28-08-2021 at 11 AM Aden Time
سوث24 | شبوة
مرّ عامان منذ سيطرة القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي على محافظة شبوة، الغنية بالنفط، في جنوب اليمن، بعد معارك مع قوات "النخبة الشبوانية" الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس 2019، على خلفية سيطرة الأخير على عدن، وسعيه لحسم السيطرة على بقية المحافظات الجنوبية، لترسيخ مشروع "الاستقلال" الذي يتبناه الكيان الجنوبي رسمياً. فكيف يبدو المشهد اليوم؟
عودة الإرهاب
قبل سيطرة القوات الحكومية الموالية للإصلاح على شبوة، كانت قوات النخبة الشبوانية تنتشر في المحافظة، وتقوم بدور الأمن فيها؛ وقد سجلّت هذه القوات التي دعمها التحالف العربي انتصارات أمنية عديدة، لا سيّما في مجال مكافحة تنظيمي القاعدة وداعش. بعد إخراج قوات النخبة، آلت السيطرة هناك إلى فصائل عسكرية وأمنية عديدة، أبرزها "القوات الخاصة"، بالإضافة للعديد من الألوية والوحدات العسكرية التي جاءت من محافظة مأرب الشمالية المجاورة، بالإضافة إلى قوات "الأمن العام" المحلية.
على مدى الفترة اللاحقة، شهدت المحافظة زيادة ملحوظة في وتيرة نشاط الجماعات المصنفة بـ "الإرهاب". وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب لعام 2019 قد أشار إلى أنَّ "مكاسب مكافحة الإرهاب في اليمن تراجعت بعد حلّ قوات النخبة الشبوانية".(1)
مؤشرات عودة "الإرهاب" دلّت عليها بوضوح الغارات الجوية للطائرات بدون طيار - يرجح أنَّها أمريكية -، التي استهدفت قيادات وعناصر من تنظيم القاعدة في شبوة، حيث شنّت، بعد أقل من أربعة أشهر من سقوط المحافظة بقبضة القوات الموالية للحكومة، عدداً من الغارات في منطقة الصعيد بشبوة، قُتل فيها أربعة من عناصر التنظيم.(2) وفي الخامس عشر من إبريل 2020، استهدفت طائرات درون بـ 3 غارات عناصر من تنظيم القاعدة في بيحان، شمال شبوة، أعقبه هجوماً ممُاثلاً بعد أقل من يوم استهدف قيادات للقاعدة في بلدة عماقين بمديرية الروضة.(3) وفي 30 مايو من ذات العام، قصفت طائرة بدون طيارة سيارة تحمل عناصر من تنظيم (القاعدة) قرب قرية الشبيكة، شرق مدينة عتق، أسفرت عن مقتل جميع من كانوا بداخل السيارة المستهدفة وعددهم 4 أشخاص، ويعتقد أن بينهم قيادي في تنظيم القاعدة.(4)
استمرت الطلعات والضربات الجوية على مدى الأشهر اللاحقة في محافظة شبوة، بالإضافة إلى ضربات مماثلة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية بمحافظتي البيضاء ومأرب، كان أبرزها قصف في منطقة “آل شبوان" بوادي عبيدة بمحافظة مأرب، استهدف وفقاً لوسائل إعلام محلية اجتماعاً ضم قيادات في تنظيم القاعدة، في مايو 2021.
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي القوات الحكومية في شبوة بالتعاون والتنسيق مع الجماعات الدينية المتشددة مثل الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش ضدّ قواته الأمنية والعسكرية، بعد تعثر اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في نوفمبر عام 2019، واندلاع المعارك مجدداً في منتصف العام 2020، حيث لعبت شبوة فيها دور قاعدة الإمداد والانطلاق للقوات الحكومية القادمة من محافظات شمالية، وفقاً لخبراء عسكريين. لم تنفِ السلطات المحلية رسميا هذه الاتهامات، ولم تقم منذ سيطرتها على المحافظة، بأي نشاط أمني أو عسكري ضد عناصر الجماعات المتطرفة.
