مخاطر احتكار الحوثيين للاتصالات والإنترنت على حرية تداول المعلومات

تصميم: مركز سوث24

مخاطر احتكار الحوثيين للاتصالات والإنترنت على حرية تداول المعلومات

التقارير الخاصة

الإثنين, 25-03-2024 الساعة 01:05 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي  

في  10 مارس الجاري، تعرض موقع الويب الخاص بمركز سوث24 للأخبار والدراسات للحجب من قبل مؤسسة الاتصالات الخاضعة لجماعة الحوثيين في صنعاء، التي تقدم خدمات الإنترنت والاتصالات لمعظم المستخدمين في البلاد، بمن فيهم أولئك في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا. 

أعادت الخطوة التذكير بتداعيات هيمنة وسيطرة الحوثيين على خدمات الإنترنت والاتصال في اليمن منذ قرابة عشر سنوات، والخطر الذي يشكله ذلك على حرية وصول المعلومات إلى اليمنيين في ظل فشل خصوم الحوثيين في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة التي تتخذ من عدن مقرًا لها في صناعة البدائل المناسبة.

وصف مركز سوث24 ما حدث آنذاك بأنه "ضربة موجعة للصحافة المستقلة". وقال إنَه "يعوق قُدرة اليمنيين على الحصول على معلومات موثوقة". وتضامنًا مع المركز، أصدرت جهات صحفية من بينها نقابة الصحفيين الجنوبيين بيانات نددت فيها بخطوة الحوثيين، ودعت إلى تحرير قطاع الاتصالات منهم.


ولم يكن موقع مركز سوث24 الذي تعرض وحده للحجب من قبل الحوثيين، فقد حجبت الجماعة مواقع عشرات الصحف والقنوات الفضائية باستمرار على مدى الأعوام الماضية، قبل أن تعيد بصورة مفاجئة فتح كثير منها في مارس الجاري بما في ذلك قنوات وصحف ساعدت في نشر دعايتهم فيما يتعلق بهجماتهم ضد السفن.

فما هي مخاطر استمرار الحوثيين في الاستحواذ على خدمات الإنترنت في اليمن على حرية تدفق المعلومات والأصوات إلى اليمنيين؟ وكيف يساعد ذلك على تعزيز سرديات المليشيا الدينية فيما يخص النزاع الداخلي والقضايا الأوسع في الإقليم والمنطقة بين فئات الشعب. سؤال أجاب عنه ضيوف هذا التقرير.

من يملك المعلومة يمتلك القوة 

يحذر الخبير في قطاع الاتصالات والإنترنت فهمي الباحث من تأثير احتكار الحوثيين لخدمات هذا القطاع في اليمن. وقال لمركز سوث24 إن "الاتصالات والإنترنت على وجه الخصوص من أهم الأسلحة التي يمكن أن تمتلكها أي جهة".

مضيفًا: "من يتحكم بالاتصالات والإنترنت يتحكم بأهم شرايين الوعي والمعلومة والحقيقة. استمرار سيطرة الحوثيين على الإنترنت والاتصالات يشكل تهديدًا أيضًا على الخصوصية وسرية البيانات للجميع".

وأردف: "بالتالي هناك إمكانية لدى الحوثيين للتنصت والمراقبة، بل وحتى قطع الإنترنت في حالات الحرب على مناطق معينة، أو حظر المواقع وبالتالي منع الناس من الوصول للمعلومة أو معرفة وجهة نظر الطرف الآخر". 

وفي هذا الصدد، قالت الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط فاطمة أبو الأسرار لمركز سوث24: "من خلال سيطرتهم على قطاع الاتصالات، يهدف الحوثيون إلى ضمان أن تمر كل الرسائل عبرهم، بحيث يكون لديهم القدرة على فحص وتحديد مصادر هذه الرسائل".

وأضافت: "هذه السيطرة تجعل اليمنيين أكثر حذرًا في تواصلهم وأكثر تحفظًا في التعبير عن آرائهم. يدرك اليمنيون أن كل رسالة يتم تبادلها يمكن أن تخضع للتفتيش، مما يؤثر على حرية التعبير ويحد من قدرتهم على التواصل بحرية".

وأردفت: "في ظل هذه الظروف، يصبح التواصل محفوفًا بالمخاطر، مما يدفع اليمنيين إلى التفكير مليًا في كلماتهم قبل إطلاقها".

يتفق حول ذلك المحلل السياسي أنور التميمي الذي قال لمركز سوث24 إن "سيطرة الحوثيين على الإنترنت مرتبطة بالتجهيل وحجب المعلومات، وضخ معلومات مضللة". مضيفًا: "لذلك فإنَّها تعمد إلى حجب أي وسيلة إعلامية تفضح أكاذيبها".

ولفت التميمي إلى أن سيطرة الحوثيين على الاتصالات "ستجعل المواطن مضطرا للتعامل اليومي مع مؤسسات الانقلابيين. وهذا التعامل اليومي يكسر حاجز الرفض النفسي الشعبي للجماعة، وشيئا فشيئًا يحصل القبول الشعبي للجماعة كسلطة أمر واقع".

وأضاف: "قطاع الإنترنت قطاع سيادي وسيطرة الجماعة الانقلابية على هذا القطاع تمنحها القدرة على مراقبة التفاصيل الدقيقة للنشاط السياسي للقوى الفاعلة، والقدرة على التأثير أو إجهاض أي نشاط سياسي يشكل خطر عليهم".

تقييد وصول المعلومات 

بدأ الحوثيون إجراءات تقييد وصول المعلومات وحجب مواقع الويب منذ الوهلة الأولى لسيطرتهم على صنعاء أواخر العام 2014. 

وفي 21 أكتوبر 2015، نشر (مختبر المواطن)، وهو مختبر تقني بجامعة تورنتو الكندية التي تركز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأمن العالمي، دراسة أشار فيها إلى أن "الحوثيين في اليمن يستخدمون البرامج الكندية لتصفية المحتوى السياسي النقدي والمواقع الإعلامية المستقلة".

وكشفت الدراسة أن الحوثيين وسعوا اعتبارًا من سبتمبر 2014 استخدام تقنية "Netsweeper"  الكندية التي اعتمدت عليها الحكومة اليمنية لسنوات في تصفية المحتوى على الإنترنت، بما في ذلك المحتوى الخاص بالمعارضين والأطراف السياسية الأخرى. 

وأشارت الدراسة إلى "مخاوف أخلاقية وقانونية" حول استخدام تقنية "Netsweeper" للرقابة على الإنترنت. وانتقدت الدراسة دور الحكومة الكندية في تسهيل الرقابة في اليمن، حيث إن شركة "Netsweeper" هي شركة كندية. ودعت الدراسة إلى مراجعة القوانين والسياسات المتعلقة بتصدير تقنيات الرقابة، لضمان عدم استخدامها لانتهاك حقوق الإنسان.

وذكرت الدراسة أن 200 موقع ويب تم حجبها في تلك الفترة، 30 منها إخبارية، و10 منها تابعة لمنظمات إنسانية. وهي أرقام تشير بوضوح إلى قتامة الوضع الراهن بعد مرور تسع سنوات على الدراسة وسيطرة الحوثيين على الاتصالات والإنترنت، لاسيما مع تصفية حليفهم علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017 وانفرادهم بالسلطة. 

ووفقاً لمؤسسة "أكسس ناو" المُدافعة عن الحقوق المدنية الرقمية في جميع أنحاء العالم في تقريرها لعام 2019، حاز اليمن على "أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط".

وفي نوفمبر 2021، نشرت شركة "ريكورد فيوتشر" الدولية المختصة في استخبارات التهديدات الإلكترونية تقريرا قالت فيه إنه بين 2017 – 2020، تمّ توثيق 237 حالة حجب للإنترنت من قبل جماعة الحوثيين. وأشار التقرير إلى أنه "تمّ استخدام تقنيات مثل التصفية على مستوى الشبكة" و "جدار الحماية" لمراقبة حركة الإنترنت".

حلول مقترحة 

في خطوة متأخرة لكسر احتكار الحوثيين للإنترنت والاتصالات، وافق مجلس الوزراء اليمني، في 21 أغسطس المنصرم، على مشروع اتفاقية إنشاء شركة اتصالات مشتركة بين المؤسسة اليمنية العامة للاتصالات وشركة (NX Telecom) الإماراتية لتقديم خدمات اتصالات الهاتف النقال والإنترنت في اليمن.

وحتَّى الآن لم يتم الكشف عن أي جديد فيما يتعلق بهذا المشروع هل بدأ العمل فيه على الأرض أم لا. آنذاك، هاجمت المشروع شخصيات وجهات من بينها البرلمان اليمني منتهي الولاية، الذي تحدث عن مخالفات في المشروع في تقرير للجنة شكلها البرلمان وتناولت ما وصفته بـ "الاختلالات" في عدة قطاعات حكومية.

قبل ذلك، كانت شركة عدن نت الحكومية التي دُشنت في 2018 لتقديم خدمات الإنترنت من الجيل الرابع (4G) قد فشلت في توفير الخدمة للسكان في عدن واقتصر استخدامها على نسبة بسيطة منهم. كما أخفقت في إيصال خدماتها إلى المحافظات الأخرى، مع حضور محدود في المكلا بحضرموت وزنجبار في محافظة أبين. 

وأمام حالة الفشل هذه، يشدد فهمي الباحث على أنَ الحكومة اليمنية يجب أن تهتم بهذا الملف بشكل أكبر وأكثر جدية. ولأجل تحقيق ذلك، قال إنه "يجب السماح بإنشاء شركات اتصالات جديدة، والسماح بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية، مثل: ستارلينك، وتعزيز مسارات إنترنت دولية أخرى غير تلك التي يسيطر عليها الحوثيون".

مضيفا: "بالإضافة الى ذلك يجب الاهتمام بجوانب الأمن السيبراني وإنشاء الفرق المختصة بذلك والعمل على رسم سياسات واستراتيجيات أمنية رقمية للمؤسسات والجهات الحكومية وتشجيع القطاع الخاص على ذلك".

وفي مايو 2023، نشر مركز سوث24 تقريرًا تناول بدء استخدام خدمات ستارلينك للإنترنت الفضائي التي توفرها شركة سبايس إكس المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك من قبل عدد من المستخدمين في اليمن. وتطرق التقرير إلى تهريب أجهزة ستارلينك إلى اليمن. وبالفعل هناك اليوم مئات المستخدمين لخدمات ستارلينك في عدن وحضرموت ومدن أخرى. 

ويعتقد أنور التميمي أن إنهاء سيطرة الحوثيين على الاتصالات والإنترنت "يتطلب إجراءات وقرارات من الحكومة اليمنية، أولها تحرك قانوني على الصعيد المحلي والدولي لنزع سيطرة الحوثيين على قطاع الإنترنت والاتصالات". 

وفي 4 فبراير، طالبت وزارة الاتصالات في الحكومة اليمنية التحالفات الدولية للاتصالات بوقف التعامل مع الحوثيين، ومنع الجماعة من الحصول على موارد مالية هائلة من قطاع الاتصالات. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- شارك في تحرير المادة:


اليمن الاتصالات الحوثيون عدن نت ستارلينك مركز سوث24