من يسيطر على الأوضاع العسكرية في المهرة؟

ضباط شماليون في ندوة نظمتها سلطة المهرة بالغيضة، 26 يونيو 2022 (سوث24)

من يسيطر على الأوضاع العسكرية في المهرة؟

التقارير الخاصة

الجمعة, 26-08-2022 الساعة 12:24 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي 

كانت  الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً. على بعد أميال من عاصمة المهرة، الغيضة، مررنا بنقطة تفتيش. استقبلنا جندي يبدو أنَّه تعاطى نبتة القات منذ وقت باكر ذلك اليوم. لم يكلف الجندي نفسه كثيراً عناء السؤال أو إجراء تفتيش اعتيادي للتأكد من خلو الركاب من الممنوعات؛ وأومأ برأسه لسائق المركبة التي كنا نستقلها بالذهاب. 

تم منعنا من التقاط صورة للجنود أو النقطة التي لا يبدو أنَّها حصينة أمام أي عمليات تهريب للمنوعات والسلاح. بالنسبة لأبناء المهرة الذين تحدثوا معنا على طول الطريق، فمعظم النقاط التي تتواجد بالمحافظة هي تماما كالتي مررنا بها حيث يتواجد فيها جنود شماليون قدموا من خارج المحافظة قبل سنوات طويلة.

تنتشر في محافظة المهرة ألوية عسكرية عديدة، منها: اللواء 123 مشاة، في مديرية حات، واللواء 137 ميكا، في مديرية الغيضة. جميع هذه الألوية يسيطر عليها قيادات عسكرية شمالية، أبرزهم: اللواء محمد أحمد القاضي المتهم بارتباطه بالحوثيين وفقا لمصادر في السلطة المحلية تحدثت لـ "سوث24"، وطلبت عدم الكشف عن هويتها.

ويطالب أبناء المهرة بإخراج هذه القوات الشمالية وإرسالها إلى جبهات الشمال مع الحوثيين، وتشكيل قوات عسكرية محلية من أبناء المحافظة. هذه المطالب الشعبية يقودها المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى برئاسة الشخصية المهرية البارزة السلطان عبد الله آل عفرار. وآل عفرار هو أيضا عضو رئاسة الانتقالي الجنوبي.

احتلال؟ 

"القيادات العسكرية الشمالية والنافذون في المهرة يحاربون أي قائد عسكري يكن بالولاء للجنوب وهذه الأرض"، قال نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بالمهرة، مهدي حسَّان بلحاف، لـ "سوث24". وأضاف: "مكونات معادية للمحافظة ترفض تجنيد أبناء المهرة لتأمين محافظتهم على غرار النخبة الحضرمية في ساحل حضرموت والمحافظات الجنوبية الأخرى".

وتابع: "تجنيد أبناء المهرة سيظل على رأس الأولويات بالنسبة لنا. هذا حق من حقوقنا. لن نقبل باستمرار سيطرة وتجنيد الشماليين على حساب أبناء المهرة. هذا تكريس لنظام الاحتلال الشمالي للمحافظة وامتداد لسياسات القوى والأحزاب الشمالية بالمهرة"، على حد تعبيره.

في المقابل، قال نائب مدير الأمن والشرطة بمحافظة المهرة، العقيد أحمد علي رعفيت، لـ "سوث24": "أبناء المحافظات الشمالية في المهرة يمنيون بنهاية المطاف، وفي السلك العسكري والأمني لا يوجد تمييز بين أبناء البلد الواحد". وأضاف: "أبناء المهرة يتواجدون في السلك العسكري بشكل عام".

مخاطر  

يظنّ المحلل السياسي صلاح السقلدي، إنّ "خطر الحضور العسكري الشمالي في المهرة لا يقل عن خطر قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت". وأضاف لـ "سوث24": "بقاء هذه القوات يعني بالضرورة إعاقة تحقيق المشروع السياسي الجنوبي على أرض الواقع".

ويعتبر القيادي البارز في انتقالي المهرة مهدي بلحاف أنّ "بقاء القوات الشمالية في المهرة يمثَّل مصدر خطر على الجنوب". وزعم بأنّ "هذه القوات لديها ارتباط وثيق بالحوثيين والإخوان المسلمين ومافيات التهريب".

واتهم صحفيون ومسؤولون في المهرة، تحدثوا لـ "سوث24"، القوات الشمالية بالمحافظة بدعم جماعات محلية مسلحة مناهضة للتحالف الذي تقوده السعودية، وقريبة من الحوثيين وسلطنة عُمان، مثل جماعة الشيخ القبلي علي سالم الحريزي.

وفي حديث لـ "سوث24"، يعتقد الخبير العسكري وضاح العوبلي أنَّ "تواطؤ بعض الوحدات والتشكيلات العسكرية في المهرة مع جماعة الحريزي ليس ذاتياً ولكنَّه مدفوع بإيعاز من سلطنة عُمان مقابل بعض الدعم والامتيازات"، حسب تعبيره.

وحول علاقات القوات العسكرية بالمهرة، وجماعة الحريزي مع الحوثيين، يرى المحلل السياسي السقلدي أنَّ "العلاقة موجودة، وربما تشهد تنامياً وظهوراً أكثر للعلن، لاسيّما مع حالة الشعور بالتهميش التي تتملك الحريزي وحزب الإصلاح؛ بسبب التعيينات الأخيرة التي يشعر الحزب أنها تستهدفه".

على الجانب الآخر، قال نائب مدير أمن المهرة أحمد رعفيت: "الحريزي رجل قبلي، وجميع القبائل مسلحة ولها أفرادها". ويرى المسؤول الأمني أنّ ما يقوم به الحريزي "لا يعدو عن كونه نشاطاً قبلياً لا يمثَّل أي خطر على المحافظة أو الدولة".

وتخشى بعض القوى اليمنية من أنّ يقود تقليص نفوذها في محافظة المهرة، إلى تحقيق ما تصفه "انفصال" جنوب اليمن، الذي كان دولة قائمة حتى العام 1990، خصوصا وأنّ معظم أراضي الشمال بات تحت سيطرة الحوثيين.

من يسيطر على الأوضاع العسكرية في المهرة؟
تخشى بعض القوى اليمنية من أنّ يقود تقليص نفوذها في محافظة المهرة، إلى تحقيق ما تصفه "انفصال" جنوب اليمن، الذي كان دولة قائمة حتى العام 1990 (سوث24) 
 

الحضور السعودي 

في 29 أكتوبر 2021، أفادت مصادر محلية في محافظة المهرة لـ "سوث24" أن قائدة التحالف في اليمن، المملكة العربية السعودية، سحبت عدد واسع من قواتها في المحافظة بالتزامن مع انسحابات مماثلة من محافظة شبوة. 

ورغم هذه الانسحابات، يعتقد المحللون والمسؤولون أن السعودية لا زالت تتمتع بحضور عسكري بارز في المهرة نظرا لأهمية المحافظة ووقوعها على الحدود مع عُمان المنافسة. 

وحول ذلك، قال المحلل السياسي السقلدي أنّ السعودية عازمة "على ترسيخ نفوذها بمحافظة ترى الرياض أنها يمكن أن تصلح لتكون نافذة سعودية نفطية، للإطلالة على بحر العرب، والاقتراب من أسواق النفط والإفلات من مضيق هرمز".

لكن الخبير العسكري العوبلي يرى أنَّ "التواجد السعودي في المهرة بات محدوداً، ومقتصرا على مطار الغيضة وقاعدة أخرى". وأضاف: "هذا التواجد لم يعد كما كان عليه في العام 2019".

بالمقابل أكد نائب مدير أمن المهرة لـ "سوث24"، وجود قوات السعودية على الأرض. هذه القوات "تدعمنا أمنيا باستمرار، ولا نعلم ما إذا كانت هذه القوات سوف تنسحب". 

تهريب السلاح  

طوال الأعوام الماضية، تصدرت المهرة عناوين الأخبار عن محاولات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر منافذ المحافظة البرية والبحرية. كثير من هذه المحاولات أفشلتها القوات السعودية بالمحافظة، وحرس الحدود. ويعتقد مراقبون وخبراء أنَّ السيطرة العسكرية الشمالية على المهرة ساعدت في جعلها من أبرز مسارات تهريب السلاح للحوثيين.

ويستغرب السقلدي: "قطع تلك الأسلحة لآلاف الكيلومترات عبر المهرة الواقعة تحت سيطرة التحالف والشرعية اليمنية ووصولها للحوثيين. لم يكن لهذا أن ينجح لولا وجود جهات حكومية متواطئة مع الحوثيين بالتأكيد".
 
"الانقسامات والتباينات الأمنية والعسكرية تخدم المهربين بشكل عام" قال الخبير العوبلي لـ "سوث24". وأضاف: "كل ذلك صنع للمهربين بيئة خصبة لتهريب شحنات السلاح، وتمريرها عبر مسارات خاصة ومحددة إلى بعض مناطق الداخل اليمني".

وأشار العوبلي إلى أنّ "المعطيات والتقارير تؤكد أنّ المهرة بالفعل هي أحد أهم ممرات السلاح المهرب الى الداخل اليمني". ولفت الخبير إلى أنَّ المهرة "تتمتع بموقع استراتيجي مجاور لسلطنة عمان وقريب من الساحل الإيراني". 


في المقابل، يرفض نائب مدير أمن المهرة العقيد أحمد رعفيت الادعاءات حول كون المحافظة هي الممر الأساس في عمليات تهريب السلاح للحوثيين وارتباط ذلك بالقوات العسكرية والأمنية الشمالية.

وقال رعفيت: "جميع المناطق المطلّة على البحر تُعتبر ممراً للتهريب. ذلك يحدث في حضرموت والحديدة أيضاً. وبينما يتهم البعض القوات العسكرية في المهرة بالتعاون مع الحوثيين في عمليات التهريب، قال المسؤول الأمني: "نحن لا نتّهم أي جهة معينة، والأجهزة الأمنية تقوم بدورها وواجبها الديني والوطني على أكمل وجه".


موفد مركز سوث24، عبد الله الشادلي مع نائب مدير أمن المهرة، العقيد أحمد رعفيت، 26 يونيو 2022 (سوث24) 
 

نقل القوات الشمالية 

تطالب القوى المجتمعية والسياسية في المهرة، وبمقدمتها المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى والمجلس الانتقالي الجنوبي، بإخراج القوات الشمالية من المحافظة وإحلال قوة محلية من أبناء المحافظة مكانها، على غرار ذات المطالبات في حضرموت المجاورة.

وحول ذلك، قال الخبير وضاح العوبلي: "لا اعتقد أن المهرة ستكون استثناءً عن حضرموت، بل ستكون امتداداً لها في أي إجراءات تخص الشأن السياسي، ومثله: الشأن الأمني والعسكري". 

ويوم الثلاثاء، أصدر وزير الداخلية اليمني، اللواء إبراهيم حيدان، قراراً بتعيين الضابط الشمالي صالح محمد ناصر الماوري، المقرب من حزب الإصلاح، قائداً للقوات الخاصة في محافظة المهرة، خلفا للعقيد شائع العلهي. رفض المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، في اجتماع الأربعاء، ذلك القرار في اجتماع اليوم التالي.

وتعليقا على ذلك، قال رئيس المجلس وعضو هيئة رئاسة الانتقالي، السلطان عبد الله آل عفرار: "المهرة تمتلك من الكوادر الوطنية والكفاءات المؤهلة لإدارة شؤونها كغيرها من المحافظات الأخرى".

وأضاف آل عفرار في صفحته على فيسبوك: "لا يوجد مجال للقرارات التعسفية والقبول بانتداب القيادات العسكرية أو المدنية غير أبناء المحافظة. يتطلب من الجميع الوقوف صفاً واحداً والتصدي للأخطار المحدقة التي تحاك للمحافظة وأبنائها".



صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير ميدانية خلال زيارة فريق مركز سوث24 لمحافظة المهرة
لقراءة التقريرين السابقين:




جنوب اليمن المهرة حضرموت الغيضة القوات الشمالية المجلس الانتقالي الجنوبي