سجناء غوانتنامو خلال صلاة في أكتوبر/تشرين الأول 2009. بواسطة ماركوس هيرنانديز (Forever wars)
21-08-2024 at 10 AM Aden Time
"القول بأن تنظيم القاعدة في اليمن قد تراجع بشكل كامل يعد مبالغًا فيه. فالتنظيم، رغم التحديات التي يواجهها، لا يزال يشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا في اليمن والمنطقة، وقد أثبت قدرته على التكيف والتطور."
سوث24 | إبراهيم علي
على الرغم من أنّ المعطيات تُشير إلى انحسار نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا الانحسار يرتبط بشكل كبير بالظروف الاستثنائية التي فرضها الصراع الدائر منذ عام 2015. مما يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذا التراجع، وهل يعكس بالضرورة تآكلًا في قدرات التنظيم؟ فالتنظيم، رغم تراجع نشاطه الظاهر، قد يحتفظ بإمكانيات تهديدية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
تستند المقاربة السائدة في تقييم تراجع تنظيم القاعدة في اليمن إلى مقارنة الوضع الحالي بما كان عليه قبل عام 2015. ومع ذلك، قد تكون هذه المقارنة غير دقيقة، إذ تتميز كل فترة زمنية بخصوصياتها التي تتطلب قراءة متأنية. فما يبدو تراجعًا قد يكون في الحقيقة مجرد تحول في التكتيكات، أو إعادة ترتيب للأولويات، أو تجميدًا للنشاط لأسباب خاصة، وليس بالضرورة انعكاسًا لضعف كبير في بنية التنظيم، كما يوحي به آخر تقرير لخبراء الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من تأكيد الخبراء على تراجع نشاط التنظيم في اليمن، فإن التقرير الأخير للكونغرس الأمريكي يشير إلى مخاوف جدية بشأن احتمال تصاعد تهديداته في المستقبل القريب. تستند هذه المخاوف إلى التاريخ الطويل من التعامل الأمريكي مع تنظيم القاعدة، خاصة فرعه في اليمن. فواشنطن، من خلال خبرتها المتراكمة، تدرك جيدًا قدرة التنظيم على التكيف والتطور، مما يجعلها حذرة من التنبؤ بانحسار نفوذه بشكل نهائي، رغم تراجع النشاط على مستوى العمليات. كما تدرك الإدارة الأمريكية قدرة هذا الفرع على التعافي واستعادة نشاطه، مما يجعل أي تراجع مؤقت في قوته أمرًا نسبيًا. لذلك، يتطلب الأمر مزيدًا من اليقظة والحذر، وعدم الركون إلى التقارير التي تؤكد تراجعه، رغم حدوث التراجع بالفعل.
قبل التراجع
شهد تنظيم القاعدة في اليمن تراجعًا ملحوظًا في نشاطه خلال السنوات الأخيرة، بعد فترة من التوسع والنفوذ الكبير. يمكن القول إن التنظيم بلغ أوج نشاطه العملياتي خلال عامي 2013 و2014، عقب التوقيع على اتفاق سياسي بين القوى اليمنية المتصارعة برعاية إقليمية ودولية.
رغم إعلان المملكة العربية السعودية عن عملية عسكرية ضد "انقلاب" الحوثيين في اليمن عام 2015، والتي كانت فرصة للتنظيم لتوسيع نفوذه، إلا أنه فشل إلى حد كبير في ذلك، رغم سيطرته المبكرة على مدينة المكلا ومناطق واسعة من شبوة وأبين خلال عامي 2015 و2016. يعود هذا الفشل بشكل أساسي إلى التدخل الإماراتي الكبير في دعم وإنشاء وحدات عسكرية محلية جنوبية متخصصة في مكافحة الإرهاب، والتي توسعت لاحقًا لتشمل مؤسسات عسكرية وأمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. ونتيجة لذلك، تراجعت عمليات التنظيم بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه في الأعوام السابقة.
من بين العوامل التي أضعفت التنظيم كانت مشاركته في الحرب ضد الحوثيين في البداية بشكل غير مباشر ضمن جبهات حزب الإصلاح الإسلامي وحكومة عبدربه منصور هادي في محافظتي مأرب والبيضاء ومدن أخرى. قادت هذه المشاركة إلى انكشاف التنظيم أمنيًا وسهولة رصد وتتبع واستهداف قياداته. وفي وقت لاحق، شارك التنظيم في جبهات الإصلاح ضد القوات الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة.
إلى جانب ذلك، اتخذ التنظيم قرارًا مفصليًا عند إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" للخلافة، إذ أدى رفضه للإعلان إلى خلافات داخلية وانشقاقات، قبل أن تتطور إلى معارك أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى. دارت المعارك بين الطرفين في مديرية "ولد ربيع" بمحافظة البيضاء، وسط اليمن، بين عامي 2017 و2020. كما ازدادت خسائره بعد طرده من معاقله إثر مواجهات مع مليشيا الحوثيين في عام 2021، مما دفعه إلى اللجوء إلى معاقل جديدة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا وحزب الإصلاح في محافظات شبوة وأبين، وأيضًا مأرب.
عودة مفاجئة
رغم الضربات التي تلقاها، عاود تنظيم القاعدة نشاط عملياته الإرهابية بشكل كبير في محافظتي أبين وشبوة جنوب اليمن، رغم الحملات العسكرية والأمنية المستمرة ضده. في أغسطس 2022، أطلقت القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي عمليات أمنية وعسكرية في المحافظتين، استهدفت معاقل التنظيم الحصينة التي لم تقترب منها القوات الأمنية والعسكرية خلال فترات النظام اليمني السابق. وقد تزامنت عملية "سهام الشرق" و"سهام الجنوب" مع وضع أمني صعب يمر به التنظيم، خصوصًا بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظتي أبين وشبوة أمنيًا وسياسيًا في 2022. كانت تلك المناطق تخضع لسيطرة قوات موالية للحكومة المعترف بها دوليًا، والتي كانت متهمة بالتواطؤ مع تنظيم القاعدة. إذ تمكن التنظيم من تشكيل معاقل بديلة له بعد طرده من محافظة البيضاء في عام 2021. ونتيجة لتفاهمات أو حسابات خاصة، لم تعترض القوات الموالية لحزب الإصلاح على وجود عناصر التنظيم في مناطق سيطرتها. في المقابل، لم يعتبر التنظيم تلك القوات هدفًا له، بل شارك إلى جانبها في القتال ضد وحدات المجلس الانتقالي في المحافظتين بين عامي 2019 و2021.
لكن فشل قوات الحكومة اليمنية في السيطرة على أبين وشبوة خلق أزمة معاقل واسعة لتنظيم القاعدة، تزامنت مع أزمة مالية خانقة، ما دفع التنظيم إلى دعوة القبائل لتقديم الدعم له. لم يسبق للتنظيم أن وجه طلبًا علنيًا بالمساعدة من القبائل أو غيرها رغم مروره بظروف صعبة، إلا أن الظروف الحالية تبدو أصعب بكثير. نتيجة لذلك، توقعت كثير من الجهات أن التنظيم يقترب من نهايته في اليمن، لكن الهجمات الأخيرة ضد القوات الجنوبية تشير إلى أنه يستميت لاستعادة زمام المبادرة لأول مرة منذ عام 2021. لم يكن تصاعد العمليات وحده المفاجئ في هذه العودة، بل الوسائل المستخدمة في تنفيذها أيضًا، حيث استخدم التنظيم ولأول مرة الطائرات المسيّرة لرصد وتتبع الأهداف وقصفها. ورغم أن التقارير تشير إلى أن هذه العودة قد تكون نتيجة دعم عسكري ولوجستي من الحوثيين، إلا أن هناك عوامل أخرى ساعدت على هذه العودة، منها زوال تنظيم داعش، وتولي سيف العدل المقيم في إيران قيادة التنظيم العامة خلفًا للظواهري.
