الحال في منطقة «سِرهين» حيث تُظهر صور حديثة لمركز سوث24 تحوّلات واضحة في مظهرها البيئي نتيجة الجفاف.

جفاف الأماكن الرطبة في منطقة سرهين بسقطرى نتيجة التغيرات المناخية وتناقص الأمطار، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
ويسهم هذا التراجع في زيادة هشاشة الشجيرات والنباتات المتوطنة وإضعاف قدرتها على التجدد الطبيعي، الأمر الذي يضاعف المخاطر على الأنواع المرتبطة بهذه الموائل خصوصًا في ظل تزامن الجفاف مع الضغوط البشرية الأخرى.
وأشار الناشط البيئي ناصر عبدالرحمن، رئيس جمعية سقطرى للحياة الفطرية، إلى أن غابات اللبان في محمية «حمهل» تعرضت لتدمير واسع. وأضاف لمركز سوث24: "لقد فقدت هذه المحمية ما يقارب 37% من مساحتها نتيجة إعصاري تشابالا وميج عام 2015، خاصة في ظل غياب برامج إعادة الاستزراع واستمرار الرعي المفتوح الذي يحد من قدرتها على التجدد الطبيعي.”
وأضاف "السواحل السقطرية، ولا سيما في محمية ديحمري، أظهرت مؤشرات خطيرة لانجراف مستعمرات واسعة من الشعاب المرجانية خلال السنوات الأخيرة، وحتى الآن، لا تتوفر دراسات ميدانية تحدد حجم الضرر أو تقدم تدخلات عملية لإعادة تأهيل هذا المكون البحري، بسبب ضعف القدرات المحلية وانعدام البنية التحتية اللازمة."
ولفت الناشط البيئي إلى أن إحدى الإشكاليات الأساسية تتمثل في غياب الدراسات الحكومية والتقييمات البيئية الدولية المتخصصة منذ عام 2015، وهو ما يعكس نقصًا واضحًا في المتابعة العلمية بالرغم من تزايد مؤشرات التدهور خلال السنوات الأخيرة.
مضيفًا: "يعني ذلك أن تقدير حجم الضرر الحالي ومعدل تقدّم التدهور لا يزال معتمدًا على مبادرات محدودة، في وقت يحتاج الأرخبيل إلى مراقبة علمية مستمرة تساعد على وضع سياسات حماية أكثر فعالية".

محمية دكسم وسط جزيرة سقطرى، 7 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
لكن التحديات لا تتوقف فقط على العوامل الطبيعية، بل تتداخل مع النشاط البشري. وقد شهد أرخبيل سقطرى خلال السنوات الأخيرة ضغوطًا بشرية متزايدة أثّرت بشكل مباشر على توازنه البيئي، إذ تراجعت كثير من الممارسات التقليدية التي كانت تشكل إطارًا طبيعيًا لحماية الموارد المحلية في الرعي والصيد.
فقد اختفت تدريجيًا أعراف بيئية كان السكان يلتزمون بها بدقة، مثل تنظيم التنقل الموسمي للمواشي وتحديد مواسم الصيد وفق حسابات معروفة، وهو ما أشار إليه تقرير اليونسكو لعام 2022 الذي أكد أن “الكثير من الممارسات تبدلت، والقوانين المحلية التي كان السقطريون يلتزمون بها بصرامة لم يعد الوضع كذلك اليوم”.
هذا التغير انعكس على المراعي الطبيعية التي لم تعد تستعيد نموها بالمعدلات السابقة، كما تضرر توازن الموارد البحرية في ظل تراجع الالتزام بمواسم الصيد القديمة.
وفي جانب آخر، أصبح التلوث البلاستيكي أحد أبرز المظاهر البيئية في الأرخبيل، ولا سيما في مدينة حديبو والسواحل والمناطق الريفية. فعلى الرغم من إصدار قرار محلي يمنع استيراد الأكياس البلاستيكية، إلا أن غياب مرافق التدوير وضعف قدرات جمع النفايات أدى إلى تراكمها.

مخلفات بلاستيكية في عاصمة سقطرى حديبو، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
ويقر سالم حواش، مدير الهيئة العامة لحماية البيئة في سقطرى، بأزمة البلاستيك في الجزيرة. وقال لمركز سوث24: "انتشار أكياس ومواد البلاستيك في أجزاء من الجزيرة بما في ذلك العاصمة حديبو أصبح يشوه المناظر الطبيعية ويمثل خطرًا على السلاحف والحياة البحرية بالإضافة إلى أخطاره على الحياة البرية".
وأشار حواش إلى أن السلطات في الجزيرة "تسعى لإنشاء مصنع صغير لتدوير مخلفات البلاستيك.”
وإلى جانب التلوث البلاستيكي، برز التوسع العمراني غير المنظم كعامل مؤثر على الموائل الطبيعية، حيث انتشرت أعمال بناء في مناطق مصنّفة حساسة بيئيًا، رغم وجود قرارات جمهورية في البلاد تنظم عمليات التنمية وتحدد المناطق المسموح فيها بالبناء. وتُظهر مشاهد ميدانية وجود منشآت حديثة على أطراف أراضٍ رطبة في محميات مثل سِرهين، ما أدى إلى اضطراب التربة والنباتات البطيئة النمو.

الزحف العمراني يهدد الأماكن الرطبة لتعشيش الطيور في سرهين بسقطرى، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
ويترافق ذلك مع تزايد الاعتماد على الاحتطاب، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من ارتفاع أسعار الغاز المنزلي أو عدم توفره بشكل منتظم، الأمر الذي دفع بعض الأسر للاعتماد على الأشجار كمصدر بديل للطاقة.
كما ازدادت الأنشطة السياحية بصورة غير منظمة في عدد من المواقع الطبيعية، وهو ما يشكل ضغطًا إضافيًا على المسارات البيئية والسواحل.
ولفت سالم حواش إلى أن "السياحة غير المنظمة أحد أكبر عوامل تدهور الأنظمة البيئية في سقطرى". مضيفًا: "نحتاج لإجراء تقييم شامل للفترة 2015–2025، وحصر علمي للأضرار البحرية والبرية، وإنشاء مسيجات لإعادة تأهيل الأشجار، وشرطة بيئية متخصصة، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر للأعاصير”.
وبشأن دور السلطة المحلية في هذا الاتجاه، قال يحيى بن عفرار، وكيل المحافظة لشؤون السياحة والثقافة، لمركز سوث24، أن "السلطة المحلية تعمل على تنفيذ خطط لإدارة النفايات وتنظيم زيارات السياح للمحميات وفق القدرة الاستيعابية، وتفعيل الرقابة الميدانية، ومكافحة تهريب البذور والكائنات النادرة بالتنسيق مع الجهات الأمنية، وتدريب المرشدين المحليين وتوعية الزوار بالقوانين البيئية".
وأضاف: "نفهم أن الأرخبيل وبيئته الفريدة أمام تحديات متعددة. نحن نعمل وفق الإمكانات المتاحة، وسوف نحافظ على هذه البيئة".

محمية دكسم وسط جزيرة سقطرى، 7 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
خطوات مهمة لحماية بيئة سقطرى
بحسب ما أورده ضيوف التقرير، تبرز مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تشكل إطارًا عامًا لمسار حماية بيئة سقطرى في المرحلة المقبلة، من بينها تعزيز التشريعات البيئية المحلية وتفعيل الأدوات الرقابية، ودعم مبادرات حماية الأشجار المتضررة من الأعاصير والرعي، إلى جانب تحسين إدارة النفايات وإنشاء مشاريع تدوير صغيرة للتعامل مع المخلفات البلاستيكية.
كما يُعد تنظيم الحركة السياحية وفق القدرة الاستيعابية للمواقع الطبيعية، وتطوير برامج التوعية للسكان والزوار، من الخطوات الأساسية التي يمكن أن تخفف من وطأة الأنشطة البشرية.

منطقة عرهر شمالي سقطرى، 3 نوفمبر 2025 (مركز سوث24)
كما شددت التوصيات على ضرورة استئناف الدراسات العلمية والتقييمات البيئية بشكل دوري تشكل خطوة مركزية لفهم تطور حالة النظام البيئي، وتوجيه الجهود نحو أولويات أكثر دقة. ومع توفر هذه المعطيات، يمكن رسم سياسات بيئية أكثر فاعلية، والإسهام في الحفاظ على المكانة البيئية الفريدة لسقطرى، بما يسمح للأرخبيل بمواجهة التحديات الحالية واستعادة جزء من توازنه الطبيعي في السنوات المقبلة.
- رياض مبارك
صحفي من سقطرى، مهتم بالشؤون البيئية والسياحية في الأرخبيل
- سعد العجمي
كاتب وناشط شبابي من سقطرى في مجال التوعية بالتغير المناخي
- تصوير: عبد الرحمن جسفي
يأتي هذا التقرير ضمن مشروع ممول من "صندوق العمل العاجل" (Urgent Action Fund)، بهدف تسليط الضوء على القضايا المناخية والبيئية وقضايا المرأة وذوي الإعاقة.
Previous article