قادة من المجلس الانتقالي الجنوبي يلتقون المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في عدن، 8 فبراير 2023 (رسمي)
08-02-2023 at 5 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
حراك دبلوماسي وسياسي واسع لتثبيت اتفاق جديد وشيك في اليمن بعد أكثر من 4 أشهر على انتهاء الهدنة الأممية بشكل رسمي، ودخول البلاد في حالة من "هدنة الأمر الواقع".
فبعد 3 أسابيع من إحاطته لمجلس الأمن الدولي من صنعاء الخاضعة للحوثيين، أطل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ من العاصمة عدن. والتقى غروندبرغ، الثلاثاء، رشاد العليمي وعبد الرحمن المحرمي من مجلس القيادة الرئاسي، كما التقى، الأربعاء، قادة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتزامنت زيارة غروندبرغ إلى عدن مع زيارة السفير الإماراتي الجديد إلى اليمن، محمد حمد الزعابي، الذي سلم أوراق اعتماده إلى رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي.
وعلى الجانب الآخر، التقى كبير مستشاري الخارجية الإيرانية، علي أصغر خاجي، الأربعاء، برئيس وفد الحوثيين المفاوض محمد عبد السلام في العاصمة العمانية مسقط. وقالت الخارجية الإيرانية أنَّ خاجي "سافر إلى مسقط للتحقيق في آخر التطورات السياسية في الأزمة اليمنية."
ونقل موقع الخارجية الإيرانية أن "محمد عبد السلام اعتبر موافقة (حكومة الإنقاذ الوطني) على مبادرة تمديد وقف إطلاق النار تماشيا مع الحد من المشاكل الإنسانية في اليمن."
وقبل هذه الزيارات واللقاءات، كان سفراء من دول الاتحاد الأوروبي قد أتموا، في 2 فبراير الجاري، جولة استمرت لأيام في عدن التقوا خلالها مسؤولين من الرئاسي والحكومة اليمنية.
في تلك الأثناء، أجرى المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ عدة لقاءات في الرياض، شملت السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وعضو المجلس الرئاسي اليمني سلطان العرادة. كما التقى في مسقط وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية، خليفة بن علي الحارثي.
كما عقد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، الاثنين، لقاءا تشاوريا في مسقط مع نظيره العماني، وفقا لخارجية السلطنة التي تقود وساطة بين الحوثيين والرياض منذ أشهر. وتمَّت لقاءات دبلوماسية أخرى مثل اللقاء الذي جمع الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عمرو البيض، مع سفير هولندا لدى اليمن بيتر دير هوف، الأربعاء.
اتفاق جديد؟
خلال الأشهر الماضية، تصدَّرت المفاوضات المباشرة بين الحوثيين والسعودية، بوساطة عمانية، التحركات لتثبيت اتفاق هدنة جديد في اليمن وفقا لشروط الحوثيين التي أنهت الهدنة السابقة دون اتفاق.
وفي 17 يناير الماضي، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤول سعودي أنَّ بلاده اشترطت ضمانات أمنية ومنطقة عازلة على الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، مقابل دفع مرتبات العسكريين والمدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن.
"وقال الدبلوماسي إن السعوديين يريدون أيضا أن يلتزم الحوثيون بالانضمام إلى المحادثات الرسمية مع أصحاب المصلحة اليمنيين الآخرين"، طبقا للوكالة.
ورفض الحوثيون أجزاء من المقترح السعودي وفقا لمسؤول من الجماعة تحدث للوكالة، خاصة الضمانات الأمنية. وقال المسؤول الحوثي إنَّ الجماعة ترفض استئناف صادرات النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة دون دفع الرواتب.
ولفت إلى أنَّ الحوثيين اقترحوا توزيع عائدات النفط وفقا لميزانية ما قبل الحرب. وهذا يعني أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تحصل على ما يصل إلى 80٪ من الإيرادات لأنها الأكثر اكتظاظا بالسكان.
وفي أكتوبر ونوفمبر، تسبَّبت 4 هجمات حوثية بالطائرات المسيرة ضد موانئ نفطية في حضرموت وشبوة، جنوب اليمن، بإيقاف إنتاج وتصدير النفط.
وفي 15 يناير الماضي، غادر وفد عُماني صنعاء بعد لقاءات مع المسؤولين الحوثيين في المدينة. والتقى العمانيون مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي أكد تمسكهم بذات المطالب التي وصفت بـ "المتطرفة" من قبل مجلس الأمن الدولي.
وفي الأسابيع الأخيرة، صعد الحوثيون من اتهاماتهم للسعودية بتنفيذ قصف مدفعي حدودي على محافظة صعدة معقل الجماعة، الادعاء الذي نفاه متحدث التحالف، ونُظر إليه كمؤشر على المفاوضات المحتدمة بين الطرفين.
ومع أنَّ الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لم تشارك في هذه المفاوضات الثنائية، إلا أنَّ مسؤولين فيها قالوا إنَّهم يؤيدون ويدعمون أي جهود من هذا القبيل.
وفي 2 فبراير الجاري، قال وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك إنَّ "هناك جهود إقليمية لتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بتنفيذ بعض بنود الهدنة الأممية." ولفت إلى أنَّ الجهود "لم تثمر في تحقيق أي شيء."
وتعليقا على اللقاء مع رشاد العليمي، قال مكتب المبعوث الأممي إنَّ "غروندبرغ التقى العليمي لمناقشة آخر التطورات، وأهمية انتهاز الأطراف اليمنية الفرصة الحالية لإنهاء النزاع في اليمن."
ونقلت وكالة سبأ عن العليمي تأكيده "دعم المجلس الرئاسي للجهود الإقليمية والدولية للدفع بالحوثيين للتعاطي الإيجابي مع كافة المساعي الحميدة لإطلاق عملية سياسية شاملة تقودها الأمم المتحدة."
ويعتقد المحلل السياسي الجنوبي صلاح السقلدي أنَّ "الهدنة بالنسبة للسعودية والحوثيين صامدة طالما أنّ الطيران والصواريخ الحوثية لم يستهدفا السعودية والإمارات ومصالحهما الحيوية، وطالما أنَّ الطيران الحربي لا يهاجم صنعاء."
وأضاف لـ "سوث24": "هذا الوضع شجّع الرياض وصنعاء والأمم المتحدة على الانخراط في المشاورات، رغم عدم تجديد الهدنة رسمياً."
وعن موقع المجلس الرئاسي في هذه المفاوضات، قال السقلدي: "المجلس وسائر الهيئات الرسمية اليمنية المعترف بها لا تمتلك قرار الرفض أو القبول حتى نتحدث عن موقف لها إزاء مجمل القضايا ومنها هذه المفاوضات."
وأردف: "الرئاسي يستقي كل معلوماته عن سير المفاوضات من الطرف السعودي لوضعه بالصورة ليس أكثر فالقرار بالأخير هو بيد الأطراف الفاعلة عسكريا واقتصاديا كأطراف أمر واقع تمتلك الحل والعقد."
ويعتقد السقلدي أنَّ "هذه الأطراف تنحصر بيد الرياض وصنعاء بما يتعلق بتحديد مصير الشمال؛ وبين الرياض والمجلس الانتقالي فيما يتعلق بالجنوب."
ولفت المحلل السياسي المقيم في صنعاء، رشيد الحدَّاد، إلى أنَّ المفاوضات بين الحوثيين والسعودية "مستمرة ولم تتوقف منذ أشهر". وأضاف لـ "سوث24": "هذه المباحثات تعكس رغبة سعودية في إنهاء الصراع في اليمن، والانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلام."
وأرجع الحداد فشل الجهود خلال الفترة الماضية للتوصل لاتفاق إلى "عدم التقاء وجهات النظر."
رفض جنوبي
أبدى الجنوبيون موقفا رافضا لأي اتفاق جديد في اليمن يتضمن الاستجابة لمطالب الحوثيين على حساب ثروات وسكان وقضية الجنوب.
وقال الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد لملس، خلال اللقاء مع غروندبرغ إنَّ "أي مساعي للاتفاق بشأن تجديد الهدنة وفقاً لشروط مليشيات الحوثي لا تراعي مطالب وتطلعات شعب الجنوب المتمثلة بحل الدولتين، لن تُحقق تهدئة ولا تهيئ لسلام مستدام."
وجدد القيادي الجنوبي دعوة الانتقالي إلى "ضرورة تمثيل الجنوب بوفد مستقل في مفاوضات العملية السياسية الشاملة، وتمكين أبناء الجنوب من إدارة شؤون محافظاتهم خلال المفاوضات حتى التوصل إلى اتفاق سلام شامل." ونقل إعلام الانتقالي عن غروندبرغ: قوله إنَّ "قضية الجنوب محورية في العملية السياسية ولا بديل عن مفاوضات شاملة."
وحذَّر رئيس هيئة التشاور والمصالحة المساندة للمجلس الرئاسي ورئيس خارجية المجلس الانتقالي محمد الغيثي من "الحلول الترقيعية".
وقال على حسابه في تويتر: " السلام الشامل والعادل والدائم مبتغى الجميع، غير أن هذا السلام لم تحققه الحلول والمبادرات الترقيعية التي قادها المجتمع الدولي، والإقليمي في 1994، 2012، 2013، 2015.. حتى اليوم."
وأضاف: "لسنا بحاجة الى القفز مجدداً على واقعنا، لأن النتيجة ستكون مثل سابقاتها جولة من الحرب والصراع"، لافتا إلى أنَّ "المصالحة والسلام يبدآن بتصميم إطار لعملية شاملة، إطار يتضمن معالجة حقيقية لجذور الأزمة، واعتبارات الواقع، يشارك فيه الجميع، لضمان ديمومته."
عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي سالم ثابت العولقي قال أيضاً إنَّ "السلام لن يكون حقيقيًا إلا متى ما كان محققًا لمطالب الجنوب، وعدا ذلك هو سلام هش وغير مستدام."
وفي 2 فبراير الجاري، التقى قادة من الانتقالي وفدا من المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي. وأكَّد القادة الجنوبيون أنَّه "لا سلام ولا استقرار إلا بحل الدولتين والعودة الى قبل عام 1990".
ويرى المحلل السقلدي أنَّ المجلس الانتقالي "تتملكه حالة سخط وعدم رضى بما يتعلق بالترتيبات السعودية مع الحوثيين لوقف إطلاق النار، فهو طرف فاعل على الأرض كما أنَّه الطرف الوحيد الذي أحرز انتصارا عسكريا بوجه الحوثيين."
"يجب أن يشرك الانتقالي في هكذا مرحلة حاسمة"، قال السقلدي وأضاف: "أي تغييب له في هذه المرحلة سيعني بالضرورة تغييبه بمرحلة المفاوضات السياسية النهائية"، مشيراً إلى "اتساع مساحة الريبة لدى الانتقالي" بعد الحملة الإلكترونية الأخيرة لنشطاء سعوديين.
أيضاً، زعم موقع (Intelligence Online) الاستخباراتي الفرنسي، في تقرير، أنَّ "أبوظبي لا توافق على محاولات الرياض لإيجاد اتفاق مباشر مع الحوثيين.."
سيناريوهات القادم
يرى رشيد الحدَّاد أنَّ "السيناريوهات السياسية المتوقعة خلال الفترة القادمة "متروكة لتنفيذ الهدنة في حال تم الاتفاق على تمديدها".
وأضاف: "هناك جوانب إيجابية كتدفق واردات الوقود إلى ميناء الحديدة، وتسيير ثلاث رحلات أسبوعية من مطار صنعاء، وتلك الجهود سوف تنجح ما لم تحدث انتكاسة لتلك المفاوضات".
وأردف: "هناك تفاهمات جيدة حول صرف المرتبات ورفع القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء عدن، وكذلك فتح الطرقات بين المحافظات، وفقاً لأليات محددة سيتم مناقشتها برعاية أمنية."
مُتعلق: تقدير موقف: إلى أين تقود التفاهمات السعودية مع مليشيا الحوثيين؟
ويرجَّح صلاح السقلدي التوصل لتفاهمات بين السعودية والحوثيين خلال الفترة المقبلة. وقال إنَّ الطرفين "أصبحا على قناعة بالحل السياسي بعد أن أدركا بأن الحسم العسكري صار مستحيلاً."
لكن، "تقف نسبة كبيرة من عدم الثقة حائلاً إلى حد ما" لفت السقلدي. وأضاف: "كل طرف، لاسيّما الحوثيين، يحاول فرض شروط يرى الطرف الآخر أنها صعبة التنفيذ."
ومع ذلك، يعتبر المحلل السياسي أنَّه "بوجود وسيط موثوق به كسلطنة عمان، فإنّه سيتم إبرام اتفاق بين السعودية والحوثيين عاجلا أم آجلا." مشيراً إلى "توافق أمريكي غربي على هذه الجهود يرفع من حالة التفاؤل."
ومع النسخة السابقة من الهدنة الأممية في اليمن، التي وفرت متسعا من الوقت للتسلح وترتيب الصفوف لاسيما بالنسبة للحوثيين، يبدو أن أي اتفاق مشابه اليوم مع امتيازات أكبر للجماعة قد تكون له تداعيات سلبية كبيرة.
وتهدد سياسة الانسحاب السعودية بتشجيع الحوثيين على استثمار أي اتفاق قادم بشكل مرحلي، وشن حروب جديدة لاحقاً لتحقيق الأطماع القائمة على أيديولوجيات دينية وعقدية عابرة للحدود، علاوة على ما قد يشكله الأمر من تصدع أكبر داخل المجلس الرئاسي اليمني.