شخصان يوقعان على وثائق النقاشات الحضرمية في حفل إشهار «مجلس حضرموت الوطني»، 20 يونيو 2023 (رسمي)
25-06-2023 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
توَّجت تحركات المملكة العربية السعودية في جنوب اليمن، خلال الأشهر الأخيرة، بإعلان "مجلس حضرموت الوطني" في الرياض في 20 يونيو الجاري. المكوَّن السياسي الجديد، الذي حمل هوية محلية لمحافظة في الجنوب، ليس آخر خطوات الرياض هناك، لكنَّه أكثرها إثارة للجدل والتساؤلات تمامًا مثل "قوات درع الوطن" السلفية التابعة للسعودية التي شكلت قبل أكثر من عام.
وعلى الرغم من حجم الدعم والترويج لهذا المكوَّن الجديد ومشاركة محافظ حضرموت في تكوينه، ليس من الواضح حجم أو حدود تأثيره في المحافظة. علاوة على ذلك، خلقت وثائقه المقتضبة ذات البنود والنقاط الفضفاضة العامة حالة من التشويش والتحفظ لدى آخرين كثر ممن فضَّلوا انتظار القادم من الوقت لتكشف المزيد، وصياغة مواقف محددة تجاه المكون الحضرمي الوليد.
في المقابل، ووسط زحام المباركات من شخصيات ومكونات قريبة من السعودية، أو على صلة بحزب الإصلاح الإسلامي وأطراف شمالية، تصاعدت المواقف الحضرمية الرافضة للمكون الجديد ومزاعم تمثيله لحضرموت ككل. وانطلق كثير من هذه المواقف من تمسك الحضارم بموقعهم كجزء أصيل لا يتجزأ من الجنوب، فيما شكك آخرون بجدوى هذا المكون لحضرموت نفسها.
وكان رئيس الوزراء اليمني الأسبق خالد بحاح، وبتوجيه سعودي على الأرجح، قد قام بزيارة ميدانية إلى حضرموت، في فبراير الماضي، لتأليب بعض الوجاهات الاجتماعية والقبلية في وادي حضرموت نحو كبح جماح المطالبات الشعبية بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى، فضلًا عن تحركات الرجل على الصعيد الدبلوماسي لمحاولة إقناع الجهات الخارجية والأوروبية بشمولية نهج المجلس الانتقالي الجنوبي تجاه حضرموت.
وثائق المكون الجديد
تمخض "مجلس حضرموت الوطني" عن نقاشات لوفد حضرمي استضافته السعودية بدعوة رسمية بين 21 مايو – 19 يونيو الجاري. واشتملت مخرجات المشاورات على وثيقتين: "الوثيقة السياسية والحقوقية"، و"ميثاق الشرف الحضرمي".
وتضمنَّت الوثيقة الأولى "الالتزامات والمبادئ" التي تكونت من 7 نقاط نصّت على تلبية تطلعات أبناء محافظة حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، والإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية في حضرموت، مؤكدَّة التزامها بالأهداف المشتركة مع التحالف العربي وإعلان نقل السلطة، وحق أبناءها بالمشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي.
وتجاهلت الوثيقة الشؤون العسكرية في حضرموت بوضوح. كما تضمنَّت أيضًا "الترتيبات الضامنة"، التي حدَّدت عضوية المجلس بمختلف الكيانات والأطياف والشخصيات الاعتبارية الحضرمية، بمن فيهم أولئك في الحكومة اليمنية من وزراء ومسؤولين وبرلمانيين. وهي عضويات افتراضية في انتظار تشكيل قيادة المكون الجديد على يد هيئة تأسيسية مكوَّنة من سبعة أشخاص برئاسة وزير النقل السابق، "بدر باسلمة".
وأكَّدت الوثيقة الثانية، "ميثاق الشرف الحضرمي"، على العمل بشكل موحد بمبادئ الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية، ومباركة المكون الجديد والانخراط فيه. بالإضافة إلى دعم الهيئة التأسيسية، كما حدَّدت الوثيقة الثانية فترة عمل الهيئة التأسيسية بشهرين لإنجاز "مسودة بهيكلية المجلس ونظامه الأساسي ولوائحه الداخلية".
مواقف الأطراف الحضرمية
بدأت المواقف المناهضة للمكون الحضرمي مبكرًا، ففي 20 يونيو الجاري، وقبل ساعات من إعلان "مجلس حضرموت الوطني"، أرسل وجهاء وشيوخ قبليون حضارم خطابًا إلى السعودية ومجلس القيادة الرئاسي للتعبير عن رفضهم لإنشاء المجلس.
وقال الخطاب الذي اطلع مركز "سوث24" على نسخة منه إنًّ نقاشات الوفد الحضرمي الذي استضافته السعودية "اقتصرت على مكون وطيف سياسي واجتماعي واحد فقط، ولا يعبَّر عن أبناء حضرموت كافة".
وبعد يومين فقط من إنشاء المكون السياسي الحضرمي في السعودية، أعلن عن "ملتقى نهد الانتقالي من أجل حضرموت والجنوب" في مديرية القطن بوادي حضرموت. وتعد قبيلة "نهد" من كبرى قبائل حضرموت. ورأى محللون أنَّه يمكن اعتبار هذا الإعلان أحد النتائج السلبية لتشكيل مزيد من المكونات.
وعلى الرغم من تحفظ القيادة المركزية للمجلس الانتقالي الجنوبي من تحديد موقف واضح تجاه المكون الجديد، إلا أنَّ رئيس المجلس في محافظة حضرموت انتقده بشدة. وحذَّر العميد سعيد المحمدي: "من خطورة استنساخ وتفريخ مكونات جديدة على النسيج الاجتماعي الحضرمي".
ودعا المحمدي أبناء حضرموت إلى عدم التعامل مع المكون الجديد. واتهم حزب الإصلاح الإسلامي بمحاولة تفتيت القوى المجتمعية الحضرمية.
وعلَّق عضو مجلس القيادة الرئاسي نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي فرج البحسني ضمنيًا على خطوة تشكيل "مجلس حضرموت الوطني". وقال على تويتر: "ما يجب أن يكون في هذه المرحلة بحضرموت هو أن يحمل كل أبنائها رؤية واحدة واضحة، فهما للواقع السياسي والواقع على الأرض".
وفي تصريحات خاصة لمركز "سوث24"، حدَّد الأمين العام لـ "كتلة حلف وجامع حضرموت"، الشيخ عباس باوزير موقف المكون الذي ينتمي له من "مجلس حضرموت الوطني". وقال: "نرى أنّ هذا المجلس وُلِد خارج الرحم ولم يولد ولادة طبيعية لأبوين شرعيين حيث تشكّل خارج الوطن".
وأضاف: "ممثلو هذا المكوّن مجموعة مُنتقاة، يجمعهم اختلافهم مع استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية التي ينشدها معظم أبناء وأطياف الشعب الجنوبي، ولا أقول كله. ومع ذلك فنحن نحترم الاختلاف والرأي الآخر وإن لم نكن نتفق معه. الوطن للجميع بكل تأكيد".
ويؤكد ناطق "الهبة الحضرمية الثانية"، الشيخ مرعي التميمي، على تمسكهم بمشروع الدولة الفيدرالية في الجنوب. وقال لمركز "سوث24": "كل الحضارم مجمعون على أن تكون حضرموت إقليماً مستقلاً بكامل الصلاحيات في دولة الجنوب الجديدة".
في المقابل، عبَّر ممثلون لمكونات حضرمية أخرى عن تأييدهم لمجلس حضرموت الوطني.
وقال المتحدث باسم "مؤتمر حضرموت الجامع" صلاح بوعابس لمركز "سوث24": "لقد كانت قيادات من مؤتمر حضرموت الجامع حاضرة في مشاورات الرياض، تقديراً لدور الأشقاء في المملكة العربية السعودية واستضافتهم الكريمة".
وأضاف: "لقد نتج عن هذه اللقاءات الإعلان عن لجنة تأسيسية لمجلس حضرموت الوطني، ونحن شركاء فيه مع مكونات أخرى، بمعنى أنّ هذا المجلس ليس بديلاً عن مؤتمر حضرموت الجامع، ولن يكون كذلك".
وعن الأطراف التي لم تشارك في تشكيل المجلس، قال صلاح بوعابس: "في الحقيقة لم تتضح حتَّى الآن الرؤية الكاملة عن المشاركين وغير المشاركين، لكن نحن ننصح بعدم إقصاء أي طرف من الأطراف على الساحة الحضرمية".
وأشار أمين عام مرجعية قبائل حضرموت، الشيخ جمعان سعيد، إلى أنَّ مكونهم "مشارك بفاعلية كبيرة في مجلس حضرموت الوطني، وفي عضوية الهيئة التأسيسية للمجلس". وأضاف لمركز "سوث24": "معظم المكونات الفاعلة شاركت، والباب مفتوح لكل حضرمي مؤمن بوثيقة مخرجات المشاورات الحضرمية".
وعن موقف "مجلس حضرموت الوطني" من المجلس الانتقالي الجنوبي، قال الشيخ جمعان سعيد: "لا يوجد لمجلس حضرموت موقف عدائي تجاه أيَّ مكون أو حزب. نعتبر أنفسنا محور سلام للجميع [..]. سوف نسعى لمعالجة تهميش وإقصاء حضرموت".
ويرى الصحفي الحضرمي المُقرب من حزب الإصلاح، عبد الرحمن باتيس، أنَّ "قضية حضرموت انتصرت بعد تشكيل مجلس حضرموت الوطني".
وزعم باتيس، في حديث لمركز "سوث24"، أنَّ "الأطراف التي تخلّفت عن اللقاء رغم توجيه دعوة لها، موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقد حرصت على التغيب عن اللقاءات الحضرمية – الحضرمية حفاظاً على مصالحها فقط"، حدَّ تعبيره.
الدور والأهداف
يحمل توقيت إعلان وتشكيل المكون الحضرمي الجديد الكثير من الدلالات، حيث تزامن مع تحركات كبيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في شهر مايو الماضي، شملت عقد الدورة السادسة للجمعية الوطنية للمجلس في المكلا في 21 من ذات الشهر، وضم شخصيات حضرمية لقوام قيادته بينهم عضو المجلس الرئاسي فرج البحسني الذي عُين نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي.
علاوة على ذلك، كانت السعودية قد بدأت تحركات حثيثة في جنوب اليمن قبل هذا عبر تشكيل "قوات درع الوطن" ونشرها في منفذ الوديعة بين حضرموت والمملكة، ومحافظات أخرى في الجنوب، بالإضافة لتحركات في منافذ حضرموت الجوية والبرية قبل أسابيع انتهت بتسليم مطار الريان الدولي للسلطة المحلية، فيما بقي منفذ الوديعة تحت سيطرة قوات شمالية يرجح استبدالها بقوات درع الوطن بحسب مصادر خاصة لـ "سوث24".
ولا يفصل محللون ومراقبون ما يجري في حضرموت عن سياق التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات، وهو تنافس لطالما كان واضحًا في انعكاساته المحلية طيلة الأعوام الماضية.
متعلق: حضرموت في الواجهة: مجلس جديد ومشروع سياسي مبهم
ويرى المحلل السياسي أنور التميمي أنّ المشكلة ليست في "مجلس حضرموت الوطني" نفسه أو مخرجات النقاشات الحضرمية بالرياض، بل بالأشخاص خلف تشكيل هذا المكون.
وقال لمركز "سوث24": "الإشكالية الكبرى في التشكيل. هناك أفراد ارتضوا لحضرموت فترة طويلة جدًا التبعية والنهب والتغيير الديمغرافي وصمتوا، بل وشاركوا في كل هذا. فجأة يرتبط هؤلاء بمشروع مثل هذا فتصبح هناك علامات استفهام كبيرة".
وأضاف: "إذا قيمنا المشروع بدون شخوص فبالفعل هناك حاجة حقيقية مُلحة في حضرموت إلى أن تدار من قبل أبنائها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. لا غبار على المطالب بأن تدير كل محافظة نفسها سواء في الوضع الحالي أو حتى مستقبلا في دولة الجنوب، لكن الإشكالية في تصدر أشخاص تابعين لصنعاء لمثل هذه المطالب والمشاريع".
ويعتقد التميمي أن محافظ حضرموت "كان مضطرًا للتعاطي مع هذا المشروع. كما أنَّ وجوده بصفته الاعتبارية منع انفراد تلك الشخصيات بالأمر وإلا لكنا رأينا مكونين أحدهما لساحل حضرموت والآخر لوادي حضرموت". مضيفًا: "هذه سياسة جيدة برأيي وتخفف الأضرار بدلًا من ترك أولئك يمارسون السياسة التي يريدونها وليسوا أهلً لها".
ويرى المحلل السياسي أنَّ "استضافة السعودية للنقاشات الحضرمية وتشكيل المكون الجديد لا تعني بالضرورة أنَّ الرياض تدعمه"، مستدلًا بلقاءات ونشاطات لأطراف جنوبية أخرى في السعودية. وبشأن حضور السفير السعودي حفل الإشهار قال التميمي: "أنا واثق بأنَّه لو تجمعت مجموعة من حضرموت أو غيرها، وطلبت لقاء مع السفير السعودي لاستجاب لها".
مستقبل المكوَّن
لم يستبعد مراقبون أن يتمكن حزب الإصلاح الإسلامي من اختراق المكون الحضرمي الجديد للعودة مرة أخرى إلى الجنوب بعد حالة ضعف. وبالفعل، ترتبط كثير من الشخصيات المؤسسة لهذا المكون بحزب الإصلاح، كما أن فرع الحزب في حضرموت ومنتمين له في المجلس الرئاسي والحكومة باركوا تشكيل هذا المكون.
بالإضافة لذلك، تستمر المخاوف من الانقسامات المحلية في حضرموت نتيجة رفض هذا المكون من قبل بعض الأطراف، وهي انقسامات قد تتعزز بعد انتهاء الهيئة التأسيسية من مهامها خلال الشهرين القادمين على الأرجح.
وفي هذا الصدد، قال أنور التميمي: "هذا المكون سينفجر من الداخل لأنَّ هناك إشكالية تنظيمية كبيرة جدًا موجودة حاليًا. الشخصيات التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ليست منضوية في مؤتمر حضرموت الجامع ولا التشكيلات القبلية والمدنية التي يفترض أنَّها كانت موجودة والتي كانت تشكل حالة إجماع معقولة لأبناء حضرموت".
وأضاف: "أنا اعتقد أنَّ المبالغة في مواجهة هذا المكون قد تكسبه شعبية وحضور إعلامي أكثر ربما. ينبغي ألّا نسلط الضوء عليه كثيرًا، ونركز مواجهة أدوات الاحتلال في حضرموت. كان هناك في حضرموت صوت قوي جدًا يطالب بإبعاد المنطقة العسكرية الأولى، لماذا قل هذا الصوت؟".
وفي كل الأحوال، يبقى تقييم المكون الحضرمي الجديد مرتبطًا بوضوح بتقييم ما تريده السعودية في حضرموت وجنوب اليمن ككل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الرياض قد دشنت، اليوم الأحد، مشاريع خدمية وتنموية بقيمة تتجاوز 1.2 مليار ريال سعودي في حضرموت، بواسطة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي يزور المحافظة في هذه الأثناء.
وقال العليمي خلال حفل التدشين : "نعمل على عقد لقاء تشاوري في حضرموت بين الحكومة والقطاع الخاص والسلطات المحلية والدول المانحة لتعزيز إدارة المحافظات ذاتيًا. نحن مع المحافظ أن حضرموت ستدير نفسها ماليًا وإداريًا وأمنيًا، وإذا نجحت التجربة سنعممها على بقية المحافظات".
وتشبه حزمة الدعم هذه ما أعلنت عنه الرياض وأبوظبي في أبريل 2022 عند تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني في الرياض من ودائع بقيمة 2 مليار دولار، ودعم بقيمة مليار دولار للكهرباء وبرامج الأمم المتحدة في البلاد، لم يصل منها سوى جزأ ضئيل جدًا وسط أزمة اقتصادية وخدمية ومعيشية مستمرة منذ سنوات في مناطق الحكومة اليمنية.