اجتماع للحكومة اليمنية، 4 يناير 2023 (رسمي)
24-01-2023 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
مؤخراً، تفاقمت اختلالات الحوكمة بين مؤسسات وأجهزة الدولة في اليمن [الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً] مما تسبب في خلق تداخلات غير صحية في أنشطة وأعمال هذه الأجهزة، ألقت بظلالها على الأداء العام للدولة.
وأنتج ازدواج المهام بين أجهزة القطاع العام في الدولة العديد من الإشكالات المتراكمة، وبروز جملة من القضايا والخلافات البينية بين هذه الأجهزة إلى السطح. وبشكل أساسي، تعود هذه الإشكالات إلى غياب تطبيق الحوكمة.
في هذا التقرير، يستعرض مركز سوث24 نماذج من اختلالات الحوكمة بين مؤسسات وأجهزة حكومية، كما يستضيف مسؤولاً في وزارة الشؤون القانونية المختصة بالفصل في هذا النوع من القضايا، وخبراء.
غياب الحوكمة
تُعرَّف الحوكمة بأنَّها مجموعة من الأنظمة والضوابط التي تنظم العلاقات بين أصحاب المصلحة وتحقق مجموعة من المبادئ كالعدل والشفافية والمساواة. [1]
أيضاً، تُعرف الحوكمة على أنَّها "اتباع نظام معين للتحكم في العلاقات بين الأطراف الأساسية مما يُساعد على تنظيم العمل وتحديد المسؤوليات لتحقيق الأهداف على المدى الطويل." [2]
ويلفت الخبير الإداري والاستشاري وليد عبد الحفيظ ماجد، إلى أنَّ الحوكمة في الدولة تقوم بـ "إلغاء التداخلات بين المؤسسات الحكومية، وتحسين آليات العمل على المستويين المركزي والمحلي."
وأضاف لـ "سوث24": "بحكم إنَّ القطاع العام في بلادنا يتمثَّل في مجلس الوزراء والمجالس التابعة له وكذا الوزارات والهيئات والصناديق التابعة لها بما يشمل فروعها على مستوى المحافظات والمديريات، فهناك ازدواج في المهام والصلاحيات."
وارجع الخبير هذا إلى "تشابه المهام بين هذه الجهات بحسب ما نص عليه قانون إنشائها."
بدوره، يرى المهندس وضاح الحريري أنَّ الخلاف بين مؤسسات الدولة ببعضها البعض عائد إلى الثغرات الموجودة في التشريعات.
وأضاف لـ "سوث24": "هذا بسبب اللوائح نفسها التي تُحدَّد وتبيَّن صلاحيات المؤسسات والعلاقات فيما بينها؛ والمستوى الثاني يتعلق بمدى التجاوزات التي تقوم بها هذه المؤسسة أو تلك تجاه التشريعات واللوائح المنظمة للصلاحيات والحدود فيما بينها."
وأردف: "أما المستوى الثالث فهو غياب التضامنية والتنسيق بين الجهات والمؤسسات الحكومية مما أدَّى إلى حدوث الإشكاليات التي أشرتم إليها."
خلاف وتداخلات
في أكتوبر 2021، أثار قرار للحكومة اليمنية بشأن تحديد حرم ميناء عدن ومساحته التطويرية خلافاً بين هيئة المنطقة الحرة ومؤسسة موانئ خليج عدن. [3]
وأصدرت الحكومة قرارا اعتبرت فيه كافة المساحات المائية والأرضية المحاذية للميناء، جزءا من مخطط تطويري مقر منذ 2006.
كما فعّلت اللجنة الوزارية المشكلة بموجب قرار في 2014 لمتابعة التنفيذ والإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء التراخيص الممنوحة من إدارة المنطقة الحرة – عدن، للشركات الاستثمارية لإقامة مشاريع على المساحات المائية والأراضي المحاذية لميناء عدن.
واستنكرت هيئة المنطقة الحرة في بيان سابق لها هذا القرار، واعتبرته مخالفا للقانون، في حين ردت مؤسسة موانئ خليج عدن، ببيان آخر يؤكد أحقيتها في إدارة المناطق التابعة لها.
ووفقاً لوكيل وزارة الشؤون القانونية فهمي نعمان، فقد تم تشكيل لجنة برئاسة وزير الشؤون القانونية الدكتور أحمد عرمان بشأن هذه القضية والنظر فيها.
ولم تكن المؤسستان الحكوميتان هما وحدهما من نشب بينهما الخلاف الناتج عن غياب الحوكمة فقط، فهناك العديد من المؤسسات والأجهزة الأخرى التي تعاني منذ وقت أقدم بكثير من تداخلات وخلافات إدارية.
ويظهر الرصد الذي أجراه مركز سوث24 نماذج من أهم اختلالات الحوكمة في الفترة الأخيرة بين أجهزة ومؤسسات الدولة:
المؤسسات/ الأجهزة الحكومية |
الخلاف/التداخل |
- شركة مصافي عدن - شركة النفط اليمنية - عدن |
تخزين
وتسويق المشتقات النفطية المنتجة في الداخل |
- مؤسسة كهرباء عدن - شركة مصافي عدن - شركة النفط اليمنية - عدن |
توريد
وقود الكهرباء وخزن الوقود وإيصاله على محطات الكهرباء. في الوقت الراهن يخزن
الوقود في خزانات مصافي عدن بينما الشراء يتم عبر شركة النفط في عدن. |
- وزارة المالية - وزارة الخدمة المدنية
|
صرف
علاوات المتقاعدين، وعلاوات بالغي الأجلين من الموظفين غير المحالين للتقاعد |
- الهيئة العامة للآثار والمتاحف - الهيئة العامة للمحافظة على المدن
والمعالم التاريخية - مصلحة الأراضي بالدولة
|
أحقية
ترميم المعالم الأثرية في العاصمة عدن وبقية المحافظات مع دخول المنظمات الدولية
على الخط وتقديم منح مالية لأعمال الترميم |
وكيل وزارة الشؤون القانونية، فهمي نعمان، أقر بوجود الخلافات بين العديد من الجهات الحكومية.
وقال لـ "سوث24": "للأسف ظهر أكثر من خلاف ونزاع بين أكثر من جهة حكومية. نحن الجهة المخولة في الدولة بالفصل في هذه الخلافات لكننا نحتاج أن تتقدم هذه الجهات أو إحداها بالطلب إلينا."
وأضاف: "من الصعب دعوة هذه الجهات إلى الوزارة، ولا يمكن استدعاء أي جهتين للفصل بينهما إلا بطلب منهما أو إحداهما، أو بطلب أعلى من رئاسة الوزراء."
وأردف: "وفقا للقانون رقم 30 لعام 1996 بشأن قضايا الدولة، وزارة الشؤون القانونية هي الجهة الوحيدة المخولة قانونًا للنظر بأي نزاع بين جهتين حكوميتين. لا يحق لأي جهة أخرى أن تنظر في أي نزاع بين أجهزة الدولة بما فيها المحاكم."
وأوضح نعمان أنَّ أي قرار من الوزارة بشأن الفصل في قضايا مشابهة يكون وجوبياً نهائياً غير قابل للطعن كما يحدث في المحاكم العادية.
وكان مركز سوث24 قد رصد في تقارير سابقة بعض هذه الاختلالات وشكاوى مسؤولين في عدد من المؤسسات الحكومية منها.
مُتعلق: عدن: معالم أثرية وتاريخية مُهدَّدة
مُتعلق: كهرباء عدن: فساد رسمي وصفقات مظلمة
مُتعلق: مصافي عدن: فساد وإهمال يُعطلان أهم منشأة لتكرير النفط
ويعتقد المهندس خالد الحريري أنَّ تفاقم هذه الإشكالات عائد في كثير من الأحيان إلى "ضعف الدولة المركزية في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد حالياً والاستناد إلى عناصر قوة نافذة تتجاوز التنظيم الإداري والتشريعي."
وأضاف: "قاد هذا إلى إجراءات وقرارات لا تستند إلى مرجعيات وإنما يتم إنفاذها بالاستفادة من حالة الانفلات في الأجهزة والجهات الحكومية" حدَّ وصفه.
الأسباب
المسؤول بوزارة الشؤون القانونية فهمي نعمان، قال إنَّ السبب الرئيسي وراء هذه الخلافات والإشكالات يكون غالباً تفسير نص قانوني من قبل جهات حكومية بطريقة تنتج خلافا ونزاعا بينهما على الأحقية في نشاط مع معين."
وعدَّد المهندس وضاح الحريري أسباب تفاقم هذه الإشكالات في مؤسسات الدولة.
وقال: "من أهم أسباب غياب الحوكمة الجيدة في البلاد، عدم النظر وعدم البت السريع في قضايا النزاع بين المؤسسات وغياب الكفاءة الإدارية للجهاز الوظيفي والعامل البشري الذي يستوعب البعد الفلسفي والإداري للحكومة الجيدة."
وأضاف: "هناك أسباب أخرى مختلفة يطول الشرح في طرحها وتتفاوت شدتها، لكن أعتقد أنَّ السببين اللذين أوردتهما كفيلان بإحراز تقدم على مسار الحوكمة في حالة تمَّت معالجتهما والاختلالات الناتجة عنهما."
معالجات
لمعالجة مشكلات الحوكمة، يرى الخبير وليد عبد الحفيظ أنَّه "يجب أولاً الاطلاع على منظومة التشريعات الوطنية لمعرفة مصدر الازدواج في المهام والصلاحيات."
ويضيف: "ومن ثم وضع مقترحات التعديل في مصفوفة عبر المختصين من الجهات الحكومية أو الاستشاريين المختصين بهذا الموضوع."
وأردف: "كما يجب مناقشة المصفوفة مع جهات الاختصاص، وزارة الشؤون القانونية، ومجلس النواب، باعتبارهم قنوات يتم من خلالها صياغة التشريعات."
ولفت الخبير إلى أنَّ المعالجات "يجب أن تشمل جزئيات أخرى من المهم التركيز عليها مثل تعميم العمل بمبدأ الشفافية بما يشمل عرض تقارير العمل الفنية والمالية عبر المواقع والصفحات الإلكترونية لهذه الجهات."
وأضاف: "يجب أيضاً تفعيل مبدأ الثواب والعقاب من خلال مكافأة المنجز ومحاسبة المُخطئ ومعاقبة الفاسد، علاوة على ضرورة إعداد وتصميم مدونة سلوك لموظفي القطاع العام بما يتناسب مع نصوص الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد."