ممرضة تختبر عينة دم في هيئة مستشفى ابن سينا العام بالمكلا (سوث24)
23-05-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
يتحرج كثير من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) من الإفصاح عن إصابتهم به نظراً لارتباط معظم حالاته بالاتصالات الجنسية المختلفة، لا سيما في المجتمعات المحافظة التي تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
وفي حضرموت، جنوب اليمن، يربط المجتمع مباشرة بين مرض الإيدز والعلاقات المحرمة والمثلية الجنسية، رغم ثبوت انتقال الفيروس علميا عبر مسببات أخرى مثل عمليات نقل الدم، الحقن الطبية، حقن المخدرات، وغيرها من المسببات اللاجنسية الأخرى.
الإيدز
هو مرض يصيب الجهاز المناعي البشري ويسببه فيروس نقص المناعة البشرية إتش أي في (HIV)، وتؤدي الإصابة بهذه الحالة المرضية إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بشكل تدريجي ليترك المصابين به عرضة للإصابة بأنواع من العدوى الانتهازية والأورام. [1]
وعن هذا المرض، قال اختصاصي الأمراض السرطانية، الدكتور محمد الشنيني لـ "سوث24": "فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) يصيب خلايا CD4 ويؤدي إلى تدميرها، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن الجهاز المناعي".
وأضاف: "المرض لدى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يتطوّر إلى الإيدز عندما يقل عدد خلايا CD4 في الدم عن 200 خلية".
شعور بالذنب
يشعر بعض المصابين بفيروس نقص المناعة بالذنب والخزي من الإفصاح عنه، فيما يصبح البعض الآخر عدائيون، ويعملون على توسيع نطاق انتشار الفيروس بين الناس بمختلف الوسائل.
وحول ذلك، قال الدكتور فهد باجرفان، من مركز الحميات ومكافحة الإيدز بحضرموت "لا فائدة من الشعور بالذنب أو الخزي بسبب الإصابة بالفيروس".
وأضاف لـ«سوث24»: "ليس بالضرورة أن يكون كل من تكشف التحاليل أنّه مصاب بالمرض قد مارس علاقات جنسية مخالفة. يجب ألا يهيمن الفيروس على حياة المصابين به".
لكنّ بعض المصابين بالفيروس الذين تحدثوا لـ«سوث24»، قالوا: "هذا المرض يدمّر الثقة. لقد توقفت حياتنا وأصبحنا غير مقبولين في المجتمع".
مع ذلك، يقول باجرفان "إذا كان المصابون يخضعون للعلاج بالمضادات المثبطة، وأثبتت فاعليتها عليهم، فلن يكونوا ناقلين للعدوى، بنسبة كبيرة".
ولفت الشنيني إلى إن "الذين تمكنوا من تثبيط الفيروس ومحاصرته في أجسادهم عن طريق العلاج، وأصبح غير قابل للكشف عبر التحاليل، لا يمكنهم نقل المرض لأي شخص آخر حتى عن طريق ممارسة الجنس مرة أخرى".
وأضاف: "العلاجات الُمثبطة للفيروس تُمكّن غالبية المصابين من العيش حياة طويلة وصحية، ودونما أي قلق او مخاطر من نقل العدوى".
الأعراض
يختلف ظهور أعراض فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) من شخص لآخر اعتمادًا على مرحلة العدوى، وفقاً للدكتورة منى علي، استشارية طب الأطفال.
وقالت الاستشارية لـ "سوث24": "تظهر الأعراض غالبًا خلال فترة شهر أو شهرين من دخول الفيروس للجسم، ومنها: ارتفاع في درجة الحرارة، ألم في العضلات والمفاصل، صداع شديد، ألم في الحلق، طفح جلدي، تقرح في الفم أو الأعضاء التناسلية، تورم في الغدد اللمفاوية، إسهال مفرط وتعرّق ليلي".
وقال جرفان: "في حالة عدم اكتشاف المرض، وعدم تلقي العلاج، يتطور المرض إلى مرحلة بداية ظهور الأعراض المزمنة والإصابة المتكررة بعدوى الأمراض الانتهازية".
وأشار إلى أنّ "الفيروس يؤثر على الجهاز المناعي ويعمل على إضعافه، ويجعل من السهل إصابة الشخص بالأمراض الانتهازية وأنواع مختلفة من السرطانات، منها: التهاب السحايا والسل".
الإيدز والأطفال
أما عن الإيدز والأطفال، قالت الاستشارية منى علي إنَّ "المشكلة الحقيقية التي تواجهنا في الدول النائية، هي أنّ كثيراً من الأمهات الحوامل والمرضِعات لا يعلمن أنهن مصابات بالإيدز، ويساهمن في نشره بين أطفالهنّ دون دراية، لاسيّما عبر الرضاعة الطبيعية".
وأشارت علي إلى أنّ المرض "يأتي عن طريق الأزواج في معظم الأحيان".
وعن بداية الأعراض التي ترافق الأم المصابة بالمرض، أوضحت: "تكون الأعراض الأولية كعلامات الإصابة بمرض الأنفلونزا، مثل: ارتفاع في درجة الحرارة أو إسهال. أما الأعراض النهائية فتظهر بعد فترات أطول".
وأضافت: "ينتقل المرض إلى الأجنة وهم في رحم الأم المصابة في حالات عديدة، أبرزها: عمليات نقل الدم الملوث في المستشفيات".
وأشارت إلى أنَّه "كلما تأخرت عملية الولادة زادت فرصة إصابة الطفل بالفيروس. أما النسبة الطبيعية لإصابة الجنين بالفيروس إذا كانت الأم مصابة بالفعل هي 20%".
ولفتت إلى أن "الأعراض التي تدل على إصابة الطفل بالمرض كثيرة، منها: إصابته بالأمراض البكتيرية والفيروسية المتكررة، الإصابة بالفطريات وتضخم الغدد الليمفاوية والطحال والكبد، وعدم زيادة الوزن وتأخر النمو".
ووفقاً للاستشارية، "يضع الطب للأطفال المصابين بالإيدز متوسط عمر بين 8 إلى 10 سنوات كفرصة للبقاء على قيد الحياة، وقلما يكون الأطفال المصابين بخير".
ولا تعتبر استشارية طب الأطفال أنّ انتقال المرض في المستشفى "ناجم عن الإهمال أو التقصير". وأضافت: "بطبيعة الحال، فإنَّ المرض يظهر بعد فترة زمنية معينة ولا يمكن أن تكشفه الأجهزة الطبية في أول أيامه".
أمّا الدكتور باجرفان، فيرى أنَّ "إبر المخدرات الوريدية التي يتم مشاركتها مع متعاطين آخرين، تسهم بشكل كبير في انتشار المرض، إلا أنّها لا تحتل الصدارة".
وتحدث الاختصاصي عن "اكتشاف بعض الحالات النّادرة لزوجات وأطفال ورضّع، لم ينتقل إليهم المرض"، معتبراً أن ذلك "قدرة إلهية لا تفسير لها في مراجع الطب".
صدمة
ترفض كثير من النساء البقاء في عش الزوجية ما أن يعلمن بإصابة أزواجهن بالإيدز، ويبحثن عن الطلاق؛ لكنَّ احتمالية إصابتهن بالمرض تجبرهن - بضغط أسري - على البقاء مع أزواجهن. أم حامد، 36 عاماً، نموذج لهؤلاء النسوة.
قالت السيدة في حديث خاص لـ«سوث24»: "اكتشفت إصابتي بالمرض، أثناء الخضوع لفحوصات العمرة وأنا حامل بآخر أطفالي. طلبت الطلاق من زوجي لكنّه رفض".
وأضافت: "عُدتُ إلى منزل أبي على أمل أن يحتضن مُصابي، لكنّه لم يرحب بي وأعادني إلى زوجي بالإكراه؛ خوفاً من أن أنقل إليهم المرض بطريقة أو بأخرى".
وتابعت: "شعرت أنّ حياتي توقفت لوهلة. لم أستطع تحمل الفاجعتين مجتمعة. فكرت في الانتحار ملياً لكن لم أجرؤ، على الرغم من أنّ النهاية لا تختلف كثيراً. لقد كان الموت بالنسبة لي أهون من رؤية طفلي يولد ويتعذب ويدفع ثمن خطيئة أبيه".
وشرحت أم حامد طريقة انتقال المرض إليها وهي تجهش بالبكاء: "انتقل إليّ فيروس نقص المناعة من زوجي. لقد اكتشفت بعد ذلك أنّه كان على علم بإنّه مُصاب، ولم يكلّف نفسه عناء إخباري".
وأضافت: "حياتي مدمرّة الآن، لا أسرة تأويني، وبالفعل أنا أعيش مع زوجي في سجن مغلق. أنا أنتظر الموت فقط".
أمّا علي باقروان، فنّي مختبرات، فقال لـ «سوث24»: "أحياناً لا نتقيد بأدوات السلامة عندما نجري التحاليل الطبية لعدد من المرضى أو المتبرعين بالدم. تظهر تحاليلهم أنّهم مصابون بمرض الإيدز، وهؤلاء المصابون أنفسهم لا يعلمون بالإصابة".
وأضاف: "الله وحده الحافظ". وتساءل "أيّ كارثة ستحل بنا إذا انتقل إلينا عن طريق وخزة أو ما شابه ذلك".
من جانبه، لفت الدكتور باجرفان إلى "إنّ انتقال الفيروس عبر الوخز لا يشكّل خطراً كبيراً على الطواقم الطبية، شرط أن يتم تداركه خلال 72 ساعة على أقصى تقدير".
العلاج
على الرغم من أنّه لا يوجد حتى الآن أيّ لقاح فاعل يمنع العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أو علاج بعد الإصابة به، إلا أنّه هنالك لقاحات متوفرّة تعمل على تثبيط الفيروس ومحاصرته ومنع انتشاره.
وحول هذا، قال الدكتور باجرفان: "تتوفر لدينا مجموعة لقاحات تعمل على تثبيط الفيروس. هذه اللقاحات فعالة جداً خصوصاً في حال الاكتشاف المبكر".
وأضاف: "بعد تلقي المريض للعلاج، لن يستطيع أي شخص التمييز بين الشخص السليم والمصاب مطلقاً". وأشار إلى أنّ "هذا التطور العلاجي يخدم المريض ويُمكّنه من العيش بشكل طبيعي إلى حد ما".
وقال برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز إن فيروس نقص المناعة البشرية "لا يزال يمثل الوباء الأكثر فتكا في عصرنا". [2]
وأضاف: "منذ اكتشافه لأول مرة في أوائل الثمانينيات، أصيب ما يقدر بنحو 79 مليون شخص بالإيدز الذي لا يوجد له لقاح ولا علاج له حتى الآن. وتوفي حوالي 36 مليون شخص بسبب أمراض مرتبطة بالإيدز منذ بداية الوباء وأصيب 1.5 مليون شخص جديد في عام 2020.
ووفقاً للبرنامج، من بين 38 مليون شخص يعيشون مع الفيروس اليوم، هناك 28 مليونا يتلقون العلاج المنقذ للحياة ضد للفيروسات، مما يبقيهم على قيد الحياة وبصحة جيدة ويمنع انتقال العدوى.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة، إلا أن محور حضرموت [حضرموت، شبوة، المهرة وسقطرى] يعاني من انتشار ملحوظ للمرض؛ حيث بلغ عدد الإصابات نحو 13 حالة خلال العام 2020، وحالتي وفاة.
أما العام 2021 فقد سجّل الرقم الأكبر إذا بلغ عدد الحالات نحو 51، مقابل ثلاث وفيات فقط. فيما رصدت خلال العام 2022 نحو 10 حالات إصابة حتى الآن، مقابل حالتي وفاة فقط، وفقا لما وصل إليه «سوث24» من مركز الحميات ومكافحة الإيدز بحضرموت.
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات