التحليلات

الدور الغائب للقبيلة في حرب «الإرهاب» في اليمن: الأسباب والحلول

الصورة: Getty

04-02-2023 at 4 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي


شكَّلت مناطق القبائل في عدد من المحافظات اليمنية معاقل لتنظيم القاعدة خلال العقود الماضية، لوجودها خارج نفوذ السلطة المركزية. إلى جانب أن هذا الأمر مثل مشكلة بالنسبة إلى جهود مكافحة الإرهاب، ساهم أيضا في منح التنظيم فرصة للاستقطاب داخل القبيلة، وقد نجح في ضم عدد كبير من أبنائها إلى صفوفه. من خلال تتبع هويات عناصره، يمكن القول إن معظمهم ينتمي إلى المناطق ذات الطابع القبلي. في بعض الفترات، كان نفوذ التنظيم داخل القبيلة أكبر من القبيلة ذاتها، كما حدث في مناطق رداع بمحافظة البيضاء التي دخلت إليها القاعدة من خلال أسرة آل الذهب التي كان لها نفوذ قبلي كبير داخل مناطقها. أقل من مناطق قيفة في رداع، يأتي وادي عبيدة بمحافظة مأرب، والذي استفاد التنظيم من طبيعته القبلية لتعزيز وجوده. كانت قبائل عبيدة تشارك في صد أية حملة عسكرية على الوادي، لرفضها دخول قوات رسمية إليه وليس دفاعا عن تنظيم القاعدة بالضرورة. كما حدث في العام 2009، حين منعت القبائل حملة أمنية لملاحقة عناصر "إرهابية". [1]


لهذا السبب، يعتبر تنظيم القاعدة أي حملة على هذه النوعية من المناطق محاولة لكسر شوكة القبيلة. استخدم التنظيم هذا التعبير في أكثر من مناسبة، من بينها في إصداره الذي خصصه لحملة مأرب عام 2009. [2]  يمكن القول إن وضع القبيلة في شمال اليمن وجنوب اليمن، كان أهم عوامل بقاء واستمرار القاعدة في هذا البلد. ومن المهم الإشارة إلى أن الحديث هنا عن وضع القبيلة كمكون مجتمعي لا سلطة للحكومة المركزية على مناطقه، وليس عن القبيلة ذاتها، ما يعني أن تغيير هذا الوضع كان مسئولية السلطات المتعاقبة، وكان يُفترض أن يسبق عملية مكافحة "الإرهاب"، لكنَّ ذلك لم يحدث، لأن "الإرهاب" تحول في كثير من المراحل إلى ورقة للحصول على دعم مالي وسياسي غربي، وقد تجلى ذلك في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.


حاضنة شعبية؟


مع أن كثيرا من الدراسات والتقارير تتحدث عن مناطق القبائل في اليمن كحاضنة شعبية لتنظيم القاعدة، إلا أنها ليست كذلك في واقع الأمر، وكما أسلفنا، يمكن القول، وعلى وجه الدقة، إن وضع القبيلة هو الحاضن، بدليل أن المناطق التي تغير وضعها في هذا الجانب، تغير فيها وضع التنظيم بشكل تلقائي. يمكن الاستشهاد على ذلك ببعض المناطق في محافظة شبوة، كمديرية الصعيد مثلا، والتي كانت من أهم المعاقل له طوال العقدين الماضيين، إلا أن تشكيل قوة رسمية من أبنائها (النخبة الشبوانية) في العام 2016، دفع التنظيم إلى مغادرتها. لم تلعب القبائل أي دور في حمايته أو في منع قوات النخبة من دخول مناطقها والانتشار فيها، ولولا أن القاعدة عادت بعد معارك 2019، التي قادها حزب الإصلاح في محافظات أبين وشبوة وعدن، لاستمر الوضع على ما كان عليه منذ العام 2016.


من أجل منع الاستفادة من الوضع الجديد، حاول تنظيم القاعدة ترغيب القبائل حينا وترهيبهم حينا آخر، لكنه أدرك تماما أن ما كان يعتبرها حاضنة له ليست كذلك. مؤخرا، وجه التنظيم أكثر من رسالة للقبائل اليمنية، [3] بعضها حمل تهديدا بالاستهداف لكل من يتعاون ضده من أبنائها. إلى جانب إدراكه بأنه لا يملك حاضنة شعبية في مناطق القبائل، أدرك أن دور القبائل في الحرب عليه يمكن أن يكون حاسما، لهذا لجأ إلى لغة التهديد، وهي لغة نادرة الاستخدام بالنسبة إليه عندما يتعلق الأمر بالقبيلة. لهذا يحاول تبرير تهديده بتقديم الطرف الآخر ضمن أجندة مشاريع خارجية هدفها النيل من الإسلام وممن يدافعون عنه. تجلى هذا التوجه بوضوح في كلمة القيادي أبو علي الحضرمي [4] التي سجلها ونشرها عقب طرد القوات المحسوبة على حزب الإصلاح من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة قبل أشهر. يمكن ملاحظة ذات التوجه أيضا في كلمة زعيمه خالد باطرفي الأخيرة. الجديد في كلمة زعيم التنظيم أنها أفصحت عن استيائه من موقف شخصيات ومشايخ قبليين، ما يؤكد أن القبيلة لم ولن تكون حاضنا له إن غادرت وضعها الحالي.


وضع مثالي


لا شك أن فقدان تنظيم القاعدة للوضع المثالي الذي رافقه طوال عقدين من الزمن، والمتمثل في وجود كثير من المناطق خارج نفوذ الحكومة المركزية، من أهم أسباب تراجعه خلال السنوات الماضية. وجد التنظيم نفسه من دون معاقل ومن دون حاضنة، غير أنَّ ما يمكن أن يؤثر عليه أكثر هو الدور الذي ستلعبه القبيلة في الحرب عليه. القبيلة التي ساهم وضعها في نمو قوة ونفوذ التنظيم يمكن أن تلعب دورا بارزا في تشييع وجوده، خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها، وهو ما سنتطرق إليه في المحاور القادمة.


دور القبيلة


من الصعب أن تقود عملية لمكافحة الإرهاب دون أن تكون القبيلة محور ارتكاز لها، من خلال الدور الذي يمكن أن تلعبه بالتنسيق مع الحكومة المركزية بشقيها العسكري والأمني. ولا شك أن هناك تجارب يمكن البناء عليها، رغم عدم إدراك أهميتها، كتجارب أبين وشبوة وساحل حضرموت بين العامين 2016 - 2017، من خلال العمليات التي نفذتها تشكيلات أمنية وعسكرية من أبناء تلك المحافظات نفسها. من شأن تطوير تلك التجارب الإسهام في قطع شوط كبير في مجال الحرب على "الإرهاب"، خصوصا في محافظات الجنوب. على سبيل المثال، يمكن اعتبار تجربة عتق الأخيرة امتدادا لتجربة النُخب الشبوانية والحضرمية خلال العامين المذكورين، ضمن سياق واحد هدفه القضاء على التنظيم. من المهم الإشارة هنا إلى أنه وفي حين كشفت التجربة السابقة أن القبيلة ليست حاضنا للتنظيم، بل ويمكن أن تلعب دورا مهما في الحرب عليه، كشفت التجربة التالية أن الحاضن الحقيقي له مكونات أخرى تلتقي معه عند نقاط عقائدية وفكرية مشتركة وأعداء مشتركين. 


من هنا، وهذه نقطة مهمة، يمكن التأكيد على أهمية محاربة تغلل الوجه الناعم للتنظيم داخل القبيلة، كجزء من الحرب الاستباقية عليه، ويمكن أن تلعب القبيلة دورا في هذه الحرب، من خلال توعيتها بخطره أولا، وإسناد المهام المناسبة إليها بعد ذلك.


توصيات


من خلال ما ورد أعلاه، يمكن أن نخلص إلى نقاط مهمة تتعلق بدور القبيلة في مكافحة "الإرهاب"، وسنلخصها على النحو التالي:


ـ وضع القبيلة هو المشكلة الرئيسية وليس القبيلة ذاتها، ويجب تغييره في المقام الأول، خصوصا في ظل عدم وجود ممانعة من قبلها. وتغيير وضعها له شقان، الأول بفرض سلطة الدولة داخل مناطقها، والثاني من خلال التنمية، على اعتبار أن فرض النفوذ لا يكون من خلال القوة فقط، وإنما من خلال البرامج التي تكسب ود الناس، وهو ما يعني أن القاعدة ستصبح مشكلة القبيلة كما هي مشكلة الدولة.


ـ القيام بحملات دعائية مضادة في أوساط أبناء القبائل الذين يعمل التنظيم بجهد كبير لإقناعهم بأن خصومه هم خصوم للدين الإسلامي ويعملون ضمن مخططات خارجية للنيل منه. بالعودة إلى كل إصداراته الأخيرة، يمكن ملاحظة هذا الأمر بوضوح كبير.


ـ الحاضنة الشعبية ليست القبيلة في الحقيقة، وإنما جهات أخرى معروفة، ولا بد من محاربة وجودها وأفكارها داخل القبيلة، بنفس مستوى حرب "الإرهاب".


ـ ترسيخ حضور الدولة الكفيل بحماية الجميع، وتفعيل دور المحاكم والنيابات، والبت السريع في قضايا الناس. يمكن للقبيلة أن تلعب أهم دور في مكافحة "الإرهاب" حين تشعر أنها بمأمن من الانتقام اللاحق. حرب "الإرهاب" ليست مجرد حملات أمنية وعسكرية لها بداية ونهاية، وإنما حضور أوسع ومستمر، كما أن القاعدة ليست مجرد عناصر تنفذ عمليات، وإنما أيضا نوافذ في جدار المجتمع يجب أن تُسد.




إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية


المراجع:

[1] استهدفت الحملة اعتقال مطلوبين للأجهزة الأمنية لكنها فشلت في ذلك، وسقط عدد من القتلى والجرحى من القوات الحكومية، بحسب مصادر رسمية في حينه بينها وكالة "سبأ".

[2] إصدار مرئي تابعة الكاتب في حينه.

[3] كلمة باطرفي الأخيرة: ماذا يعني الإقرار بتراجع تنظيم القاعدة؟ - مركز سوث24 للأخبار والدراسات.

[4] قراءة في رسالة «تنظيم القاعدة» الأخيرة لقبائل اليمن - مركز سوث24 للأخبار والدراسات.




Shared Post
Subscribe

Read also