التقارير الخاصة

من مأرب إلى طرابلس.. كيف تجتمع جهود قطر وتركيا في تبديد السلام

28-10-2020 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| بدر محمد و إياد قاسم


جاء توقيع "اتفاقية التفاهم الأمنية"، بين حكومة الوفاق الليبية ودولة قطر، يوم الاثنين، ترجمة عملية لتصريح حكومة طرابلس عقب اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف في 23 أكتوبر / تشرين الأول الجاري، مع الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، بأنّ "اتفاق جنيف لا يقرّ بشرعية قوات حفتر ولا يشمل العلاقة مع تركيا."


علاوة على أنّ الاتفاق الأمني مع قطر يسعى لتأكيد شرعية حكومة الوفاق فهو يعزز تأكيدها بأنّ العلاقة مع تركيا قائمة فضلاً عن العلاقة الأخيرة مع الدوحة. كما أنه يترجم تصريح الجانب التركي على لسان رجب طيب أردوغان بأنّ اتفاق جنيف "ضعيف المصداقية".

"لا تملكان قطر وحكومة الوفاق الليبية سجّلاً من أي نوع في مكافحة الإرهاب، مقارنةً بحجم الاتهامات الموجّهة لهما بتمويله"


وكان وزيرا داخلية ليبيا وقطر قد وقعا، في الدوحة، "مذكرة تفاهم" في مجال التعاون الأمني وتبادل المعلومات حول التنظيمات والشبكات الإرهابية، كما تنص على تبادل الخبرات والتدريب التقني الذي تحتاجه الأجهزة الأمنية بمختلف اختصاصاتها بهدف رصد الجرائم الالكترونية. [1]


وقطر وحكومة الوفاق الليبية لا تملكان سجّلاً من أي نوع في مكافحة الإرهاب، مقارنةً بحجم الاتهامات الموجّهة من خصومهما في المنطقة وتقارير غربية في وقوفهما، وبشكلٍ خاص قطر، في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية. [2]



تعليقاَ على الاتفاق، أكّد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، رفْض الولايات المتحدة لأي تدخل أجنبي في ليبيا من أي طرف، الصورة (وكالات)

اتفاق على اتفاق


في الوقت الذي حظي فيه اتفاق جنيف بين الفرقاء الليبيين بترحيب دولي واسع يشجّع على إنهاء الأزمة والسير في استكمال المسار السياسي والدبلوماسي، خرج التصريح التركي المتشائم عن هذا الإجماع وانعكس في تصريح الوفاق الليبي المؤكّد على عدم شرعية قوات حفتر واستمرار العلاقة مع تركيا. حظيت أيضاً الاتفاقية مع قطر" بالقدر نفسه من الرفض الدولي، الذي يرى ذلك تقويضاً لاتفاق جنيف ويهدد بانهيار العملية السياسية ووقف اطلاق النار.


تعليقاَ على الاتفاق، أكّد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، في تصريحات لقناة "الحرة" رفْض الولايات المتحدة لأي تدخل أجنبي في ليبيا من أي طرف، مؤكدا على ضرورة إعطاء الليبيين الفرصة لتقرير مصير مستقبلهم بأنفسهم. [3]


ورداً على ذلك حاول المتحدث عن الوفاق الليبي، وزير التخطيط عيسى التويجر، الوقوف وحيداً أمام موجة الانتقاد الدولي بلغة دبلوماسية بحتة، قائلاً بأنّ "الاتفاق الأمني مع قطر لا يدخل في إطار التعاون العسكري.. وهو اتفاق نمطي."


تضطلع كل من قطر وتركيا بلعب الدور الداعم والمساند لحكومة الوفاق الليبية التي أتت نتاج ما سُميت بثورات الربيع العربي 2011 في المنطقة. ليس هناك ثمة فائدة تعود بالنفع على قطر من إبرام اتفاقية أمنية مع الوفاق الليبي. وعلاوة على فائدة تركيا المرجوة من النفط الليبي، ما زالت تركيا تمر بأزمة اقتصادية تجعل الجانب القطري هو الُمنفق الوحيد لهذا التحالف الثلاثي في ظل الحصار المفروض من الرباعية العربية، السعودية ومصر والإمارات والبحرين. 


في هكذا تحالف تبدو لغة الفكر الأيدلوجي أطغى من لغة المصالح السياسية، فحكومة الوفاق الليبي تعتبر آخر مستمسك لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب الليبي والعربي. 

في الشرق العربي وتحديداً في اليمن، تقف كل من قطر وتركيا إلى جانب الحكومة اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين "حزب الإصلاح"، في موقف ووضع سياسي وأمني وعسكري ومسعى دولي يُعتبر نسخة مشابهة تماماً من الوضع الليبي، بالتزامن مع اقتراب الأزمة اليمنية من الحلول السياسية والدبلوماسية ممثلة بـ "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.


بوادر الأمل التي تلوح في أفق الأزمة اليمنية تنصدم بدرجة أساسية بمساعي عسكرية وأمنية تقودها أطراف حكومية وسياسية ودينية يمنية، تحظى بدعم وتأييد إعلامي ومالي، وعلى الأرجح، عسكري من الدوحة واسطنبول. [4]


أيدولوجيا العنف


ترى الأطراف المؤثرة داخل منظومة "الشرعية"، التي يُسيطر عليها التنظيم الإسلامي، بأنّ الاتفاق، الموقّع في نوفمبر 2019، يهدف إلى خلع شرعيتها ومنحها للانتقالي الجنوبي الذي تتهمه بـ التمرد على شرعية الحكومة. في اليمن يتحقق الإجماع الدولي الداعم والمؤكِّد على السير في استكمال الحل السياسي المتمثل باتفاق الرياض. واليوم، في ليبيا، يتحقق ذات الاجماع على اتفاق جنيف في مواجهة تعنّت تنظيم الإخوان وداعميه قطر وتركيا.


في كل من ليبيا واليمن يتخذ نفس الموقف الحكومي القطري التركي من لعبة المماطلة والتلكؤ والتحايل على الاتفاقات السياسية، وسيلة لإفشالها رداً على ما يعتبره مؤامرة وسعي لإفشال حكمهما وإدارتهما السياسية في عمقهما المحلّي.


"مساعي تركيا وقطر في تقويض جهود السلام في اليمن، سيدفع نحو مزيد من العزلة الدولية لهما ولجماعة الإخوان المسلمين"


ومن أجل تحقيق ذلك، لا يمتنع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من إبرام صفقات سرية وعلنية، مع جماعات أيدلوجية مشابهة، بعضها مصنّفة بـ "الإرهاب"، ويدّعي، على النقيض، إلى اللحظة القتال ضدها.


يُعزّز هذا التوجه ما كشفت عنه وسائل إعلام إيرانية، الثلاثاء، أعاد نشرها "سوث24" الأربعاء، عن مفاوضات تجري حالياً بين حزب التجمع اليمني للإصلاح، فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، وميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، برعاية قطرية، بهدف إقناع حزب الإصلاح للقبول بمبادرة الحوثيين، والحفاظ على إنجازاتهم في مأرب." [5]



السفير الإيراني الجديد لدى حكومة الحوثي، حسن إيرلو، أثناء استقباله في صنعاء (سبأ الحوثية)

ولأنّ مبادئ التنظيمات الأيدلوجية والدينية المتطرّفة في الأزمات المعقّدة، لا تختلف، تقول صحيفة الوقت الإيرانية "أنّ حكومة الحوثيين في صنعاء عارضت في الأشهر القليلة الماضية الوساطات الدولية والإقليمية الداعية إلى وقف الاشتباكات والتقدم حول مأرب."[5]


مرة أخرى يبدد ذلك الشكوك بشأن مساعي قطر لعرقلة جهود السلام التي يبذلها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتين غريفيث، من ناحية، ومن ناحية أخرى مساعي المملكة العربية السعودية في إنجاح اتفاق الرياض. [6]


ينطلق من هذه الزاوية ليس فقط الحوثيون في صنعاء، ولكن أيضاً التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في مأرب وطرابلس، إلى التسويف واللجوء إلى العنف وتصعيد لغة الحربّ، لعكس القناعات الأيدلوجية بطريقة عملية لا تقبل أو تتقبل الهزيمة السياسية بروح ديمقراطية، ولا تتعاطى مع مبادئ تقديم التنازلات.


يضع مثل هذا التوجه الذي تقوده دولة مثل قطر إلى جانب تركيا، جماعة الإخوان المسلمين في خانة مشابهة لغيرها من التنظيمات والجماعات المتطرّفة المصنّفة كحركات "إرهابية" في المنطقة، وقد يدفع نحو مزيد من العزلة الدولية تجاه هذه الأطراف، يشمل بلدان في أوروبا وأمريكا، على الرغم من أنّ الإمارة الغنية بالنفط لا تزال تحظى بحصانة دولية قائمة على مبدأ "الربح" الذي تنتهجه بعض الدول الكبرى. 


- بدر قاسم محمد: باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات متخصص في الشؤون السياسية اليمنية والجماعات الدينية

- إياد الشعيبي: رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية

- الصورة الرئيسية: صحيفة صوت الأمّة


مراجع:


[1] التوقيع على اتفاقية تعاون أمني بين قطر والحكومة الليبية، العربي الجديد:  alaraby.co.uk

[2] لماذا لا ينبغى تصنيف قطر كـ حليف للولايات المتحدة؟، أوشليم بوست: south24.net

[3] ليبيا.. اتفاقية قطر تعكر أجواء التفاوض بين الفرقاء، الحرة: alhurra.com

[4] تغريدة لوزير النقل السابق في الحكومة اليمنية، صالح الجبواني، تويتر: twitter.com

[5] صحيفة إيرانية تكشف عن مفاوضات بين الإصلاح والحوثيين برعاية قطرية، سوث24: south24.net

[6] تزايد التدخلات الإقليمية في جنوب اليمن تقوّض جهود التحالف، شينخوا: xinhuanet.com


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا