الإعلام الحربي لجماعة الحوثيين
19-02-2024 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
في 16 فبراير الجاري، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنّ تصنيف جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، كـ "منظمة إرهابية خاصة" دخل حيز التنفيذ. جاء ذلك بعد انقضاء مهلة الشهر التي منحتها إدارة بايدن في 17 يناير الجاري لإنفاذ تدابير تحمي اليمنيين من آثار التصنيف، كما جاء في بيان البيت الأبيض آنذاك.
ومع دخول هذا القرار حيز التنفيذ، تجددت الأسئلة بشأن مدى تأثير هذه الخطوة على الحوثيين الذين لم تردعهم عشرات الغارات الأمريكية البريطانية منذ أكثر من شهر من مواصلة استهداف الشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن. كما تصاعدت المخاوف بشأن النتائج العكسية التي قد يجلبها هذا التطور على الشعب اليمني، رغم التطمينات الأمريكية في هذا الاتجاه.
ردة فعل الحوثيين
وزع الحوثيون ردودهم الرسمية ضمن بيانات لرئيس الفريق التفاوضي محمد عبد السلام، وخارجية الجماعة، وشخصيات وجهات أخرى تابعة لهم. وقال محمد عبد السلام في على منصة إكس: "قرار التصنيف يعكس جانبا من نفاق أمريكا المكشوف والمفضوح، تريد به الإضرار باليمن دعما لإسرائيل وتشجيعا لها لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني".
وقالت خارجية الحوثيين في بيان نشرته صحيفة 26 سبتمبر: "نعرب عن إدانتنا لممارسة الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير. نؤكد استمرار استهداف السفن الإسرائيلية وكذلك السفن البريطانية والأمريكية حتى رفع الحصار عن غزة".
ولم تتوقف ردة فعل الحوثيين عند هذه البيانات، فقد صعدت المليشيا هجماتها العسكرية البحرية، واستهدفت أمس الأحد السفينةٍ النفطيةٍ البريطانية "Pollux" في البحرِ الأحمر، كما نفذت اليوم هجومين في خليج عدن استهدف أولهما سفينة RUBYMAR المسجلة في بريطانيا وألحق ضررا فادحا بها وسط أنباء عن غرقها.
واستهدف الهجوم الثاني سفينة البضائع Sea Champion التي كانت تحمل الذرة من الأرجنتين نحو ميناء عدن، بحسب بيانات شركة أمبري البريطانية للأمن البحري وموقع مارين ترافيك المتخصص.
وأمس الأحد، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها سددت خمس ضربات للدفاع عن النفس ضد ثلاثة صواريخ كروز متنقلة مضادة للسفن، ومركبة بحرية مسيرة تحت الماء (UUV) وسفينة سطحية مسيرة (USV) في مناطق سيطرة الحوثيين. وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن هذا أول استخدام حوثي ملحوظ لمركبة مسيرة تحت الماء منذ بدء الهجمات في 23 أكتوبر.
تأثيرات محتملة
- على الحوثيين:
في تحليل سابق، قللت المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات فريدة أحمد من التأثيرات المتوقعة لقرار تصنيف الحوثيين على اللائحة الأمريكية للإرهاب. وقالت: "من المهم القول، إنّ الحوثيين كوّنوا ثروات هائلة خلال فترة الصراع في اليمن، بحيث لا يمكن أن تؤثر عليهم إجراءات الحظر بالصورة الدولية المتوقعة".
مُتعلق: تصنيف الحوثيين «جماعة إرهابية بشكل خاص» إلى أين سيقود؟
واستدلت الخبيرة بتقرير فريق خبراء لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، الذي وثق نهب الحوثيين 1.8 مليار دولار في عام واحد، بما يؤكد أن متوسط ما ينهبونه يتجاوز 14 مليار دولار، وهذه الأموال يتم غسلها على شكل استثمارات جديدة، وشراء عقارات وأراضٍ، وجزء منها يذهب للكسب السياسي والمجهود الحربي".
وأوضحت الخبيرة أن ذلك "فضلاً عن الأموال الخارجية التي من المحتمل أنّهم يتلقونها من "الحرس الثوري الإيراني"، التي تبلغ ميزانيته الرسمية، 8.2 مليار دولار، وفقاً لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD، إذ إنّ طهران تستثمر حوالي 16 مليار دولار سنوياً في "الأنظمة الظلامية والمنظمات الإرهابية" التابعة لها.
