11-12-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبدالله الشادلي
ارتفع معدل الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في جنوب اليمن، خلال العامين 2020 و2021، مع دخول الحرب التي تشهدها اليمن عامها السابع.
فبعد مرور أكثر من عام ونصف على استهداف مصور وكالة الأنباء الفرنسية، نبيل القعيطي في يونيو/حزيران 2020؛ انفجرت عبوة ناسفة، في نوفمبر/تشرين الثاني، بسيارة الصحفي محمود العتمي، في عدن، أسفر عن مقتل زوجته الصحفية رشا الحرازي وجنينهما، وإصابة الرجل بإصابات بالغة.
ولم يتم كشف هوية المتهمين باغتيال القعيطي. إلا أنّ مصادر في البحث الجنائي بعدن كشفت في وقت سابق لـ "سوث24"، عن اتهام أربعة أشخاص يشتبه بتورطهم باغتيال القعيطي، قالت أنهم على صلة بالقيادي العسكري، المقرّب من الرئاسة اليمنية والإسلاميين، أمجد خالد، تم اعتقالهم والإفراج عنهم لاحقا. (1)
فيما رجّحت مصادر صحفية إلى وقوف الحوثيين خلف تفجير مركبة الصحفي محمود العتمي، إلا أنّ هذه الاتهامات لم تؤكدها حتى الآن أي جهة رسمية.
وقُتل ثلاثة صحفيين آخرين في انفجار دموي/ استهدف موكب محافظ عدن، أحمد حامد لملس، في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حضرموت وحرية الصحافة
وفي محافظة حضرموت، إلى الشرق من عدن، تسجّل انتهاكات حقوق الصحفيين مؤشرات كبيرة تقرع أجراس الخطر. وفي محافظة شبوة تعرّض صحفيون للاعتقال خلال العامين الماضيين، على يد قوات أمنية تتبع السلطة المحلية للمحافظة، الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي.
وتتهم مصادر صحفية السلطات والمؤسسات النافذة في محافظة حضرموت بكبح حرية الصحافة، بهدف "تكميم الأفواه" والتستر على ملفات فساد.
وامتنعت السلطات المحلية في حضرموت من تمكين صحفيين من التحقيق في ملفات فساد في مؤسستي المياه والكهرباء، رغم توجيهات المحافظ بالسماح لهم بذلك، وفقا لمصادر صحفية تحدّثت لـ "سوث24".
وتستغل السلطات المحلية قوانين، يصفها حقوقيون بـ "قمعية" في اتهاماتها ضد الصحفيين والناشطين، من خلال استخدام المادتين (125) و(126) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني لسنة 1994.
وتنص المادة (135) من قانون الجرائم والعقوبات على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من دعا أو حرض على عدم تطبيق القوانين النافذة أو الالتزام بها”.
فيما تنص المادة (136) على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من أذاع أخبارًا أو بيانات كاذبة أو مغرضة أو أية دعاية مثيرة وذلك بقصد تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق ضرر بالمصلحة العامة”.
وتمثل هذه القوانين أدوات إضافية في يد الجهات الرسمية في اليمن، لقمع الحريات والانتقام من المعارضين وفقا لقانون الجرائم والعقوبات اليمني.
وتصدر اعتقال المصور الصحفي بقيادة المنطقة العسكرية الثانية عبدالله بكير المشهد في مايو/ أيار 2020.
ووضعت السلطة المحلية بحضرموت الصحفي بكير أمام جملة من التهم كان أبرزها ارتكابه "مخالفة للقانون العسكري"، وفق بيان أصدره الناطق الرسمي باسم المنطقة العسكرية الثانية دون توضيح طبيعة تلك التهم.
وانتقدت مصادر قضائية، فضلت عدم نشر اسمها، لـ "سوث24"، هذه التجاوزات. واعتبرت "ذلك انحداراً في مستوى عمل النيابات في حضرموت".
وفي أبريل/نيسان 2021 تم الإفراج عن الصحفي عبدالله بكير بضمانة، دون الإفصاح عن التهم المنسوبة إليه.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أعلنت المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة بالمكلا، براءة الصحفي بكير من كافة التهم الموجهة إليه.
وحاول «سوث24» التواصل مع بكير لمعرفة طبيعة تلك الاتهامات "إلّا أنه تحفّظ عن الرد، مشيراً إلى أن القضية سيتم استئنافها."
إجراءات تعسّفية
واستنكرت مصادر في محكمة استئناف حضرموت الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين في المحافظة.
وقالت المصادر بأنه "لا ينبغي التعامل مع الصحفيين بهذا الشكل، ويجب التأكد والتحقق بنظام خاص تراه الدولة مناسباً لإقرار التهمة وفقا للقانون".
وتضيف المصادر "إذا كانت الإجراءات تعسفية فلا يجوز قبولها".
ولم ترد السلطات الرسمية حتى الآن على هذه الانتقادات.
وفي مارس/ آذار الماضي، اعتقلت أجهزة تابعة للاستخبارات العسكرية الشاب عمر باحشوان، على خلفية منشورات عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك"، قبل أن يتم الإفراج عنه من المحكمة الجزائية بالمكلا بضمانة تجارية، بعد توجيه النيابة له تهمة "تكدير السلم الاجتماعي"، كما زعم با حشوان في حديث لـ "سوث24".
