28-06-2021 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
تسحب الولايات المتحدة قدراتها الدفاعية من عدة دول عربية بما فيها المملكة العربية السعودية، والعراق، والكويت، والأردن، ومعظم عملية الانسحاب من السعودية. وفقاً الى التقرير، فإنَّ العملية ستشمل سحب صواريخ باتريوت، عدد من الطائرات المقاتلة، وأسلحة أخرى غير مُحددة. تمَّ إعلام السعودية بهذه العملية في الثاني من يونيو بالتزامن مع بدء الانسحاب الفعلي والمُزمع إكماله خلال الصيف الحالي.
يتوافق هذا الانسحاب مع استراتيجيات الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب التي تقتضي بتقليل تواجد القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لتقليل المخاطر. لكنَّ ترامب رفع من القدرات الدفاعية في المنطقة بعد أن ضربت طائرات إيرانية بدون طيار منشأة نفطية سعودية في عام 2019.
يبدو أنَّ نوايا إدارة بايدن للانسحاب تقودها رغبة في إعادة نشر وتموضع هذه المعدات في مناطق أخرى. إذن، السؤال هو: إلى أين ستذهب هذه المعدات، وهل حدث أمرٌ جعل من نقلها ضرورة؟ إنّه لمن الصعب التصديق أنَّ عملية نقل الأسلحة هذه لمواجهة تهديدات قريبة الأجل، لأنَّ نقل هذا العدد من المعدات والمنظومات الدفاعية بشكل علني قد يجبر عدو محتمل على الإسراع لإطلاق حرب للحصول على الضربة الأولى قبل وصول المعدات الدفاعية. الخطر قد لا يكون فوري وبالتالي قد يكون في أي منطقة حول العالم.
الوجهة الواضحة قد تكون ما يسمى بالمسرح الصيني. لدى الولايات المتحدة مخاوف تجاه أمن طائراتها المأهولة في جزيرة غوام، وكذلك على حلفائها من سنغافورة الى اليابان وما بينهما. ولكن لطالما كان لدى الولايات المتحدة إدراك تجاه التهديدات الصينية، ونفترض أنَّه قد تم وضع قدرات دفاعية كافية بالفعل هناك، وبشكل أخص كونها منطقة قد يتحول فيها أي حدث إلى نزاع يُستخدم فيه عدد هائل من الصواريخ الجوية. قد يبدو تجريد العالم العربي لمواجهة المخاطر الصينية زائداً عن الحاجة. ولكن هناك احتمال أنَّ هذه الدفاعات فشلت في تلبية الاحتياجات الدفاعية في مكانها السابق، وبالتالي قد يفترض المرء وجود احتياطات كافية في الولايات المتحدة لنشرها في الأمام.
الاحتمال الآخر هو الانتشار ضد المسرح الروسي. تمارس روسيا ضغوطاً في عدد من النقاط على امتداد حدودها مثل بيلاروسيا والقوقاز، ولدى الولايات المتحدة مصالح في كلا المنطقتين. إحدى الشائعات المثيرة للاهتمام ولكن غير متوقعة والتي تم إبلاغنا بها هي أنَّ إسرائيل تُخطط لنشر منظومة القبة الحديدة الدفاعية في شرقي أوكرانيا. هذه الشائعة غير مرجحة كون إسرائيل ترغب في علاقات غير عدائية مع روسيا وكون أوكرانيا في موضع لا يسمح لها بتحمل تكلفتها المادية. القبة الحديدية أكثر تفصيلاً من الأسلحة المذكورة في الانسحاب الأمريكي، علاوة على ذلك، فإنَّ أوكرانيا أكبر بكثير من إسرائيل وتوسيع مدار القبة الحديدة ليس بالأمر السهل. ومع ذلك، بالنظر الى الإجراءات الروسية، فإنَّ للولايات المتحدة مصلحة في زيادة الدفاعات الجوية في عدة دول ومنها بولندا، ورومانيا، وجورجيا، وعلى الأرجح أوكرانيا.
بعبارات أخرى، قصة إحضار دفاعات جوية الى أوكرانيا قد تكون حقيقة- ولكن قد لا تكون الأنظمة قادمة من إسرائيل. تبنّت الولايات المتحدة استراتيجية عدم تسليح أوكرانيا بشكل مكثف وبالمقابل عدم توسع روسيا في سيطرتها العسكرية الضمنية الى ما بعد شرق أوكرانيا. نظراً للانتشار العسكري الروسي بالقرب من أوكرانيا، قد تعتبر الولايات المتحدة هذا التفاهم عفا عنه الزمن، وقد يكون توفير نظام دفاع جوي كبير لأوكرانيا تحذيراً ورادعاً لروسيا. يبدو أنَّ القمة المشتركة ما بين واشنطن وموسكو كانت أقل إنتاجية ومن المنطق أن يتم تحريك أسلحة غير هجومية إلى منطقة تعتبرها روسيا أهدافاً حيوية.
لقد ركزت على إعادة الانتشار، لكنَّ الانسحاب قد لا يكون له علاقة تُذكر بإعادة الانتشار. في نهاية المطاف، لدى الولايات المتحدة احتياطات هائلة من الأسلحة لإعادة توزيعها من دون أن تسحب مثلها من الدول العربية. ولكن إذا قلّبنا الأمور وفكرنا لماذا قد تُقلل الولايات المتحدة قدرات تلك الدول للدفاع عن انفسها، فإنَّه من الضروري النظر إلى إيران.
تُجري الولايات المتحدة مناقشات مع إيران وتقول إنَّها تريد إحياء الاتفاق النووي السابق. عدو إيران الأساسي من الناحية العملية هي الدول العربية السنية الواقعة إلى غربها. خاضت إيران حرباً ضروساً استمرت ثماني سنوات مع العراق في الثمانينيات من القرن الماضي، والتي بدأها وانتصر بها العراق، عملياً.
وبتخيل موقف إيران، تريد إيران أسلحة نووية لردع العراق أو أي دولة عربية أخرى عن تكرار الحرب في الثمانينيات. وستدّعي في هذه الاجتماعات مع الولايات المتحدة أنّها بحاجة إلى أسلحة نووية لردع الدول العربية التي قامت الولايات المتحدة بتسليحها، خاصة بالدفاعات الجوية، مما يجعل من المستحيل على إيران ردعها. بمعنى آخر، قد يكون موقف الإيرانيين بالنسبة للجمهور الإسلامي هو أنَّهم يعتزمون مهاجمة إسرائيل، حيث الهدف الحقيقي هو منع حرب أخرى. باتباع هذا المنطق الملتوي عمداً، قد يجادلون بأنَّه بدون خيار غير نووي لردع العرب، فإنَّ معاهدة حظر الأسلحة النووية تتركهم مكشوفين على مصراعيهم.
إذا كانت هذه هي الحجة التي يتم طرحها (وأعتقد أنهّا حجة جيدة)، فيجب على الولايات المتحدة تقليل الدفاعات الجوية العربية لوضع حجة أمام إيران للالتزام بمعاهدة نووية مع عمليات تفتيش كبرى. لذا فإنَّ الاحتمال الآخر، الذي تم توقيته أيضاً بالتوافق مع المحادثات النووية الإيرانية، هو أنَّ عملية الانسحاب هذه تمثّل دفعة أولى (عربون) لمعاهدة صارمة وحديدية. قد تحسب الولايات المتحدة أنَّ القدرات الإسرائيلية في هذه المنطقة قد تحل محل ما سحبته، لكن سيعرف الإيرانيون ذلك أيضاً.
لا يوجد تفسير واضح لهذا القرار، إنَّه مفاجئ وكاسح. هذا القرار لا يجعل الدفاع ضد إيران مُستحيلاً ولكنه أكثر صعوبة. والأهم من ذلك، أنَّه يثير تساؤلات في العالم العربي حول التزام الولايات المتحدة. عندما يكون هناك شيء غير واضح بخلاف كونه مُهماً بشكل واضح، فإنَّنا نصل إلى نقطة مثيرة للاهتمام.
عادة ما تكون مثل هذه التحركات بطيئة ومحدودة ومصممة لتهدئة الحلفاء، ولكن هذه الخطوة ليست ضمن المعتاد. لذلك، هناك شيء مهم يحدث- إلا إذا كانت مجرد خطوة خرقاء، لا تقلل من تأثيرها. إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ الولايات المتحدة اضطرت إلى تجريد الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط بسبب نقص الاحتياطيات لاستخدامها في أماكن أخرى لن تُصدَّق بسهولة.
نحتاج إلى معرفة ما إذا كانت هذه الأسلحة ستذهب إلى مكان آخر غير قاعدة عسكرية في الولايات المتحدة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنَّ الشيء الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه هو إيران.
- جورج فريدمان، عالم سياسية أمريكي وخبير استشاري جيوسياسي معترف به دولياً في الشؤون الدولية ومؤسس ورئيس شركة معهد"جيوبوليتكال فيوتشرز" التحليلي.
- معهد"جيوبوليتكال فيوتشرز" (النص الأصلي)
معالجة وتنقيح إلى العربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
-الصورة: رويترز