ميناء عدن الاستراتيجي (Marineinsightا
02-03-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
في منتصف فبراير الفائت، أعلنت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران ووسائل إعلام سعودية، بدء دخول السفن التجارية إلى ميناء الحديدة "دون احتجاز أو تأخير"، ضمن مساعي اتفاق هدنة مع الرياض بوساطة سلطنة عمان.
وأتى هذا الإعلان بعد إجراءات فرضتها الجماعة على دخول البضائع القادمة من ميناء عدن إلى محافظات شمال اليمن في نقاط جمركية برية، وفقا لمصادر محلية وتجارية لـ "سوث24". كما تزامن مع قرارات حكومية في عدن برفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 50%.
أثارت هذه التطورات التساؤلات والمخاوف من تراجع أداء ميناء عدن الاستراتيجي وموانئ جنوب اليمن الأخرى لصالح ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين، في ظل الأنباء عن تغيَّر مسار الرحلات التجارية البحرية بالفعل نتيجة هذه التطورات.
وفي تصريحات سابقة لـ "سوث24"، قال رئيس الغرفة التجارية في العاصمة عدن إنَّ التجار بدأوا باستيراد البضائع عبر ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين [بعد التسهيلات التي قدمَّها التحالف] بسبب منع الجماعة عملية الاستيراد عبر ميناء عدن.
ونفت وزارة النقل اليمنية في عدن، في بيانات متفرقة، صحة تغَّير مسار الرحلات البحرية باتجاه ميناء الحديدة، كما هددت مؤسسة موانئ خليج عدن التابعة لها بفرض عقوبات على شركات "مخالفة" تعاملت مع الحوثيين، طبقا لوثائق اطلع عليها "سوث24".
في هذا التقرير، يتحقَّق مركز "سوث24" من مدى صحة الأخبار عن تراجع أداء ميناء عدن لصالح الحوثيين مؤخراً، ويستضيف وزير النقل في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا للإجابة عن العديد من الاستفسارات، وشخصيات أخرى.
الرحلات البحرية
تشير البيانات على موقع Marine Traffic المتخصص في متابعة السفن والمراكب إلى تراجع فعلي في نشاط ميناء عدن خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام، مقارنة بنشاط الميناء في الفترة ذاتها من العام المنصرم 2022.
وطبقا للبيانات، التي جمعها ورصدها سوث24، استقبل ميناء عدن خلال يناير وفبراير 2022 بواخر وصل عددها إلى 82 باخرة نفط وبضائع ومواد سائبة وغيرها من الشحنات، مقابل 69 باخرة خلال العام 2023.
الرحلات البحرية إلى ميناء عدن في يناير وفبراير 2022 (مركز سوث24 عبر موقع Marine Traffic المتخصص)
الرحلات البحرية إلى ميناء عدن في يناير وفبراير 2023 (مركز سوث24 عبر موقع Marine Traffic المتخصص)
بالمقابل، ارتفع عدد البواخر التي وصلت ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين من 27 باخرة خلال يناير وفبراير 2022، إلى 42 باخرة خلال الفترة نفسها من العام الجاري. وتؤكّد هذه البيانات زيادة نشاط الميناء على حساب ميناء عدن.
الرحلات البحرية إلى ميناء الحديدة في يناير وفبراير 2023 (مركز سوث24 عبر موقع Marine Traffic المتخصص)
الرحلات البحرية إلى ميناء الحديدة في يناير وفبراير 2022 (مركز سوث24 عبر موقع Marine Traffic المتخصص)
وأكَّدت مصادر خاصة لـ "سوث24"، في جمارك عدن، تراجع كثير من الشحنات التجارية التي كانت تدخل ميناء عدن خلال الأسابيع الماضية، لاسيما مواد البناء مثل الأسمنت والطلاء، والجير، والرخام، وغيرها.
لكنَّ وزير النقل في الحكومة الشرعية، الدكتور عبد السلام حميد، قال في تصريحات خاصة لـ "سوث24" إنَّ "حركة نقل السفن والبواخر إلى ميناء عدن وبقية الموانئ لم يطرأ عليها تغيير"، لافتاً إلى أن الأنباء عن فتح ميناء الحديدة "عارية عن الصحة."
وأضاف الوزير: "الحكومة على تنسيق تام مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة، وتدرك حساسية الوضع وأهمية ما يقوم به الأشقاء والمجتمع الدولي من جهود رامية للوصول إلى هدنة طويلة."
