التحليلات

اليمن: أسباب فشل محادثات مسقط، وخيارات إحياء اتفاق الرياض

09-05-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| زيورخ


قضى فشل المحادثات الدولية الأخيرة بشأن اليمن، التي قادها مسؤلون أمريكيون وأمميون في مسقط الأسبوع الماضي، على آمال كثير من اليمنيين الذين يتطلّعون للسلام، ووقف الحرب، وإصلاح الوضع الإنساني والاقتصادي المدمَّر.


حمّلت الولايات المتحدة هذه المرة في سابقة دبلوماسية، دون المبعوث الأممي، الحوثيين المسؤولية عن عدم التوصل إلى اتفاق. واتهمت الخارجية الأمريكية الجماعة يوم الجمعة بـ "بتفويت فرصة كبيرة" للتحرك نحو حل الصراع في اليمن برفضها لقاء مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث في عُمان. [1]


ونقلت شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية عن مصادر قالت أنها قريبة من المفاوضات، أشارت إلى «أن هناك أوامر للحوثيين بعدم التحدّث مباشرة مع الوفود الأمريكية أو السعودية.» [2]


"لم يكشف الجانبان الأمريكي أو الأممي الأسباب الكامنة وراء عدم التوصل لاتفاق"


كذلك اتهمت واشنطن الحوثيين بمفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن من خلال الهجوم على مأرب، آخر معقل شمالي للحكومة المدعومة من السعودية التي أخرجها الحوثيون من العاصمة، وكذلك مفاقمة «الظروف القاسية لليمنيين النازحين داخلياً الضعفاء أصلاً».


لم يكشف الجانبان الأمريكي أو الأممي الأسباب الكامنة وراء عدم التوصل لاتفاق، أو الشروط المحتملة التي وضعتها جماعة الحوثي للقبول بالمقترحات الأخيرة التي قدماها للحل.


هناك أسباب متعددة قد تكون وراء فشل المحادثات مع الحوثيين، محلية وإقليمية ودولية، فضلاً عن تعقيد الملف اليمني نفسه وتداخل الأطراف الخارجية المؤثرة على أطرافه المختلفة.

 

مناورة الحوثي وضعف الحكومة


يرى كثير من المراقبين أنّ جماعة الحوثي تعتقد أنها لا تزال تملك مجالا واسعا للمناورة في مأرب، رغم الخسائر الكبيرة التي تتلقاها نتيجة غارات الطيران السعودي، سيساعدها ذلك في تقوية شروطها في المفاوضات وتحقيق مكاسب أوسع على حساب الحكومة اليمنية الضعيفة.


إلى جانب ذلك، فعدم وجود ضغط دولي قوي على الجماعة يمنحها فرصة لاستغلال الوقت، وحسم معركتها حول مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة في شمال اليمن. 


الباحث والصحفي اليمني حسام ردمان، أرجع ذلك في حديث لـ "سوث24" لعدم وجود «مقومات حقيقية للسلام». واعتبر ردمان بأنه لا توجد «ضغوط فعلية على جماعة الحوثي تجعلهم يتجهون الى تسوية»، بل على العكس رأى بأنّ الحوثيين «مازالوا هم أصحاب المبادرة العسكرية في مأرب ولديهم قدرة على توسيع مكاسبهم الميدانية».


"عدم وجود ضغط دولي قوي على الجماعة يمنحها فرصة لاستغلال الوقت، وحسم معركتها حول مدينة مأرب"


واعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الناصر المودع، بأنّ سبب الرفض الحوثي لكل هذه المبادرات هو رغبتهم في رفع سقف مطالبهم قبل التوصل لاتفاق سلام، وفق ما نقلت عنه قناة الحرة الأمريكية. [3]


وزادت حدة المعارك السبت، بين القوات التابعة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ومقاتلي الحوثيين في محافظة مأرب الغنية بالنفط، أسفرت عن مقتل 50 شخص. وقالت وكالة سبوتنيك الروسية عن مصدر عسكري إنّ الحوثيين نفّذوا «هجمات واسعة من محورين، على مواقع ومرتفعات يتمركز فيها الجيش اليمني وقبليين موالين له في جبهة الزّور في مديرية صِرواح غربي مأرب».[4]


