رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك (تصميم مركز سوث24)
16-01-2024 at 2 PM Aden Time
سوث24 | فريدة أحمد
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيلها في ديسمبر 2020 وفقا لاتفاق الرياض، خذلت حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب برئاسة معين عبد الملك توقعات السكان المحليين في اليمن، وبات أمر تغييرها على الأبواب. حيث تباحث المجلس الرئاسي لأيام حول مرشح بديل لرئيس الحكومة الحالي. وعلم مركز سوث24 أنّ رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، ودّع الأسبوع الماضي بحرارة، معين عبدالملك، في الرياض، إيذاناً بإعلان رئيس حكومة جديد.
في أحايين كثيرة، ارتبط اسم حكومة معين عبد الملك بالفساد، ولم يختلف أداؤها عن أداء حكومة أحمد بن دغر التي سبقتها منذ عام 2016. ورغم أنّ عبد الملك قاد حكومة ما قبل المناصفة بـسنتين، إلا أنّ ولايتيه لمرتين مُنيتا بالفشل والهشاشة. وتشمل حالة الفشل الكتلة الوزارية للمجلس الانتقالي الجنوبي التي تماهى بعض أفرادها تجاه صفقات الفساد وصمتت عن كثير من الإخفاق في أحايين أخرى.
شكّل عدم إشراك المرأة في حكومة اتفاق الرياض، لأول مرة في اليمن، منذ أكثر من عقدين، نقطة الإخفاق الأولى. أثبت مجلس الوزراء أنه نتاج صفقة تقاسم بين أطراف سياسية، وربما هذا ما أفقد الحكومة فعاليتها العملية على أرض الواقع. وإلى جانب أنها تشكّلت للخروج من حالة الصراع التي اندلعت، في 2018 و2019 في جنوب اليمن ضد حزب الإصلاح الإسلامي والأطراف التي كانت مواليه له خلال الفترة الرئاسية لعبدربه منصور هادي، إلا أنه كان يؤمل عليها إنقاذ الوضع الاقتصادي والإنساني المتردي. وعلى الرغم أنّ الحكومة نجحت بالحد من تجدد الصراع بشكل واسع، إلا أنها أخفقت في إنجاز كثير من الجوانب الاقتصادية والخدمية، حتى بعد تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في الرياض في أبريل 2022. فمنذ تولي معين عبد الملك للمرة الأولى منصب رئاسة الحكومة في 2018، كان سعر الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية أقل من 800 ريال يمني، لكنه انهار الآن إلى مستوى قياسي، إذ تجاوز حاجز الـ 1500 ريال مقابل الدولار الأمريكي.
على نطاق أوسع، أدى استهداف ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، لموانئ تصدير النفط الجنوبية في حضرموت وشبوة بعد أسابيع من انتهاء الهدنة الإنسانية في أكتوبر 2022، إلى تفاقم الأعباء والضغوط المالية بصورة أكبر على الحكومة. إذ خلّفت الهجمات ركوداً في صادرات النفط وانخفاض العائدات الجمركية بسبب تراجع حركة الملاحة الدولية في ميناء عدن لصالح ميناء الحديدة. كما سبّب خروج محطات توليد الكهرباء عن الخدمة في كثير من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بما فيها العاصمة عدن، أزمة كبيرة نتيجة عدم قدرتها على تحمّل تكاليف الوقود اللازم لتشغليها.
في الوقت نفسه، ساهمت قضايا فساد أخرى تُتهم الحكومة ورئيسها بارتكابها، على تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والخدمي، وما ترتب على ذلك من زيادة هائلة في الاحتياجات الإنسانية، فضلاً عن قضايا فساد أخرى أثارها عضو مجلس القيادة الرئاسي "عبدالرحمن المحرمي"، ضد الحكومة، داعياً فيها إلى تشكيل لجنة تحقيق للتقصّي بشأنها، وتتضمن استيلاء مكتب معين على 45 مليون دولار شهرياً. أضف لذلك، ما ارتبط من تضخّم في ملحقيات السفارات اليمنية، التي ظل رئيس الحكومة يرفض اتخاذ أي إجراءات من شأنها التقليص منها.
كل هذا وأكثر، دفع إلى تنامي السخط الشعبي في مناطق سيطرة حكومة عبد الملك، وعبّر من خلاله متظاهرون لأكثر من مرة عن اعتراضهم على أداء الحكومة، إذ أقيمت أكثر من تظاهرة خلال العام الفائت في العاصمة عدن تتهم الحكومة بالفساد. إذن، من الواضح أنّ هناك مشكلة تتعلق بالأداء الوظيفي والاقتصادي للحكومات المعترف بها التي نشأت بعد اندلاع الصراع في اليمن منذ 2014، وقد يكون أحد أسبابه التفكك المتزايد في النهج التوافقي بين الأطراف اليمنية بكامل مستوياتها السياسية والعسكرية، إلى جانب اختلاف الأهداف والقضايا الرئيسية التي تتبناها.
أسس التشكيل
شرعنت مخرجات "الحوار الوطني" لعام 2013، المناصفة بين الجنوب والشمال، بضغط من المشاركين الجنوبيين في المؤتمر آنذاك. لكنّ المجلس الانتقالي الجنوبي فرض تنفيذها في اتفاق الرياض 2020، بناء على الواقع الذي أفرزته الحرب. من المهم القول، إن كل القواعد المطروحة في إطار الدولة الراهنة يمكن الاختلاف أو الاتفاق حولها، إلا مبدأ "المناصفة"، سيظل كما هو وإن تغيّرت الحكومات، خاصة وأنّ المبدأ نفسه انعكس لاحقاً على مجلس القيادة الرئاسي بالمثل من خلال 4*4 أعضاء بما يشمل ذلك رئيس المجلس، وهذا يعد تقدّم كبير في الملف اليمني قد يكون من شأنه أن يمهّد لإجراءات على نطاق أوسع في المستقبل. على الرغم أنّ أصواتا جنوبية سياسية ترى أن مبدأ المناصفة تجاوزه الواقع، ومن أجل ذلك، تطالب بإدارة ذاتية منفصلة للجنوب، أو حكومة بحصة أوسع من النصف للجنوبيين. ويبرر أصحاب هذا الرأي مثل هذه الخطوة، بصورة رئيسية، إلى كون أنّ شمال اليمن بات يخضع لسيطرة جماعة الحوثيين.
لقد جادل الجنوبيون منذ فترة طويلة بشكل مقنع، على ضرورة إشراكهم بالنصف في صنع القرار السياسي، قبل التوصل لحلول نهائية لقضية الجنوب. ولذلك فهم الآن في وضع قوي يسمح لهم بتحمّل مسؤولية إدارة مراكزهم، سواء في مجلس القيادة الرئاسي أو الحكومة، خصوصاً وأن ترجيحات كثيرة تشير إلى أن رئيس الحكومة المرتقب سيكون من الجنوب هذه المرة. قالت مصادر مطلّعة لمركز سوث24 أنّ وزير المالية الحالي سالم صالح بن بريك، الذي ينحدر من محافظة حضرموت، هو المرشح الأبرز لخلافة معين عبد الملك. ومن غير المعروف حتى الآن، ما إذا كانت التغييرات ستشمل كافة وزراء الحكومة أو بقاء جزء منهم في مناصبهم السابقة. فمنذ 2015 حتى اليوم، تغيّرت التحالفات السياسية والعسكرية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، تراجعت قوى وصعدت قوى، وكجزء من تفعيل دور التحالفات الجديدة، سيتعين على كل طرف أن يختار ممثليه.
كما يُنظر أيضا إلى محاولات الأطراف اليمنية الحثيثة، وبدعم سعودي، لتشكيل مكونات سياسية في جنوب اليمن، على أنها تأتي للتأثير على المشهد السياسي بهدف التقليص من حصة المجلس الانتقالي الجنوبي، المكون الأكثر شعبية في الجنوب.على سبيل المثال، في 9 يناير الجاري، أُعلن في مدينة سيئون بحضرموت عن اللجنة التحضيرية لتأسيس المجلس الموحد للمحافظات الشرقية بأكثر من 200 شخصية، وبحسب بيان الإعلان، فإنّ المجلس الناشئ يهدف إلى توحيد جهود المحافظات الأربع "حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى". اعتبر كثير من الجنوبيين التشكيل الجديد، بأنّه محاولة سعودية أخرى لمواجهة نفوذ الانتقالي الجنوبي، لتأمين موقع لهذه القوى إما في الحكومة الجديدة، أو في مرحلة ما بعد التسوية السياسية المرتقبة. وقد سبق تشكيل المجلس الشرقي الجديد بأشهر، تأسيس مجلس حضرموت الوطني، الذي رعته الرياض بالمثل، وقوبل باعتراضات جنوبية واسعة، نتيجة ارتباط أعضاءه بأحزاب سياسية شمالية منها حزبي الإصلاح والمؤتمر، ومحاولته تشتيت جهود لململة الصف الجنوبي.
الجدير بالذكر، وكما ناقش مركز سوث24 في أوراق سابقة، فإن مجمل هذه التشكيلات السياسية الناشئة تتم في نطاق الجنوب فقط، مع استبعاد تأسيسها على نطاق الشمال المنقسم جهوياً في كثير من مناطقه. وهو دليل على أن القيادات السياسية الشمالية التي تحفّز على إنشاء مثل هذه المكوّنات بأسماء جنوبية؛ ترغب الاحتفاظ بنفوذها وسلطتها في مناطق جنوب اليمن، فضلاً عن مساعيها مع الجانب السعودي لتمرير اتفاقات سلام مع الجماعة الحوثية، بعيداً عن ضغط المجلس الانتقالي الجنوبي المستمر.
إجراءات ملحّة
بغض النظر عن مسألة التقاسم السياسي في مناطق سيطرة السلطة الشرعية، ستكون هناك حاجة إلى تدخل حكومي واسع النطاق لتصحيح أوجه القصور الأكثر إلحاحاً، وهي مسؤولية تقع على عاتق كافة الوزراء وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الجديد، للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تشهدها البلاد، وسط حالة من الاحتقان والغضب الشعبي. من شأن إعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل عمل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والاضطلاع بدوره ومهامه الرقابية على المؤسسات الحكومية، في الحد من عمليات الفساد الكبيرة التي تمّت في عهد حكومة معين عبدالملك. كما إنّ تفعيل دور القضاء سيؤسس لقواعد المحاسبة والملاحقة لكل المخالفات والجرائم، ويسهم بوضوح في تعزيز الأمن والاستقرار في مناطق سيطرة الحكومة.
إحدى أولوليات أي حكومة قادمة هو الشروع بإجراءات اقتصادية لتنمية الموارد، وإيجاد حلول عملية للحد من انهيار العملة المحلية، وكذا ضمان توفير الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه.
قبل ذلك، سيكون من المهم أن تقدم الحكومة برنامجها لمجلس القيادة الرئاسي، في حال تعذّر اكتمال نصاب مجلس النواب بسبب الظروف السياسية الراهنة، ويمكن لمجلس القيادة التشديد على الحكومة في مسألة إعداد الموازنات وإقرار الميزانيات السنوية لمقارنتها لاحقاً، ووضع استراتيجيات قريبة وبعيدة المدى واستخدام أدوات قياس الأثر والتحقق من انجاز المستهدفات بشكل أكثر وضوحاً. وبموجب هذا النهج وإعماله، سوف يُنظر إلى الأطراف اليمنية في الحكومة المعترف بها على أنها مسؤولة أمام أي مخالفات لاحقة.
في المحصّلة، تحتاج الحكومة لتعزيز تماسك الجبهة الداخلية واستعادة الثقة الشعبية بها في مناطق سيطرتها، قبل الإقدام على توقيع الأطراف السياسية أي اتفاق للحل السياسي مع جماعة الحوثيين. هذا الأمر، سيعزّز من موقفها السياسي والاقتصادي، لأنّه بدون حكومة قوية تحاصر الانهيار الاقتصادي القائم ومن ثم تحسّن الأوضاع، سيضعفها ويقوي من موقف الحوثيين في نهاية المطاف، وسيغريهم للتصعيد والحصول على تنازلات ومكاسب أكبر على الأرض.
كما إنّ تصاعد الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وانخراط الجماعة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، خصوصا بعد الضربات الجوية الأمريكية البريطانية على مواقع الجماعة العسكرية، قد يلقي بتداعيات اقتصادية بالغة، بدأت بوادرها تبرز بوضوح في ارتفاع أسعار الشحن البحري إلى اليمن. ومن شأن ذلك شل حركة الملاحة من وإلى الموانئ اليمنية وتهديد حركة مرور المواد الغذائية الأساسية المستوردة في معظمها من الخارج. وهذا بحد ذاته امتحان صعب يضع نفسه بشكل مبكّر على طاولة رئيس الوزراء الجديد.
Previous article
Next article