طرد عمان لمعتقلي غوانتانامو
رغم أن علاقة سلطنة عمان بتنظيم القاعدة في اليمن لم تكن سيئة، إذ سبق لها التواصل مع التنظيم في أكثر من مناسبة، بما في ذلك التوسط لإطلاق سراح رهائن مقابل فدى مالية، إلا أنها اتخذت قرارًا مفاجئًا بطرد نحو 28 يمنيًا من معتقلي غوانتانامو السابقين وتجريدهم من المزايا والإقامات القانونية وفقًا لتقارير غربية.
سبق وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن عمان استقبلت لسنوات عديدة معتقلي السجن العسكري الأمريكي في خليج غوانتانامو، ومنحتهم السكن والرعاية الصحية والوظائف، بالإضافة إلى مساعدتهم في العثور على زوجات وتكوين أسر لتعويضهم عما عانوه خلال سنوات الاعتقال. كان اليمنيون الـ28 الذين نقلتهم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى عمان بين عامي 2015 و2017 جزءًا من برنامج دعم عماني يهدف لإعادة تأهيلهم. غير أن خطوة عمان الأخيرة تثير كثيرًا من التساؤلات، خاصة وأن تنظيم القاعدة لم ينفذ عمليات داخل عمان أو يهدد بذلك. كما أن الهجوم الأخير في "الوادي الكبير" في مسقط، الذي استهدف محتفلين شيعة بعاشوراء، تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية".
قد يكون الهدف من إعادة معتقلي غوانتانامو إلى اليمن هو دعم التنظيم الذي يعاني نقصًا في الكادر البشري. من المستبعد أن تكون هذه الخطوة العمانية مرتبطة بعملية "الوادي الكبير"، لأن المعتقلين ينتمون للجهاديين السابقين الذين يمكن أن يُحسبوا على القاعدة وليس على تنظيم داعش. كما أنه لم يسبق أن صدرت عنهم أي تحركات تثير الشكوك، وفقًا لمتخصص في شؤون الجماعات المسلحة تحدث لمركز سوث24.
إنّ تفسير إعادة المعتقلين السابقين إلى صنعاء قد يعني تسهيل التحاقهم بتنظيم القاعدة في اليمن، حيث تمتلك جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة علاقة جيدة بالتنظيم، وسبق لها أن أطلقت سراح المئات من عناصره المعتقلين في سجون النظام السابق تحت مسمى "تبادل أسرى ومعتقلين". كما لا يمكن استبعاد أن تكون إيران، التي لعبت دورًا في تسهيل عملية التبادل بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، لها علاقة بقرار عمان طرد معتقلي غوانتانامو.
يعتقد المصدر المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ هذا الإجراء لا علاقة له بالتدابير الاحترازية لمنع تنفيذ عمليات داخل السلطنة. واستبعد أن يكون التنظيم في اليمن قد نسق مع سلطنة عمان لعودتهم، خاصة وأن هناك خط تواصل بين الطرفين، كما تبين من خلال وساطة إطلاق سراح رهائن غربيين.
ما يؤكد أن الإجراء العماني لم يكن مخططًا له سلفًا هو أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت تخطط في الخريف لإرسال 11 يمنيًا إضافيًا إلى عمان. غير أن مسؤولين أمريكيين قالوا إن الإدارة، بناءً على طلب من أعضاء الكونغرس، أوقفت عملية النقل مؤقتًا بعد اندلاع الحرب في غزة.
عودة المعتقلين السابقين إلى اليمن وتسهيل التحاقهم بصفوف تنظيم القاعدة سيعوض التنظيم عن خسائره التي تكبدها خلال السنوات الماضية على مستوى القيادات، خاصة وأن هؤلاء المعتقلين من الجهاديين القدامى الذين اكتسبوا خبرات كبيرة خلال تواجدهم في أفغانستان. تشير التجارب السابقة إلى أن العديد ممن تم إطلاق سراحهم من معتقل غوانتانامو عادوا إلى صفوف التنظيم، مثل سائق أسامة بن لادن إبراهيم القوصي. وفي بلد مثل اليمن، حيث الوضع الأمني هش، وسوء المعيشة مستمر، والصراع لا ينتهي، لن يجد المرحلون من عمان غير التنظيم للهرب إليه.
انطلاقًا من هذه المخاوف، اتخذ الكونغرس قرارًا بمنع الحكومة الأمريكية من إعادة معتقلي غوانتانامو إلى بلدان تمزقها الحرب مثل اليمن، حيث يُنظر إليهم على أنهم يمثلون مخاطر أمنية. على الرغم من ذلك، زعم مسؤولون عمانيون لموقع "الحروب الأبدية" أن طرد اليمنيين الـ28 تم بضوء أخضر أمريكي.
العملية الانتحارية في مودية
في خضم الجدل حول تراجع تنظيم القاعدة في اليمن، نفذ التنظيم هجومًا دمويًا كبيرًا في مديرية مودية بمحافظة أبين يوم الجمعة الماضي. الهجوم الذي نفذه شخص من محافظة إب بسيارة مفخخة أسفر عن مقتل 16 جنديا وإصابة نحو 17 آخرين، مما يشير إلى أنّ تنظيم القاعدة ما زال يتمتع بقدرات تنظيمية ولوجستية هامة، وقادر على تجنيد انتحاريين وشن هجمات واسعة النطاق في مناطق حساسة أمنيًا.
اللافت في الأمر أنّ التنظيم استخدم منفذًا انتحاريًا هذه المرة، بعدما توقف عن تنفيذ عمليات من هذا النوع لفترة. يشير هذا إلى أنه لم يعد يعاني نقصًا في العنصر البشري، وقد يشير أيضًا إلى وجود دعم محلي أو إقليمي من خارج التنظيم، سواء كان ماديًا أو لوجستيًا أو استخباراتيًا، وهو ما لمّح له مسؤولون بارزون في القوات الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
تشير هذه العملية الجريئة إلى أن نشاط التنظيم قد يتصاعد خلال الفترة القادمة، إذ جرت العادة أن يتجنب التنظيم تنفيذ مثل هذه العمليات الكبيرة عندما يكون في مرحلة ضعف، لأنها تستدعي تحركًا أمنيًا وعسكريًا كبيرًا ضده.
ورغم تراجع النشاط العملياتي لتنظيم القاعدة في اليمن خلال السنوات الماضية، إلا أن ذلك لا يعني تراجعًا في قوته وقدرته على تنفيذ هجمات داخلية أو عبر الحدود، كما كان يفعل في السابق. تصاعد عملياته في محافظات الجنوب منذ عام 2023، وتعامله مع وسائل جديدة مثل الطائرات المسيّرة، يشير إلى أن عودته آخذة في التطور. ومن المهم الإشارة إلى أن قيادة التنظيم المركزية الجديدة المتواجدة في إيران تولي اهتمامًا خاصًا بهذا الفرع، مما يعني أنها تراهن عليه في مشاريعها المستقبلية.
لا يُستبعد أن يكون التنظيم قد حصل على دعم مالي ولوجستي من إيران، كونه يهاجم في المناطق غير الخاضعة لمليشيا الحوثيين. إذ أكدت تقارير دولية أن الطائرات المسيّرة التي استخدمها تنظيم القاعدة تم تسهيلها عبر تدريب الحوثيين وتقديم الدعم اللوجستي، خاصة وأن الطرفين أوقفا منذ عام 2022 عمليات الاستهداف المتبادل.
في النهاية، القول بأن تنظيم القاعدة في اليمن قد تراجع بشكل كامل يعد مبالغًا فيه. فالتنظيم، رغم التحديات التي يواجهها، لا يزال يشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا في اليمن والمنطقة، وقد أثبت قدرته على التكيف والتطور، مما يجعل من الصعب القضاء عليه تمامًا، على الأقل في الوقت الحالي. لإنهاء التنظيم كليًا، يجب إنهاء الحرب في اليمن، وهو شرط أساسي لوقف تصاعد العنف والإرهاب وبناء دولة ومؤسسات قوية وفاعلة. إلى جانب مكافحة الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة، من الأهمية بمكان تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن تقديم الدعم الكافي للقوات الجنوبية التي تخوض معارك مستمرة ضد التنظيم منذ سنوات.
إبراهيم علي
باحث متخصص بشؤون الجماعات المسلحة اليمنية، أخفى هويته لأسباب شخصية
Next article