في نفس الوقت، أعلنت مصادر في الجيش اليمني أنّ الجيش مسنوداً بمقاتلي القبائل وطيران التحالف، تمكّن من صد هجوم واسع للحوثيين على امتداد جبهتي "المشجح وصرواح" غرب مأرب. [5] وكانت الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، قد استهدفت فجر السبت مدينة مأرب بصاروخ باليستي هو الرابع خلال ثلاثة أيام، وفقا لوسائل إعلام مقرّبة من الحكومة، لكنّ الجماعة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات.


وستشكّل خسارة مأرب، إن حدثت، ضربة قوية للحكومة وحليفتها السعودية، وتعزّز موقف المتمردين المتحالفين مع إيران في أي مفاوضات مستقبلية، وقد تدفعهم إلى محاولة التقدم جنوبا، حيث يتواجد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب باستقلال جنوب البلاد.


وخلال الشهور الماضية، كثّف الحوثيون من هجماتهم على مدن ومنشآت النفط السعودية. وبحسب المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية، (البنتاغون)، جيسيكا ماكنولتي، فإنّ «السعودية تعرّضت منذ يناير الماضي لـ 150 هجوما جويا عبر الحدود من اليمن».[6]


ما الذي سيأتي أولاً؟


مصادر سياسية مطلّعة قالت لـ "سوث24" أنّ الحوثيين يصرون على أن يتم أولاً «رفع الحصار وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بشكل كامل»، قبل الشروع بوقف إطلاق النار. 


وقالت المصادر إنّ الجانب الأمريكي والأممي، قدّم مقترحاً بأن يتم ذلك بشكل متزامن في نفس التوقيت، لكنّ المفاوضين الحوثيين رفضوا ذلك.


وكانت وسائل إعلام على صلة بالحوثيين أشارت [7]، أواخر مارس / آذار الماضي، إلى أنه سبق أن جرى تفاهم على مقترحات مبدئية تقضي بفصل الجانب الإنساني عن اتفاق وقف إطلاق النار، عبر رفع الحظر الجوي على مطار صنعاء من دون شروط، وسماح التحالف لكل سفن المشتقات النفطية المحتجزة بالوصول إلى ميناء الحديدة، مقابل إعادة العمل بآلية «اتفاق ستوكهولم».


لأجل ذلك، قالت المصادر المطلّعة لـ "سوث24"، إنّ الأمريكان لجأوا للطلب من المسؤولين العمانيين بممارسة ضغط وإقناع فريق الحوثي بمسقط، بالقبول بالمقترحات. وكان السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، عضو الوفد الأمريكي الذي زار مسقط، قد تحدث عن محاولته «لدفع العمانيين لإقناع الحوثيين بالتوقف»، عن هجوم مأرب. [8]


إياد قاسم 
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات

وقالت المصادر السياسية اليمنية لـ "سوث 24" إنّ الأمريكان اقترحوا على العمانيين الذهاب لمقابلة زعيم الجماعة في اليمن عبد الملك الحوثي، في حال لم يتم التوصل لاتفاق مع فريق التفاوض التابع للحوثيين المتواجد حاليا في العاصمة مسقط. شبكة سي بي إس نقلت عن أحد المسؤولين قوله إنّ هناك -على الأقل- إدراكاً متزايدا بشأن تعقيد المشكلة في اليمن. 



"الأمريكان اقترحوا على العمانيين الذهاب لمقابلة زعيم الجماعة في اليمن عبد الملك الحوثي"


الدور الإيراني


الدور الإيراني المؤثر في أوساط جماعة الحوثي، يحدد، بشكل كبير، مصير أي مفاوضات تتعلق بإنهاء الحرب في اليمن، وفقا لخبراء، خصوصاً وأنّ ذلك يمضي في وقت تخوض فيه إيران مع الأطراف الدولية الكبرى محادثات بشأن ملفها النووي المثير للجدل.


اعتبر حسام ردمان لـ "سوث24" أنّ رفض الحوثيين «يأتي في سياق التنافس الداخلي الايراني بين جناح الحرس الثوري الذي مازال ينتهج سياسة التصعيد في المنطقة عبر وكلائه في اليمن والعراق، وبين تيار روحاني وظريف الذي يعوّل كثيرا على نجاح مباحثات فينا للعودة الى الاتفاق النووي».


لقد أدرك عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، كريس ميرفي، تحدّيات محاولة التفاوض على إنهاء الحرب في اليمن وسط المواجهة مع إيران. وقال في تصريحات لوكالة اسوشيتد برس، هذا الأسبوع، إنّ «السياسة المتشددة للإدارة الأمريكية السابقة في التعامل مع طهران، إلى حد ما، لا تزال تقف عائقا في الطريق». [9]


"رفض الحوثيين نتيجة للتنافس الداخلي الايراني بين جناح الحرس الثوري الذي مازال ينتهج سياسة التصعيد في المنطقة عبر وكلائه في اليمن"


وقال «طالما أننا ما زلنا نفرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني ... فسيكون من الصعب دفع الحوثيين إلى وقف إطلاق النار».  ووصف مورفي المحادثات المنفصلة في فيينا، التي تهدف إلى إعادة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، بأنهّا «مهمة للغاية، وربما حاسمة للسلام في اليمن»، وتوقّع ميرفي بأنه «إذا لم يكن هناك تقدّم حقيقي في محادثات إيران، أن يواصل الإيرانيون «رؤية اليمن كفرصة لإيذاء الولايات المتحدة وحلفائنا».


لماذا غاب المجلس؟


«المجلس الانتقالي الجنوبي القوي غاب تماما عن محادثات مسقط»، وفقاً لشبكة سي بي إس نيوز الأمريكية الجمعة. [10] لقد أرادت الشبكة التذكير بأنّ فشل المحادثات الأخيرة، له أسباب متعددة، أهمها غياب أطراف فاعلة بالأزمة اليمنية من هذه المفاوضات.


وأضافت الشبكة بأنّ المجلس الانتقالي ليس «متحالفا مع الحوثيين ولا مع الحكومة اليمنية، ولكنه حارب كليهما في كفاحه من أجل استقلال جنوب البلاد».


شدد المجلس الانتقالي الجنوبي مرارا، على ضرورة مشاركته الفاعلة، من خلال «تشكيل الوفد التفاوضي المشترك»، وفق اتفاق الرياض، في كل مراحل عملية السلام ومفاوضات وقف إطلاق النار، كممثل لشعب جنوب اليمن.


وقال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس، في 4 مايو «لن نقبل بأية تسويات أو حلول تتجاوز قضية شعبنا الجنوبي، أو ترسم مستقبله السياسي خلافاً لإرادته وتطلعاته.» [11]


ذات صلة : الصراع في اليمن: فشل محادثات مسقط وقرار أممي متوقّع لفرض أطراف جديدة


وكانت مصادر سياسية قد كشفت لـ "سوث24" في وقت سابق، عن وجود تفهّم لضرورة مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات السلام. [12] على الرغم من أنّ المبعوث الأممي مارتين غريفيث، يسعى منذ فترة طويلة لجعل مشاركة المجلس في المرحلة الثانية من العملية التي تلي اتفاق وقف إطلاق النار.


وكان تقرير مجلس الأمن الدولي الأخير قد تحدث عن إمكانية قرار جديد بشأن اليمن، على عكس القرار 2216، يدعو لضم أطراف جديدة فاعلة في عملية السلام.[13]


خيارات الحكومة!


في هذا الوقت لا يبدو أنّ حكومة الرئيس اليمني المعترف بها دولياً، تملك الكثير من الأوراق لتعزيز موقفها، الضعيف ميدانياً وسياسياً. لقد نوّه تقرير مجلس الأمن من أنّ سقوط مدينة مأرب من شأنه أن يضعف موقف الحكومة في المفاوضات. 


تحدث مجلس الوزراء في حكومة المناصفة، يوم السبت، عن خيارات ستتخذها الحكومة لمواجهة تعنت الحوثيين تجاه مبادرات السلام، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية سبأ.[14] في نفس الوقت أعلنت الرئاسة اليمنية على لسان الدكتور عبد الله العليمي، مدير مكتب الرئيس هادي، أنّها منفتحة "على كافة المبادرات من أجل وقف الحرب وإحلال السلام والذهاب إلى حوار مباشر مع الحوثيين لإنعاش المسار السياسي". 


وعلى الرغم من تفوّق الحوثيين عسكرياً في مأرب، إلا أنّ العليمي قال في حديث مع مركز صنعاء للدراسات «سواء وافق الحوثيون أم لم يوافقوا على مبادرات السلام المطروحة، فان الحكومة ستستمر بدعمها العسكري لمعركة مأرب، ولديها خيارات كثيرة على جبهات أخرى دعما لصمود مأرب»، في إشارة على ما يبدو لجبهة الحديدة، التي يتواجد فيها نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، طارق عفاش.


وكان العليمي قد مدح العميد طارق صالح، وقال أنّ الأخير «أرسل رسائل إيجابية في الفترة الأخيرة على أكثر من سياق، ونحن نشجع هذا المسار والمبادرات، وأي دعم من جانبه مرحب به، أكثر من أي وقت مضى». [15]


التلويح باتفاق الرياض


الحكومة اليمنية لوحّت بالعودة الجادة لاتفاق الرياض، في ظل اتهامات متبادلة بالمماطلة في تنفيذ بنوده، وعدم سحب الحكومة لقواتها العسكرية من شبوة ووادي حضرموت، واستخدامها للاتفاق كورقة سياسية آنية في صراعها مع الحوثيين.


وقالت الحكومة، وفقا لما نقلته وكالة أنباء سبأ الرسمية، أنها وبدعم من الرئيس هادي «ماضية في القيام بواجباتها ومسؤولياتها للحفاظ على الوفاق السياسي واستكمال تنفيذ اتفاق الرياض».[16]


إنّ «إنجاح اتفاق الرياض هو المدخل الوحيد حاليا لتعديل ميزان القوى وتهيئة الأرضية الممكنة للسلام»، قال حسام ردمان لـ "سوث24"، لكنه أيضا بالمقابل نوّه بأنّه «لا يجب أن يكون التمسك بالاتفاق مجرد رد فعل على تعنت الحوثي، بل يجب أنّ يكون توجّه استراتيجي من قبل الرئيس هادي والمجلس الانتقالي».


"التلويح باتفاق الرياض، يجب ألا يكون رد فعل، وبعض الجنوبيين يرون بأنه ضاعف من معاناة الناس الخدمية"

 

يعتقد ردمان أنّ من شأن ذلك أن يساهم في ترميم الجبهة المناهضة للحوثيين و «إصلاح بنية الشرعية وجعلها أكثر قدرة على الإيفاء بمتطلبات المواطنين في المناطق المحررة وبمتطلبات المواجهة العسكرية مع الحوثي.»


وكان الزبيدي في أول خطاب له بعد عودته إلى عدن، أشار بأنّ اتفاق الرياض «فرصة لتعزيز السلام.. لكن قوى الفساد والإرهاب لا زالت تعمل على تعطيله وتحاول إفراغه من محتواه».


وفي تقريره لشهر مايو آذار الجاري، قال مجلس الأمن الدولي إنّ «الحفاظ على اتفاق الرياض الذي توسطت فيه المملكة العربية السعودية، واتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي [..]، أمرٌ مهم لحل النزاع في اليمن.»


على عكس ذلك، يرى بعض الجنوبيين أنّ اتفاق الرياض، ضاعف من معاناة الناس الخدمية، وقيّد حركة المجلس الانتقالي الجنوبي على اتخاذ خطوات جريئة تساهم بالضغط على الحكومة، التي فرت مؤخرا من عدن، والتحالف لرفع المعاناة عن كاهل المواطنين، والإيفاء بالتزاماتهما تجاه الأهالي.


وكانت الخارجية السعودية قد دعت طرفي اتفاق الرياض، في مارس آذار الماضي، "للاستجابة العاجلة والاجتماع في الرياض لاستكمال تنفيذ بقية النقاط في الاتفاق".


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا