هل تحل «ستارلينك» مشاكل الإنترنت في اليمن؟

هوائي ستار لينك، 17 سبتمبر 2023، شرق المكلا (سوث24)

هل تحل «ستارلينك» مشاكل الإنترنت في اليمن؟

التقارير الخاصة

الأحد, 15-10-2023 الساعة 08:15 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي 

تُعد  خدمة الإنترنت في اليمن التي يقدمها المزود الحصري "تيليمنمن بين الأبطأ والأغلى في العالم. وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، فرضت المليشيات العديد من القيود على المستخدمين.

يحتل اليمن المرتبة الـ 142 في تقديم خدمات الإنترنت للهاتف، بمعدّل 7.31 ميجا بت/ث للتنزيل، و6.46 للرفع. بينما يحتل النطاق العريض الثابت المرتبة 176، بمعدّل 5.28 للتنزيل، و1.4 للرفع، وفقا لآخر تحديث لموقع "سبيد تست" الشهير.

هذه السرعات التي تعتبر ضعيفة للغاية مقارنة بدول المنطقة والعالم لا تصل في الواقع إلى هذه الأرقام لدى أغلبية المستخدمين، حيث لا تتجاوز سرعة الرفع والتنزيل 1 ميجا بت في أغلب الأحوال. وفي الوقت الراهن، أصبحت الأنظار تتجه نحو الإنترنت الفضائي "ستار لينك"، الذي تقدمه شركة "سبايس إكس" المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك. 

هل تعمل في اليمن؟ 

تقدم تقنية الإنترنت عبر الأقمار الصناعية المعروفة بـ "ستار لينك" حلاً ثورياً لمشكلة الوصول للإنترنت، وتتميز بالقدرة على تجاوز القيود الجغرافية والبنية التحتية المحدودة للدول. كما تتيح للمستخدمين الوصول إلى إنترنت عالي السرعة من الفضاء، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. 

رسمياً، لم تدخل التقنية للعمل في اليمن حتَّى الآن. ويشير الموقع الرسمي للخدمة إلى أنَّها سوف تبدأ العمل في اليمن في العام القادم 2024. مع ذلك، تمكن مستخدمون عدة من إدخال الأجهزة اللازمة لتشغيل الخدمة إلى محافظات عدة في البلاد، من بينها عدن وصنعاء وحضرموت بحسب إفادات بعض المستخدمين الذين تواصل معهم مركز "سوث24".


واجهة الموقع الرسمي (قادم قريبًا) 

من الناحية القانونية، يعد هذا الأمر مخالفًا لقوانين السلطات في البلاد كما أكَّد مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات اليمنية في عدن لمركز "سوث24". هذا الأمر دفع الشابان منصور جمعة وحسن سالم إلى الحديث معنا بأسماء مستعارة عن تجربتهم في استخدام الإنترنت الفضائي بعد النجاح في استقدام أجهزة ستارلينك عبر تهريبها. 

وقال منصور جمعة لمركز "سوث24": "جرّبت الخدمة في حضرموت، وشبوة ووجدت أنّها تعمل بشكل جيد. يوجد في المكلا نحو 30 جهاز ستار لينك، حدّ علمي، ومعظم مستخدمي هذه الأجهزة يهدفون إلى توفير الخدمة للزبائن عن طريق إعادة بيعها، بديلاً عن يمن نت".

ولفت الشاب إلى أنَّه بدأ مشروع شبكة إنترنت لاسلكية [واي فاي] مؤخرًا. مشيرًا إلى أن هذه الخدمة تقدم إنترنت لا محدود مقابل اشتراك شهري، بعكس يمن نت التي تقدم باقات محدودة غير كافية أو غير مربحة بالحد الكافي لملاك شبكات الواي فاي. 

وبالنسبة للشاب حسن سالم، الذي يستخدم الإنترنت الفضائي في منطقة نائية من حضرموت، فإنَّ أجهزة ستارلينك "سهلة الاستخدام، صعبة الحصول". مضيفًا لمركز "سوث24": "هذه الأجهزة بالفعل تعمل بالمحافظة. لدي شبكة [واي فاي] في منطقتي، وكنتُ أستخدم الإنترنت عالي السرعة [الفايبر]  بالأجرة، لكن كلفته كانت باهظة. 400 ريال يمني للجيجا الواحد، فضلاً عن أنّه محدود السعة".

وأردف: "كنتُ أدفع ما يصل إلى 3 مليون ريال يمني شهرياً، أمّا الآن كل ما أدفعه لا يتجاوز 250$ [ما يُعادل 360 ألف ريال يمني تقريباً حسب سعر الصرف في السوق]، والسعة مفتوحة، والسرعة أفضل، خصوصاً في البداية".

تأكد معدُّ التقرير من حقيقة تشغيل هذه التقنية في حضرموت عبر المعاينة المباشرة لأجهزة المستخدمين. وصلت السرعة النقية لدى حسن سالم إلى 150 ميجا بت في الثانية، ونحو 16 ميجا بت في الثانية بعد توزيع الإنترنت على مستخدمي الواي فاي المرتبط بهذه التقنية. وتعتبر هذه السرعة كبيرة جدا وغير مسبوقة في اليمن. 


فحص اختبار السرعة لدى الشاب حسن سالم، 17 سبتمبر 2023 

وقال الشاب منصور جمعة إن السرعة النقية لديه في بعض الأحيان تصل إلى 250ميجا بت في الثانية. 

الأسعار والجودة 

على المستوى الدولي المعلن، تبلغ تكلفة الهوائي وجهاز التوجيه المخصصان للاتصال بالأقمار الاصطناعية والحصول على خدمات ستارلينك في الولايات المتحدة نحو 549 دولاراً. فيما تبلغ قيمة الاشتراك الشهري نحو 99$.

إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة، تعقّد الظروف السياسية لليمن من الحصول على أجهزة "ستارلينك". ويلجأ كثيرون للحصول عليها، مثل: منصور جمعة وحسن سالم، من سماسرة ومهربين، يحضرونها من دول أوروبية مختلفة، وصولاً إلى البلاد.

لقد دفع الشابان أضعاف القيمة المفترضة في سبيل الحصول عليها. فبينما قال منصور جمعة إنّه دفع قرابة 2000 دولار، وقال حسن سالم إنّه "دفع ما يقارب 2500$ [أي خمسة أضعاف المبلغ الرسمي].

علاوة على ذلك، يتعرض هؤلاء الذين حصلوا على أجهزتهم من سماسرة ومهربين، للابتزاز كما يقول حسن سالم، لاسيما عند دفع قيمة الاشتراك الشهرية التي تتطلب بطاقة ائتمانية أو فيزا كارد. "مازال السمسار يدفع قيمة الاشتراك الخاص بي شهريا، يأخذ مني 250$ شهريا، أنا اعتقد أنَّه يأخذ نسبة كبيرة من المبلغ لأن قيمة الاشتراك تتراوح بين 99 – 170$ حدَّ علمي".

لكن وضع منصور جمعة أفضل مع علاقته الوطيدة بالسمسار الذي وفر له أجهزة ستارلينك. يأخذ منه 100$ شهريا فقط، طبقا له. 

وحذَّر منصور من التعامل مع الأشخاص الذين لا يتسمون بالثقة. مضيفًا: "من الضروري امتلاك البريد الإلكتروني الذي تم ربط حساب الجهاز عليه، في حال لم يتم شراؤه من الموقع الرسمي للشركة. لافتًا إلى أنّ "الجهاز يصبح مجرد خردة دون هذه البيانات".

ومع سرعة الإنترنت العالية التي تقدمها هذه التقنية، إلا أنّها ليست ثابتة، وهو العيب الوحيد الذي اشتكى منه الشابان منصور جمعة وحسن سالم. قال الشابان: "الخدمة تأثرت إلى حد كبير بعد قيامنا بإعادة بيعها للمستخدمين عبر شبكاتنا اللاسلكية. نحن متخوفون من استمرار الخدمة لدينا لهذا السبب".

وحول ذلك، قال المهندس التقني طاهر بن قفلة لمركز "سوث24": "بناءً على هذه التجارب في واقعنا وما أطلعني عليه بعض الأشخاص في منطقتي بحضرموت، لن يقف أمام هذه التقنية الحديثة سوى العائق المادي، بالنسبة للأفراد. مع ذلك، لن يقف أي عائق أمام الشركات والمقتدرين".


هوائي ستارلينك، (ناشطون ومهندسون يمنيون على مواقع التواصل) 
 

وأضاف بن قفلة: "الشركات تستخدم أصلاً خدمة (ياه كليك) الذي تقدّمه (تيليمن) عبر الأقمار الصناعية وبتكلفة لا تختلف كثيرًا عمَّا تقدّمه (ستار لينك)، لكن الجودة رديئة نسبيًا ولا تليق بعمل الشركات". "بالتالي، هذه التقنية مناسبة جداً لهم، إذا توفّرت".

من أين تأتي الأجهزة؟ 

حتّى الآن، تقتصر عملية البيع لخدمات ستارلينك على نظام الحجز بالنسبة للمناطق التي لم يتم تدشين الخدمة فيها، حسب موقع الشركة. كما أنّ وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في عدن، لم تُحدّد أو تُعلن بعد عن آليات حصول الأفراد على أجهزة "ستار لينك".

لكن أمر الحصول على تلك الأجهزة ليس مستحيلاً أمام الراغبين بذلك. طبقاً للشاب جمعة "لقد أتاني الجهاز عبر شخص رفيع المستوى بمطار الريان الدولي". 

وزعم جمعة أنّ "الأجهزة تأتي من دولة الإمارات عبر مهرّبين يعتبرونها بمثابة "محطة شحن". مضيفاً: "ثم تأتي من الإمارات إلى سقطرى، ومن سقطرى إلى مطار الريان بحضرموت. أكثر ما يثير قلق المهربين هو إخراج تلك الأجهزة من دولة الإمارات فقط، أما إدخال الأجهزة إلى اليمن فهو أمر غاية في البساطة".

وقال المصدر المسؤول في وزارة الاتصالات بعدن لمركز "سوث24" إن العديد من المرافق والدوائر الحكومية الحساسة تستخدم هذه التقنية اليوم، لكنها غير مرخصة بشكل رسمي للمواطنين. مضيفًا: "سوف نصادر أي أجهزة مرتبطة بهذه الخدمة إذا تمكنَّا من ضبطها". 

مصير "يمن نت" 

لسنوات طويلة، ظل المزود الحصري لخدمة الإنترنت في اليمن (تيليمن)، الخاضع لسيطرة الحوثيين في الوقت الراهن، محل جدل كبير بين المستخدمين، لاسيما مع الفوائد الاقتصادية والأمنية العالية التي يحصل عليها الحوثيون من عائدات هذه الخدمة وقطاع الاتصالات بشكل عام.

ورغم محاولات الشركة، لا سيّما في العام الجاري تحسين الخدمة، وإدخال تقنية الجيل الرابع "4G" على أوسع نطاق في البلاد، ما تزال الخدمة غير مرضية. ويتهم مستخدمو "يمن نت" شركة الاتصالات اليمنية باحتكار الخدمة واستغلالهم، لضمان استمرار تدفق العائدات للمليشيات.

 وفي مارس 2022، حذرت وزارة الاتصالات التابعة للحوثيين من بيع واستيراد واستخدام أجهزة "ستار لينك" أو أي شركة أخرى تقدم ذات الخدمة. 


صفحة حجز أجهزة ستارلينك، 15 أكتوبر 2023 (الموقع الرسمي) 

وقالت – في بيان لها – إنّ "ذلك سيعرض مستخدميها للملاحقة الأمنية مع مصادرة الأجهزة"، لكون تلك الشركات غير مرخص لها من قبلها. وفي مدينة عدن، العاصمة الرسمية للبلاد، فشلت شركة "عدن نت" الحكومية التي نشطت منذ سنوات في تقديم خدمة الإنترنت لقطاع واسع من السكان.

ومؤخرًا، تم الإعلان عن مشروع اتصالات إماراتي يمني مشترك لم يبدأ العمل فيه حتَّى الآن رسميًا. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


اليمن الإنترنت ستارلينك سبايس إكس