كما يشير خبراء إلى انعكاس عودة نشاط تنظيم القاعدة في شبوة على الوضع في محافظة أبين المنقسمة بين القوات الجنوبية الموالية الانتقالي، والقوات الحكومية الموالية للإصلاح، حيث تعرّضت قوات المجلس في الأشهر الأخيرة لعدد من الهجمات، وصفتها بـ "الإرهابية" أبرزها تفجير دراجة ملغومة، في 11 يونيو 2021، استهدفت شاحنة نقل عسكرية تتبع قوات الحزام الأمني بمدينة زنجبار، تسببت بمقتل وجرح 31 جندي ومدني.(5) وكان تنظيم القاعدة قد تبنى هجومين دمويين على نقاط أمنية لقوات الحزام الأمني، في منطقتي أحور والوضيع بأبين، وقعت في منتصف مارس ومطلع أبريل من هذا العام.
وفي مطلع يوليو 2021، اختطفت "القاعدة" 5 من ضباط البحث الجنائي بمحافظة شبوة، واقتادتهم إلى محافظة البيضاء المجاورة، لُتفرج عنهم لاحقاً في صفقة مع القوات الحكومية تلتزم فيها بالإفراج عن عدد من عناصر التنظيم من سجون مأرب، وفقا لمصادر قبلية تحدثت سابقا لـ "سوث24".(6)
الأمن الاجتماعي
فضلا عن الصراعات البينية التي تطوّرت بين الفصائل الأمنية الحكومية في شبوة، على وجه الخصوص، الاقتتال الذي اندلع في يوليو تموز من هذا العام، بين القوات الخاصة وقوات الأمن العام، تضاعفت حوادت الثارات والنزاعات القبلية في شبوة، منذ أغسطس 2019. وحدثت عشرات المواجهات المسلّحة، خلال الفترة الماضية، أغلبها من دون تدخل القوات الحكومية التي تسيطر على المحافظة.
في مارس 2020، حدثت اشتباكات بين قبيلتي آل شرمان و آل مرصاص، في وادي ضرا بمديرية نصاب، تسبّبت بإصابة عدد من المسلحين من القبيلتين. وفي أكتوبر 2020، وقعت اشتباكات قبلية في منطقة حبان، خلّفت قتيلاً وعدد من الجرحى، بسبب نزاع على قطعة أرض.
كما تكررت الاشتباكات القبلية على مدى الأشهر اللاحقة، كان أبرزها اشتباكات شهر مايو من العام الجاري، بين قبيلتي آل الجازع وآل مرفد المرازيق بمنطقة الحنك، وقبيلتي النسي والمقارحة في مرخة، والاشتباكات بين قبيلة "آل باكلوة" بوادي ضرا، بمديرية نصاب، والتي أسفرت عن مقتل 4 أشخاص. وفي منتصف الشهر الجاري، اندلعت اشتباكات بين قبيلتي آل العصار وآل طالب، في حي الفاروق وسط مدينة عتق، المركز الإداري لمحافظة شبوة. كما اندلعت في 21 أغسطس من هذا الشهر مواجهات مسلّحة بين قبيلتي آل يسلم وآل سالم العوالق في منطقة يشبم، التابعة لمديرية الصعيد، على خلفية مقتل شاب بمواجهات قبلية.
الشاب كهلان العولقي، الذي قُتل في مواجهات قبلية، يوم 20 أغسطس 2021 في الصعيد (مصادر محلية)
واُستخدمت جميع أنواع الأسلحة في هذه النزاعات والاشتباكات القبلية، والتي حدثت بعضها بالقرب من المعسكرات الحكومية ومراكز الأمن والشرطة، دون تدخل لفضها، فيما نجحت وساطات قبلية في تحقيق ذلك. ورغم ذلك قالت السلطات المحلية بشبوة أنها دفعت بتعزيزات عسكرية إلى الصعيد لوقف الاشتباكات الأخيرة، وتسلّم المتهمين بقتل الشاب "كهلان أبوبكر العولقي".
لم يستبعد بعض النشطاء المحليين أن تكون هذه الصراعات الداخلية، مفتعلة، بهدف إبقاء القبائل المحلية منشغلة، في ضل حالة الانقسام السياسي، وتشتيت جهود المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعتمد في نفوذه على الحاضنة الشعبية.
كما مثلّت حوادث الاغتيالات والاختطافات والاعتقالات أيضاً أحد أوجه الوضع الأمني المتردي بالمحافظة، حيث شهدت خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت جنود كانون ينتمون للنخبة الشبوانية (7)، ونشطاء ومتظاهرين غُزل من السلاح.(8) واعتلقت القوات الحكومية في شبوة أيضاً نشطاء وأعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي، أبرزهم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت ونائبه، واللذان تم اعتقالهما بإحدى النقاط الأمنية في منتصف يونيو الماضي، وهو ما أعقبه تأزم حاد بين الانتقالي والحكومة اليمنية.
وتسبب التصعيد الحكومي بموجة شعبية سلمية غاضبة رافضة لها (9)، في مختلف مديريات شبوة، واجهتها القوات الحكومية بالقمع والاعتقالات مرة أخرى، وسط اتهامات بمحاولة تمزيق النسيج الاجتماعي الداخلي بالمحافظة، وضرب العلاقة الاجتماعية بين شبوة وحضرموت. أعلن المجلس الانتقالي على خلفية ذلك تعليق مشاركة وفده في محادثات اتفاق الرياض، وغادر عقبها العاصمة السعودية إلى عدن.
السلطة المحلية
تقود محافظة شبوة سلطة محلية برئاسة محمد صالح بن عديو المُعين في نوفمبر 2018، مقرّب من الحزب الإسلامي في اليمن. تتُهم السلطة بممارسة "التجريف الوظيفي" لمن لا ينتمون أو يوالون حزب (الإصلاح)، واستبدالهم بآخرين.(10) كما تتُهم بإبرام مشاريع عقود "وهمية" (11) بمخصصات مالية ضخمة من ميزانية المحافظة، وإيجاد موطأ قدم لدول مثل تركيا عبر مشاريع المنتجعات السياحية والطرقات التي تُعطى عقودها لشركات تركية "في صفقات غامضة".
ومع هذا يمكن ملاحظة العديد من الإنجازات الحقيقية لهذه السلطة، مثل تعبيد الطرقات، وربط بعض القرى بشبكات طرق لأول مرة. وافتتحت السلطة المحلية "جسر السلام" بمديرية حبان، الذي تم إعادة بنائه "بتمويل محلي من حصة المحافظة من مبيعات النفط الخام، بعد تدميره في حرب 2015 ". كما قامت سلطة بن عديو بإعادة تأثيث وتأهيل مطار عتق الدولي. وأعادت السلطة المحلية العمل في مركزي الإصدار الآلي والهجرة والجوازات بالمحافظة بعد توقفهما.
ونجحت السلطة المحلية في إدخال ما يصل إلى 19 ميغاوات لتعزيز القدرة الكهربائية بالمحافظة، ومع هذا لا تزال الخدمة تشهد تردياً مستمراً. يتحدث المواطنون عن انقطاعات قد تستمر أكثر من نصف يوم أحياناً مقابل أقل من ساعتين تشغيل. ومن المشاريع الهامة التي أعلنت عنها سلطة شبوة المحلية مشروع "ميناء قنا النفطي والتجاري، والذي اُفتتحت مرحلته الأولى في يناير 2021، وأثار جدلاً واسعاً، واتهم البعض السلطة المحلية بـ "نهب موارد المحافظة عبر هذا المشروع الوهمي"، فيما أكدت السلطة على أهمية المشروع، والفوائد التي سيعود بها على المحافظة بشكل خاص والبلاد بشكل عام.(12)
وكانت شركة (Q.Z.Y) التابعة لرجل الأعمال اليمني، والمقرب من الرئاسة، أحمد العيسي، والتي وقع معها المحافظ بن عديو اتفاقية إنشاء ميناء قنا، قد أصدرت بياناً بعد أقل من ثلاثة أشهر على افتتاح المرحلة الأولى استغربت فيه قرار الأخير بإلغاء اتفاقية ميناء قنا، وأعلنت تمسكها ب "الحق القانوني".(13)
محافظ شبوة، محمد بن عديو، خلال افتتاح ميناء قنا، يناير 2021 (رسمي)
كما استطاعت السلطة المحلية إخراج مشروع إنشاء جامعة شبوة إلى النور بعد تعثر لسنوات طويلة، ومن المقرر أن تتسلم إدارة الجامعة كليات جامعة عدن في المحافظة لضمها إلى كلياتها (14). كما شكلت السلطة المحلية "لجنة علمية" لدراسة تأسيس كلية الطب بجامعة شبوة.(15)
النفط
في منتصف يوليو من العام الجاري، غادرت الناقلة "كاليديا" ميناء النشيمة النفطي بمديرية رضوم بمحافظة شبوة، محملة بكمية ضخمة من النفط وصلت بحسب وسائل إعلام محلية إلى مليون برميل، لبيعها في الأسواق الصينية. وفي منتصف أغسطس من العام الحالي، وصلت الناقلة النفطية العملاقة SARASOTAA إلى ميناء "بيرعلي" بمديرية رضوم محافظة شبوة، قادمة من دولة كوريا الجنوبية، لتنقل 100 ألف برميل من النفط الخام، وفقاً لوسائل إعلام محلية.
ويتهم الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي على حد سواء السلطة المحلية في شبوة بنهب موارد المحافظة النفطية، وبيعها بصفقات بمليارات الدولارات لصالح حزب سياسي بعينه، ونائب الرئيس اليمني، صاحب النفوذ الكبير على القوات المُسيطرة على شبوة ووادي حضرموت، علي محسن الأحمر.
وعلى الرغم من أنَّ السلطة المحلية في شبوة تقول أنَّها خصصت 20% فقط من إيرادات المحافظة لخزينتها، إلا أنَّه وفقاً لمصادر حكومية مالية لا تورد منها شيئا إلى البنك المركزي في عدن، على غرار جارتها في مأرب، وهو ما يعدّه اقتصاديون أحد أهم أسباب الانهيار الشامل الذي يشهده الاقتصاد اليمني، وعملة الريال.(16)
واتهم محافظ شبوة، دولة الإمارات بتعطيل منشأة "بلحاف" الغازية الاستراتيجية بالمحافظة، مرات عديدة في وقت سابق (17)، ليجدد اتهاماته هذه في خطابه قبل أيام في ذكرى أحداث أغسطس 2019 في شبوة، مؤكداً أنَّ المنشأة "يجب أن تكون شريان حياة للشعب بهذا الوقت العصيب".(18)
على البر تستمر عشرات من قواطر نقل المشتقات النفطية العبور نحو المناطق الشمالية من شبوة، بما فيها مناطق سيطرة الحوثيين.
الصراع على شبوة
وفقاً لخبراء، تعيش شبوة في خضم صراعات متعددة المستويات للسيطرة عليها، لما تمثله هذه المحافظة من أهمية جيواستراتيجية، ولثرواتها الهائلة.(19) وطبقاً لهؤلاء، هذا الصراع ليس وليد أحداث أغسطس 2019، ولكن تلك الأحداث شكّلت مرحلة مختلفة وواقعاً مغايراً، بعد "الإخفاق العسكري" لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في فرض سيطرتها على المحافظة.
مع ذلك، يقول مراقبون أن لعبة الصراع لأجل شبوة تتجاوز المجلس الانتقالي وحزب الإصلاح الإسلامي إلى أطراف إقليمية ودولية أكبر، خصوصاً مع الدور الواضح والصريح للسعودية في إسقاط المحافظة بيد الحكومة اليمنية، وتعزيز قوتها العسكرية هناك بآليات حديثة، واستمرار تواجد القوات السعودية في عتق. تؤكد هذه المؤشرات الانتقادات الساخطة التي شنها إعلاميون سعوديون على مقربة من النظام الملكي، ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب تمسك الأخيرة بموقفها المؤيد للمجلس الانتقالي الجنوبي.