وقال الناشط الحضرمي أنه "قضى قرابة شهر في سجون الاستخبارات، وأكمل الفترة المتبقية في السجن المركزي بالمكلا".
وحاول سوث24 التواصل مع الجهات الرسمية في المحافظة، لمعرفة صحة هذه الاتهامات، إلا أنه لم يتلقَ ردا حتى وقت نشر هذا التقرير.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تعرض رئيس تحرير صحيفة أخبار حضرموت الصحفي عماد الديني، لمضايقات من قبل قناة حضرموت، على خلفية منشور له على “فيسبوك” وجّه فيها انتقادات للقناة.
ورفعت إدارة القناة شكوى ضد الصحفي الديني، عبر رئيس نيابة استئناف المكلا، القاضي شاكر بنش - المحال إلى هيئة التفتيش القضائي من قبل النائب العام - ووجه بلاغ استدعاء عبر شرطة المكلا للديني.
وطبقاً لمؤسسة مراقبون برس، فإن إدارة القناة لجأت إلى رفع شكوى قضائية كيدية باسمها أمام نيابة غير مختصة بالمكلا ضد الديني.
واعتبرت المؤسسة في بلاغ لها أن قبول النيابة بتلك الشكوى "أمرا صادما" وفيه محاولة لما أسمته بـ "خلط مرفوض وقفز غير مقبول" على اختصاصات القضاء، مؤكدةً أن ذلك يعد مخالفة جسيمة لقانون الصحافة والمطبوعات النافذ رقم 25 لسنة 1990. (2)
اختصاص النيابة!
ومع غياب دور نيابة الصحافة والمطبوعات في حضرموت، استدعت النيابة العامة بالمكلا صحفيين على خلفية كشف معلومات فساد في مؤسسات تعليمية، وطالبت بمحاسبتهم؛ رغم عدم أهليتها بذلك وفقاً لقانون الصحافة والمطبوعات اليمني لسنة 1990.
وقال رئيس النيابة العامة باستئناف حضرموت، القاضي شاكر بنش لـ "سوث24"، أنّ النيابة العامة هي "المختصة وهي صاحبة السلطة وصاحبة الولاية في التحقيق ورفع الدعوة الجزائية.. سواء مع السياسي أو الصحفي." ويأتي تحتها كما يقول "نيابة المرور ونيابة الأموال العامة أو نيابة الصحافة والمطبوعات، وكلها في إطار النيابة العامة".
وأوضح بنش أنّ النيابة الجزائية المتخصصة هي الوحيدة المختصة "بجرائم الإرهاب وجرائم الاتجار وبيع المخدرات فقط، وما عدى ذلك يتبع النيابة العامة".
ويقول الصحفي ماجد الداعري، رئيس مؤسسة مراقبون برس لـ "سوث24" أنّ "النيابة العامة لا تفرق بين صحفي “ومفسبك” ولا تكترث في استدعاء الصحفيين حتى على خلفية منشور فيسبوكي وملاحقتهم أمنيا، وانتزاع تعهدات غير قانونية منهم بعدم العودة للكتابة".
وأرجع الداعري ذلك لغياب العدالة وسوء تفسير القانون، ومحاولة استخدام النيابة “كأداة قمعية” مسلطة لإسكات الصحفيين، ومنعهم عن التعبير عن آرائهم وانتقاد ممارسات الفساد في المجتمع، كحق كفله لهم الدستور.
وقال القاضي بنش في حديثه لـ "سوث24" أنّ "النيابة تحقق مع الصحفيين وفقا لقانون الصحافة والمطبوعات، لكن ما ينشره البعض في صفحاتهم الشخصية كفيسبوك" لا يعد عملا صحفيا.
ووفقا للقاضي بنش فإنّ "قانون الصحافة والمطبوعات معني بالصحافة الورقية فقط حتى الآن" ولا يشمل كما يقول "الصحافة الإلكترونية". لكن "مع ذلك إذا تم ترخيص الموقع الصحفي الإلكتروني، سيتعامل معه القانون كصحيفة."
من جانبها، زعمت نيابة الأموال العامة بالمكلا أنه لا يحق للصحفي أن ينشر ما وصفتها بـ“الأخبار المسيئة” حتى وإن توفرت الأدلة.
وقال مصدر في النيابة لـ«سوث24» "يتوّجب على الصحفي رفع شكوى إلى النيابة العامة في حال توفرت لديه أدلة تدين جهات أو أشخاصاً معينين"، معتبراً أن ما دون ذلك يُعدّ "تشهيرا".
ويعتبر الصحفيون والناشطون في حضرموت أن حرياتهم في التعبير "مقيدة"، لاسيَّما أنها تأتي بدون أوامر قضائية؛ الأمر الذي يدفع الكثير منهم لعدم انتقاد الواقع المحيط بهم وتجنب الخوض فيه لتفادي أي ملاحقات قضائية.
صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: فعالية احتجاجية للتضامن مع الصحفي المفرج عنه "عبد الله بكير"، في يوليو 2020 (نشطاء)