وقلل محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية، من الأثر المباشر للعقوبات على الحوثيين أيضا.
وقال لقناة الحرة إن "القطاعات التي ستتضرر في حقيقة الأمر هي المؤسسات التي تتعامل بالدولار مثل البنوك وهيئة الطيران وموانئ الحديدة وكذلك شركات الاتصالات والنفط والغاز". مضيفا: "قراءة حزمة العقوبات الأميركية السابقة، أظهرت أن الحوثيين لا يتعاملون مع المنظومة البنكية أو المالية العالمية، وإنما عبر صرافين ووسطاء ولهذا هم لا يبالون بهذه العقوبات".
- على المسار السياسي:
توقع خبراء ومراقبون تحدثوا لمركز سوث24 في وقت سابق أن المسار السياسي للأزمة اليمني، الذي تمحور مؤخرا في المحادثات المباشرة بين السعودية والحوثيين بتيسير من سلطنة عمان، سوف يتأثر بشكل محدود من إعادة تصنيف الحوثيين على لائحة الإرهاب، نظرا لأن التصنيف من الدرجة الثانية ويستهدف الإضرار بالحوثيين اقتصاديا مع الاحتفاظ بمساحة من السياسة والدبلوماسية.
مُتعلق: دلالات وتداعيات إعادة تصنيف الحوثيين على اللائحة الأمريكية للإرهاب
ومع ذلك، فإن هذا المسار الذي كان يواجه بالفعل تحديات حتى قبل التطورات الراهنة، يعد مجمدا اليوم في ظل تصاعد هجمات الحوثيين البحرية واستمرار ردود الفعل من الجانب الأمريكي والبريطاني. وبين هذا كله، تبدو السعودية الحريصة على صفقة خروج آمن من أزمة اليمن في موقف صعب حيث تتشابك وتتداخل حسابات الملف اليمني مع الحسابات ضمن النطاق الإقليمي الأوسع وما يحدث في قطاع غزة الفلسطيني.
- على اليمنيين:
يسيطر الحوثيون على مساحات شاسعة في شمال اليمن تقطنها كتلة سكانية هي الأضخم في البلاد، وهو ما يعزز المخاوف الإنسانية من التأثيرات الاقتصادية المحتملة لإعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية نظرا لكونهم سلطة الأمر الواقع هناك، كما تمتد المخاوف إلى مناطق جنوب اليمن حيث تتواجد الحكومة المعترف بها دوليا نظرا للتعقيدات المتوقعة في وصول إمدادات الغذاء والدواء والوقود إلى البلاد، وكذلك حوالات المغتربين اليمنيين، ونشاط منظمات الأمم المتحدة الإغاثي والإنساني.
ومع ذلك ومن الناحية العملية، لا يتمتع السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بامتيازات حضور الدولة كثيرا فهم لسنوات دون مرتبات رغم الموارد الهائلة التي تحصل عليها الجماعة من الضرائب وقطاع الاتصالات وميناء الحديدة.
كما أن مناطق سيطرة الحوثيين تحصل على نسب كبيرة من المساعدات الإنسانية الأممية رغم ما تواجهه الجهات العاملة من تحديات في التعامل مع الحوثيين، وهو ما تجلى مؤخرا في إيقاف برنامج الغذاء مساعداته الغذائية العامة في شمال اليمن في ديسمبر الماضي.
آنذاك، قال البرنامج إن هذه الخطوة "جاءت بسبب محدودية التمويل وعدم التوصل الى اتفاق مع السلطات في صنعاء من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد ضعفا واحتياجا".
علاوة على ذلك، تفرض هجمات الحوثيين البحرية تحديات خطيرة أمام الموانئ اليمنية وسلاسل توريد الغذاء من الأساس. فعلى سبيل المثال، كشف تاجر يمني لمركز سوث24 في 10 يناير الماضي إن أسعار شحن الحاويات 40 قدمًا من الصين إلى ميناء عدن ارتفعت من 3000 دولار في 22 نوفمبر المنصرم إلى 6200 دولار في 19 ديسمبر ، وإلى أكثر من 11000 دولار في 25 ديسمبر، وتراوحت بين 9600 - 9950 في 4 يناير.
مُتعلق: هجمات الحوثيين البحرية تهدد اليمنيين بمزيد من الجوع
وتجدر الإشارة إلى أن الحوثيين منذ قرابة عام ونصف يفرضون حصارا خانقا على موانئ جنوب اليمن لمنع تصدير النفط والغاز، وهو ما تسبب بأزمة اقتصادية أثرت على قطاع واسع من السكان وهددت بتوقف المرتبات التي تدفعها الحكومة المعترف بها للمواطنين. ومع كل هذه الحسابات الاقتصادية، يبدو الحديث المبالغ عن تأثيرات القرار الأمريكي كمحاولة لحماية الحوثيين، تمامًا كما كان الأمر عليه في فبراير 2021 عندما رفعت إدارة بايدن الجماعة من لائحة الإرهاب لما اعتبر وقتها دواع إنسانية.
وفي 14 فبراير الجاري، قالت مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أديم وسورنو إن "الأمم المتحدة تخشى أن يؤدي التصنيف الأمريكي إلى الإضرار باقتصاد البلد الذي مزقته الحرب وخاصة الواردات التجارية من المواد الأساسية".
وقالت وسورنو في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي إنه "في الوقت الذي يشعر فيه المجتمع الإنساني بالقلق من أي آثار سلبية محتملة، أصدرت واشنطن استثناءات تستهدف تقليص التأثير على المدنيين في اليمن". مضيفة: "مع ذلك، نخشى أن يتضرر الاقتصاد، بما في ذلك الواردات التجارية من المواد الأساسية التي يعتمد عليها شعب اليمن أكثر من أي وقت مضى".
وأردفت المسؤولة الأممية: "المساعدات الإنسانية لا يمكنها سد الفجوات في إمدادات السلع التجارية. مثل هذه الآثار قد تكون محسوسة في أنحاء البلاد. ولا يستطيع اقتصاد اليمن الهش بالفعل تحمل أي صدمات كبيرة أخرى".
ولفتت إلى أنّ كلفة النقل إلى موانئ الحديدة وعدن في اليمن ارتفعت بشدة منذ نوفمبر تشرين الثاني بسبب أعمال القتال الدائرة.
وأشارت إلى أنّ برنامج الأغذية العالمي رصد زيادات في الكلفة تصل إلى 110%، في شحنات الحاويات إلى اليمن، بينما وشهدت منظمات إنسانية أخرى زيادات في أسعار الشحن تصل إلى 318%.
في المقابل، في 27 يناير الماضي، أعلنت الخزانة الأمريكية عن إصدار خمسة تراخيص عامة إضافية مستثناه لتقليل الاضطرابات في تدفق المساعدات الإنسانية والسلع التجارية الأساسية والتحويلات الشخصية إلى اليمن مع دخول تصنيف الحوثيين حيز التنفيذ. وهذه التراخيص هي:
- الترخيص العام 22 - المعاملات المتعلقة بتوفير السلع الزراعية أو الأدوية أو الأجهزة الطبية أو قطع الغيار والمكونات أو تحديثات البرامج التي تشمل الحوثيين.
- الترخيص العام 23 - التصريح بالمعاملات المتعلقة بالاتصالات والبريد وبعض الاتصالات القائمة على الإنترنت التي تشمل الحوثيين.
- الترخيص العام 24 - التصريح بالتحويلات الشخصية غير التجارية التي تشمل الحوثيين.
- الترخيص العام 25 - التصريح بالمعاملات المتعلقة بالمنتجات البترولية المكررة في اليمن التي تشمل الحوثيين.
- الترخيص العام 26 - التصريح ببعض المعاملات اللازمة لعمليات الموانئ والمطارات التي تشمل الحوثيين.
وفي 17 فبراير، نقلت قناة الحدث السعودية عن رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي قوله إن "اليمنيين لن يتضرروا من إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية".
وتجدر الإشارة إلى أنه في 5 فبراير، تم تعيين وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك رئيسا للحكومة اليمنية. ويحتفظ بن مبارك الذي كان بين 2015 – 2020 سفيرا لليمن لدى الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع واشنطن كما وصفها السفير ستيفن فاجن، وهو ما يمكن أن يسهم ربما في توجيه تأثير قرار تصنيف الحوثيين نحو الجماعة وتخفيف التداعيات على اليمنيين.