التحليلات

هجوم أحور: رسالة متوحشة تكشف عن أزمة وجودية للقاعدة

القوات الجنوبية خلال انتشارها في أبين (رويترز)

14-09-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي


في السادس من الشهر الجاري شهدت محافظة أبين عملية كبيرة لتنظيم القاعدة، استهدفت حاجزا أمنيا لقوات الحزام الأمني بمديرية أحور الساحلية وأسفرت عن مقتل وإصابة نحو 28 جنديا، و7 من عناصر التنظيم.  تعتبر هذه العملية هي الأكبر للتنظيم خلال العام الجاري، من حيث خسائرها ومن حيث طبيعة الهجوم. بخلاف عملياته السابقة. استمرت هذه العملية أكثر من ساعتين، وفق مصادر متطابقة.


في الغالب، ينفّذ التنظيم عمليات مباغتة وسريعة، تحقق أهدافها وتجنبه الخسائر البشرية، ولا يلجأ إلى هذا النوع من العمليات إلا حين يكون الهدف هو السيطرة على الأرض. غير أنَّ السيطرة على الأرض لا تنسجم مع الوضع الحالي للتنظيم، إضافة إلى أنه تخلى عن هذه الاستراتيجية منذ زمن، لكلفتها ولأنها تؤدي إلى انكشافه أمنيا، وله تجارب سابقة في المحافظة ذاتها.


سيطرة مؤقتة


من المؤكد أن التنظيم أراد إثبات وجوده وقدرته على تنفيذ عمليات كبيرة من خلال هجوم أحور الأخير. تشير طبيعية الهجوم إلى أنه أراد السيطرة على تلك المناطق بشكل مؤقت، لكنه فشل في المهمة، إذ كان بمقدوره أن ينسحب مباشرة بعد تنفيذ الهجوم، لكنه لم يفعل. رغم ذلك، نجح في تنفيذ عملية كبيرة تلفت الأنظار إلى حضوره الكبير. وبخلاف كل مرة، حرص التنظيم على إصدار بيان تبن للعملية بعد تنفيذها بوقت قصير.


رسالة إلى القبائل


يمكن القول إن العملية الأخيرة في أحور تضمنت رسالة غير مباشرة إلى قبائل محافظة أبين، وهي رسالة بمثابة التهديد، لتحقيق هدفين اثنين، أولهما أنه مازال قويا، وسينتقم من كل من يقف مع الحملة ضده، وثانيهما أن القتل سيكون مصير أبنائها إن جندتهم في صفوف القوات التي تشن أو ستشن حملات عسكرية وأمنية عليه. 


باختصار ربما أراد التنظيم أن يوصل رسالة بأن أي تعاون ضده سيكون مكلفا. ولتأكيد حضوره وقدرته على الاستهداف، نفّذ التنظيم عمليات أخرى صغيرة في مديرية مودية بالمحافظة ذاتها. تشير العملية في أحور وما سبقها وتلاها إلى أن التنظيم يخشى من التجاوب القبلي مع الحملات العسكرية والأمنية ضده. كان التنظيم في السابق يتجنب الصدام مع القبيلة، ويتغاضى عن أدوار غير مؤثرة لها في الحرب على الإرهاب، لكن الوضع تغير بشكل كبير بعدما أصبحت مهمة هذه الحرب مسئولية المحافظة وأبنائها.


الفرق الآن، أن التنظيم سيحاول تنفيذ العمليات تحت مسمى "الدفاع عن الدين" وليس "عن النفس". ذلك يرجّحه ما تضمنه التسجيل الأخير للقاعدة، والذي حاول ربط القوات الجنوبية بجهات خارجية لها مشاريع معادية للإسلام، كمبرر لاستهدافها.


أهداف متوقعة للعملية


من المهم الإشارة إلى أن عملية أحور الأخيرة جاءت بعد تسجيل صوتي لقيادي في التنظيم يُدعى أبو علي الحضرمي حول أحداث عتق، هاجم فيها الانتقالي الجنوبي والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، كما عاتب حزب الإصلاح واستنكر ما تعرض له في شبوة. كما أنّ هذه أول عملية للتنظيم في المحافظة بعد سيطرة الانتقالي الجنوبي على كافة مناطقها أو انتشاره فيها. على الأرجح، أراد التنظيم من خلال عملية أحور الأخيرة أن يوصل رسالة إلى القوات الجديدة في المحافظة، مضمونها أنّ أهوالا كبيرة قادمة تنتظرها.


لكن العملية، وبغض النظر عن قوتها، تشير إلى انّ التنظيم يمر بمرحلة صعبة، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظتان، على اعتبار أن انتشار قوات الانتقالي فيهما سيحرمه من آخر معاقله الآمنة. إلى ما قبل الأحداث الأخيرة، كان التنظيم يتواجد ويتنقل في بعض مناطق المحافظتين بحرية شبه تامة، كما كانت تلك المناطق منطلقا لعملياته خارج حدودها، لكن الوضع تغير بشكل جذري أخيرا.


ما يضاعف من أزمة خسارة التنظيم لمعاقله في المحافظتين هو أنها تأتي في ظل ظروف صعبة يمر بها، بسبب تقلص نفوذه بشكل عام في اليمن خلال السنوات الماضية. من هنا، يبدو أنّ تنفيذ هجمات دموية عنيفة في المحافظتين هو الخيار الوحيد المتاح للتعامل مع مثل هذه المستجدات بالنسبة لتنظيم القاعدة.


"يدرك تنظيم القاعدة أن وصول القوات الجنوبية إلى وادي حضرموت، حيث توجد آخر معاقله، سيضيق الخناق عليه بصورة غير مسبوقة"


إرباك أمني


وإضافة إلى ما سبق، من غير المستبعد أن يكون هدف التنظيم، أو من ضمن أهدافه، إرباك الوضع الأمني داخل المحافظتين وخلق انطباع سيء عنه في ظل سيطرة المجلس الانتقالي عليهما، وهو ما سيخدم بالمحصلة الأطراف السياسية التي فقدت نفوذها في المحافظتين، ما يعني أنّ العمليات في أبين وشبوة قد تتصاعد وبشكل أكثر دموية خلال الفترة المقبلة. ربما يحاول التنظيم تنفيذ عمليات في مناطق عديدة متباعدة داخل المحافظة لتشتييت الجهد الأمني والعسكري، وخلق انطباع مختلف عن قوته وحضوره.


ولذلك لجأ القاعدة إلى محاولة استقطاب مسلحين جدد إلى صفوفه، من خلال أنشودة دينية وبيان أصدرهما الثلاثاء يحثان على القتال من أجل معاقله في أبين، والدعوة لما وصفه "التصدي للمشروع الإماراتي الصهيوني"، من خلال ما اعتبرها عملية "سهام الحق"، كحملة مضادة لعملية "سهام الشرق" التي أعلنتها القوات الجنوبية ضده في محافظة أبين. 


وادي حضرموت


يدرك تنظيم القاعدة أن وصول القوات الجنوبية إلى وادي حضرموت، حيث توجد آخر معاقله، سيضيق الخناق عليه بصورة غير مسبوقة. ولا يستبعد أن يكون من ضمن أهداف تصعيد عملياته في محافظتي أبين وشبوة هو الدفاع عن وجوده في وادي حضرموت، عبر إشغال تلك القوات بالوضع الأمني في المحافظتين.


أشار تقرير سابق نشره مركز سوث24، إلى أن عمليات مكافحة الإرهاب لن تحقق النجاح المطلوب ما لم تكن أبين وشبوة وحضرموت ساحة واحدة لها. سيبقى وادي حضرموت منطقة آمنة ينسحب إليها حين يضيق الخناق عليه في أبين وشبوة، وأيضا منطقة آمنة تنطلق منها عملياته إلى محافظات أخرى.


خلاصة


هذه المؤشرات تكشف بأنّ المشكلة الرئيسية التي يعاني منها تنظيم القاعدة في اليمن هي "المعقل الآمن" الذي تقلّص بشكل كبير بعد أحداث محافظة شبوة الأخيرة.


إضافة إلى ذلك، يعيش القاعدة خوفا غير مسبوق من التجاوب الشعبي والقبلي مع الحملات الأمنية والعسكرية ضده في أبين وشبوة، وقد حاول من خلال عملية أحور إيصال رسالة متوحشة عن طبيعة ردة فعله تجاه أي تعاون في الحرب عليه. كما يخشى التنظيم من تمدد القوات الجنوبية إلى وادي حضرموت، لأن ذلك سيعني خسارته لكل عوامل البقاء والاستمرار. 



إبراهيم علي

هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا