سوث24 | عبد الله الشادلي

يوجد في محافظة حضرموت، معالم أثرية تتميز بالزخرفة والإتقان الهندسي البديع، يعود تاريخ بناء بعضها لقرون غابرة من الزمان، باتت تشكّل الهوية التاريخية المعمارية لكبرى محافظات جنوب اليمن، رغم تعرض بعضها للإهمال. 

قصر الباغ في غيل باوزير بحضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وفي بعض مدن الساحل، وأشهرها: مدينة المكلا عاصمة حضرموت، ومدينتي الشحر وغيل باوزير التاريخيتين، إلى الشرق من المكلا، توجد قصور ومعالم تعطي صورة فريدة من نوعها لمدن حضرموت الكبرى.

ويعود تأسيس القصور التاريخية الموجودة اليوم في ساحل حضرموت، وتحديدًا في مدن الشحر، المكلا وغيل باوزير، إلى فترات السلطنات والدويلات في الجنوب، مثل: السلطنة القعيطية، والسلطنة العولقية، والسلطنة البريكية، وغيرها.

وفي مدينة الشحر، هناك قصور تاريخية مهمة، ومن أبرزها: قصر دار ناصر، الذي بُني في عهد الأمير ناصر بن ناجي البريكي في عهد الدولة البريكية في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي. كما يوجد في المديرية حصن بن عياش، الذي بناه عبد الله بن عمر القعيطي، في عهد السلطنة القعيطية.

معالم تاريخية

قصر السلطان القعيطي

يقع قصر السلطان غالب القعيطي [متحف المكلا في الوقت الراهن]، الذي بُني سنة 1925 عند مدخل مدينة المكلا الرئيسي الذي كان يعرف قديما بـ "برع السدة". لقد أقيم هذا القصر على الطراز المتأثر بالطابع الهندي الشرقي المعماري، الذي تأثر به سلاطين الدولة القعيطية آنذاك.

داخل قصر السلطان القعيطي بعد تحويله إلى متحف في المكلا بحضرموت 3 سبتمبر 2020 (مركز سوث24)

وبُني قصر السلطان القعيطي على لسان بحري، يتكون من ثلاثة أدوار، ويحيط به سور بمساحة كبيرة يحتوي على دهاليز وصالة لاستقبال الضيوف، وقاعة للاجتماعات وغرفة واسعة خاصة للحكم ويتصدّرها كرسي العرش.

وبعد سقوط السلطنة القعيطية في عام 1967 سُمي القصر بـ "قصر 14 أكتوبر". وفي السنوات الأخيرة تم تحويل القصر بكامله إلى متحف، يتكون من ثلاثة أجنحة.

حصن الغويزي

يُعتبر حصن الغويزي الذي يقع في المدخل الشمالي الشرقي للمكلا، أحد أبرز وأهم المعالم القديمة للمدينة، وتحفة معمارية وهندسية، بُنيت من الطين المخلوط بالتبن ومواد البناء التقليدية، على سفح صخري منحنٍ.

وفقا لباحثين في التاريخ، تحدثوا لـ "سوث24"، يتميز الحص بموقع استراتيجي كان يهدف لحماية المدينة من الهجمات المعادية على المكلا الواقعة على ساحل البحر العربي. ويعود تاريخ بناء الحصن إلى العام 1716، أثناء حكم السلطنة الكسادية للمكلا.

حصن الغويزي في حضرموت (أمين صالح عوض)

ويتكون الحصن من طابقين؛ الأول به عدة حجرات وعلى جدرانه الخارجية نوافذ عدة منشورية الشّكل من جميع الاتجاهات، أما الطابق الثاني فيتميز بنوافذ واسعة.

 كما أنَّ السطح مصفوف بجذوع النخل وقاعدة مرصوفة بالأحجار وعليه طلاء بمادة الجص التقليدي.

قصر الباغ

يقع قصر الباغ غرب مدينة غيل باوزير، إلى الشرق من المكلا. وشيَّده السلطان عمر بن عوض القعيطي، في العقد الأخير من القرن الـ 19 ميلادي.

ويشابه قصر الباغ قصر السلطان القعيطي في المكلا، وكذا قصر السلطان عبد الكريم فضل في الحوطة، بمحافظة لحج، جنوب اليمن، وغيرها من القصور التي تأثرت بفن العمارة الهندية في بنائها.

قصر الباغ في غيل باوزير بحضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

ويتكوّن القصر من دورين يحتويان على العديد من الغُرف، وقد أقيم وسط حديقة بديعة الجمال، كانت في السابق تضم العديد من الأشجار المتنوعة، جُلبت بعضها من الهند.

ويحتوي القصر على بركة سباحة، يتم تزويدها بالماء من البئر التي تقع في حديقة القصر، وفي الناحية الغربية من السور المحيط بالقصر شيد مبنى خاصاً بخدم السلطان آنذاك. تم ترميم القصر من قبل الورثة في ظل غياب الاهتمام الحكومي.

حصن العوالق

يقع حصن العوالق في قرية الحزم بمنطقة الصداع شرق مدينة غيل باوزير. وأقيم الحصن على قارّة مرتفعة بشكل هندسي على ارض مساحتها 400×250 متر، وبارتفاع خمسة طوابق شاهقة.

ووفقا لمؤرخين، بُني الحصن منتصف القرن التاسع عشر من قبل الأمير عبد الله بن علي العولقي، الذي سعى مع اثنين أمراء آخرين هما غالب بن محسن الكثيري، وعمر بن عوض القعيطي، على تشكيل دولة في حضرموت إبان الاستعمار البريطاني، وفشلت المحاولة.

حصن العوالق في مدينة غيل باوزير في حضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وطبقا للمؤرخين، كانت السفن التي تزور موانئ حضرموت في ذلك الوقت تهتدي بهذا الحصن.

المدرسة الوسطى

كانت هذه المدرسة في البداية قصرا للسلطان منصر بن غالب القعيطي عندما تم بناؤها في 1890 بمدينة غيل باوزير. وفي 1944، تم تحويل القصر إلى مدرسة عمومية أطلق عليها المدرسة الوسطى.

المدرسة الوسطى بمدينة غيل باوزير في حضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

 اشتهرت هذه المدرسة بتخريج العديد من الشخصيات البارزة الحديثة من أبناء حضرموت، منهم الزعيم الجنوبي علي سالم البيض، وتقول المصادر التاريخية إنَها كانت المدرسة الوحيدة في حضرموت آنذاك قبل بناء مدارس مماثلة لاحقاً. وفي السنوات الأخيرة، حُوّلت المدرسة إلى مركز ثقافي. 

الجامع الكبير بالشحر

وفقا للمؤرخ عبد الله حداد، يُعد جامع مدينة الشحر أو ما يُعرف بـ "الجامع الكبير"، أقصى الشرق إلى المكلا، اسما لأول مسجد بحضرموت وجنوب اليمن بشكل عام.

جامع الشحر في مدينة الشحر في حضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وقال حداد لـ "سوث24": "لقد تم تشييد المسجد في الـقرن السادس ميلادي بعد إسلام أهالي الشحر وعودة وفدهم ضمن من أسلم من أهل اليمن في عام الوفود. كانت أعمدة المسجد في ذلك الوقت من جذوع النخيل، وسقفه من سعفها."

سدة العيدروس

تُعد بوابة العيدروس أو كما يُطلق عليها الحضارم "سدّة العيدروس" من أشهر المعالم في مدينة الشحر.

بُنيت السدَّة خلال الفترة 1868- 1888 ميلادية، وتُمثل نموذجاً فريداً للبوابات الإسلامية بحضرموت، وقد سميت بهذا الاسم تكريماً وتخليداً للإمام الشيخ العيدروس ونسبة إلى مسجد العيدروس القريب منها.

سدَّة العيدروس بمدينة الشحر في حضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

ويتكوَّن مبنى هذه البوّابة من ثلاثة أدوار:

الدور الأول: يشتمل على المدخل الذي يصل اتساعه إلى نحو مترين ونصف، وارتفاعه أربعة أمتار ونصف، يُغلق هذا المدخل باب خشبي سميك ذو مصرعين متساويين.

الدور الثاني: يحتوي على غرفه واسعة تقع على سقف البوابة في وسط المبنى، وفي الجناحين المحيطين بها أربع غرف ودورتي مياه في كل جناح غرفتين ودورة مياه.

الدور الثالث: أقيمت فيه غرفتان للمراقبة، إضافة إلى جدار يدور حول سقف المبنى بارتفاع متر ونصف. ويُستخدم مبنى البوّابة اليوم كإدارة للإعلام ومكتب لهيئة الاثار والمتاحف والمخطوطات.

قصر حكم الدولة البريكية

شيَّد حاكم الشحر الأمير ناصر بن ناجي بن بريك اليافعي، قصرا لدولتهم في مدينة الشحر في العام 1768. وفي عهد الدولة القعيطية، أضاف إليه السلطان عبد الله القعيطي اليافعي طابقين آخرين في العام 1878 إبان حكم دولة القعيطي عندما كانت الشحر عاصمة لها.

قصر الدولة البريكية في مدينة الشحر بحضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وفي عهد الاستعمار البريطاني، توالت بعض الزيادات والتوسعات، وتم استحداث غرفة للمستشار، ومحكمة شرعية، ودوائر مالية، والبريد، والأمن.

ضريح الشهداء السبعة

شيّد أبناء الشحر بحضرموت، ضريح الشهداء السبعة؛ ليصبح تذكارًا ورمزًا للتضحية التي بذلها 7 رجال في سبيل تحرير أرضهم إبان الغزو البرتغالي.

ضريح الشهداء السبعة في مدينة الشحر بحضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

لقد تبنّى هؤلاء الشهداء تأليب المواطنين ضد البرتغاليين الذين اجتاحوا مدينة الشحر في القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدًا في العام 1523. وقال المؤرخ حدَّاد لـ "سوث24": "ما قام به الشهداء السبعة و700 آخرون تم اعتباره كنموذج رائع في التضحية من أجل الوطن والكرامة."

وفي كتاب "الشهداء السبعة" للمؤلف الحضرمي محمد عبدالقادر بامطرف، الذي اطلع عليه "سوث24"، فهؤلاء الشهداء هم:

1.الشيخ يعقوب بن صالح الحريضي

2. الشيخ أحمد بن عبد الله بافضل

3. الشيخ سالم بن صالح باعوين

4. الشيخ حسين بن عبد الله العيدروس

5. الشيخ أحمد بن رضوان بافضل

6. الشيخ رضوان بن فضل بافضل

7. الأمير مطران بن منصور

رمزية تاريخية

تكمن أهمية هذه القصور والمعالم والحصون في أنَّها شكّلت ملامح حضارية خاصة بحضرموت وجنوب الجزيرة العربية ككل، كما يقول الأستاذ رياض باكرموم، مدير عام مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف لـ«سوث24».

وأضاف: "تمتعها بخصائص معمارية فريدة جمعت بين حضارة المنطقة المحلية وعمارتها التقليدية وبين حضارات أخرى وبالأخص حضارة الهند وشرق آسيا، منحها خصوصية فريدة تميزها عن غيرها في الجمال، وبالتالي أكسب المنطقة ككل طابعاً جديداً خاصاً بها لتلك المرحلة لن يتكرر، ويجب الحفاظ عليه".

من جانبه، قال مدير "دار الأسعى للدراسات والنشر"، الأستاذ عادل باعكيم لـ «سوث24»: "تكمن أهمية هذه المعالم في كونها شواهد حاضرة على التاريخ العريق...، لا سيما مدينة الشحر عبر تاريخها القديم والإسلامي الوسيط."

وأضاف: "هذه المدينة من المدن المهمة جداً، وتعدّ أهم مدينة في ساحل حضرموت في التاريخ الإسلامي."

إهمال

كغيرها من المعالم الأثرية والتاريخية جنوب اليمن، تعرَّضت المعالم التاريخية بمحافظة حضرموت للإهمال المتعمد في أوقات كثيرة، وعوامل التعرية التي أدَّت لانهيار بعضها.

ومن أبرز المعالم التي تكاد تندثر، ضريح الشهاء السبعة وقصر حكم الدولة البريكية، اللذين لم يتبقَ منهما سوى ملامح بسيطة، وهما في الوقت الراهن عرضة لأن يُصبحا مجرد أنقاض.

حصن العوالق بمدينة الشحر في مديرية غيل باوزير 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وفي هذا الصدد، قال باكرموم: "لقد بذلت هيئة الآثار جهودا كبيرة مؤخرا اعتبارا من العام 2018 في حصر ورفع دراسات ترميم لبعض المعالم، تكللت بعضها في الفترة السابقة بالحصول على التمويل."

وأضاف: "لقد أجريت بعض أعمال الصيانة لبعض المعالم، مثل: مثل قصر السلطان منصر القعيطي [المدرسة الوسطى بغيل باوزير]، وقصر السلطان القعيطي [متحف المكلا]. لا زال الكثير منها في حالة سيئة اليوم وبحاجة إلى أعمال ترميم عاجلة."

ولفت باكرموم إلى أنَّ الهيئة "تفتقد إلى أبسط الإمكانات من مرتبات بسيطة وموازنات تشغيلية." وأضاف: "عملنا توسع على مساحة كبيرة ولعدة جوانب أخرى وليس فقط جانب المعالم الأثرية والتاريخية والمباني".

ويلقي مدير دار الأسعى للدراسات والنشر عادل باعكيم باللوم على الحكومات المتعاقبة. وقال: "لا يبدو أنَّها تهتم بالتاريخ والآثار الذي تحمله هذه البلاد العريقة".

أبراج المراقبة المهترئة في حصن العوالق بمديرية غيل باوزير في حضرموت 12 نوفمبر 2022 (مركز سوث24)

وتجدر الإشارة إلى أنَّ وادي حضرموت يحفل أيضاً بقصور ومعالم تاريخية وأثرية عديدة، سيتم تناولها في تقرير آخر في الوقت القريب. تسبب الإهمال في اندثار بعض معالمه التاريخية.