ولفت حميد إلى أنَّهم في الحكومة قد ناقشوا "طرق تعزيز آليات التنسيق لدخول البواخر إلى ميناء عدن والموانئ المحررة والإجراءات الكفيلة بتقديم كافة التسهيلات للتجار ومستوردي البضائع والسلع الاستهلاكية."
وفي 15 فبراير الماضي، انعقد اجتماع لوزارتي النقل والصناعة والتجارة في عدن، بحضور رئيسي الغرفة التجارية والغرفة الملاحية والوكلاء الملاحيين، وفقاً لإعلام مؤسسة موانئ خليج عدن.
وصدر عن الاجتماع الوزاري بيان جاء فيه: "تود وزارتا النقل والصناعة والتجارة تنبيه الأخوة التجار بأنَّه لا يوجد أي تعديل في إجراءات دخول البضائع لموانئ البلاد المختلفة بما في ذلك ميناء الحديدة."
ووصف البيان الأخبار عن تحويل شركات التجارة والملاحة وجهاتها البحرية نحو ميناء عدن بـ "الشائعات التي تحاول الالتفاف على القانون وعلى الآليات المتفق عليها مع كل من الحكومة اليمنية الشرعية وقيادة التحالف والأمم المتحدة."
وأشار البيان إلى أنَّ "وزارتي النقل التجارة بصدد الإعلان عن مجموعة من الإجراءات والتعليمات التي ستعيد تنظيم حركة التجارة في الموانئ المختلفة بما يضمن سهولة ويسر وصول البضائع ويساهم في رفع كفاءة عملية النقل والإيصال."
وحتَّى الآن، لم يتم الإعلان رسمياً عن أي من تلك الإجراءات. وتواصل مركز "سوث24" مع قيادة مؤسسة موانئ خليج عدن للاستفسار عن الوضع الراهن لحركة التجارة والملاحة في ميناء عدن، إلا أنَّنا لم نتلق رداً حتَّى لحظة نشر التقرير.
وحذَّر البيان من أنَّ "الانجرار وراء إشاعات المليشيات الحوثية للتملص من الالتزام بتطبيق الإجراءات القانونية المعمول بها وتحت أي مبرر، سيعرض للعقوبات القانونية وصولاً إلى القائمة السوداء."
وأظهرت وثائق رسمية، اطلع عليها سوث24"، تحذيرات من وزارة النقل في 22 فبراير الماضي لشركتين ملاحيتين وافقتا على نقل البضائع لميناء الحديدة الخاضع للحوثيين بسحب التراخيص ووضعهما بالقائمة السوداء.
وخاطبت الوزارة شركتي "الحديدة للملاحة والنقل" و"الشرق الأوسط للملاحة"، وهما شركتان ورد اسمهما في تقرير لصحيفة "26 سبتمبر" الحوثية إلى جانب "شركة سبأ العالمية" و"شركة حلال" للملاحة على أنَّها شركات رفضت التوجيهات الحكومية في عدن.
ولم نتمكن من التواصل مع الشركات الملاحية الأربع للإجابة على التساؤلات، إلا أنَّ مصادر خاصة لـ "سوث24" في جمارك عدن ذكرت أنَّ عدداً من الشركات الأخرى بدأت بالتعامل مع ميناء الحديدة، بينها شركتا "الفقير للمقاولات العمومية والبنية التحتية" و" ومجموعة اليمني" التجارية.
وفي 18 فبراير الماضي، عقد الحوثيون اجتماعا أعلن "جهوزية ميناء الحديدة لاستقبال كل أنوع سفن الحاويات، بما في ذلك ميناء الصليف، وكذا ميناء رأس عيسى."
وزعمت وزارة النقل التابعة للجماعة، في 25 من ذات الشهر، وصول عدَّة سفن تحمل مواد غذائية وبناء ومشتقات نفطية ومنها سفينة حاويات، تحوي 724 حاوية بضائع، إلى ميناء الحديدة وميناء الصليف وميناء رأس عيسى.
وفي 28 فبراير، قال إعلام الحوثيين إنَّ مديرة مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن "روكسانة بازرجان"، التقت وزير النقل عبدالوهاب الدرة في ميناء الحديدة "مع وصول عدة سفن إلى أرصفته."
وفي تقرير سابق لـ "سوث24"، قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الخبير مصطفى نصر إنَّ "فتح ميناء الحديدة بالتأكيد ستكون له تداعيات سلبية على ميناء عدن والموانئ الأخرى التابعة للحكومة لاسيما إذ تمَّ فتح الميناء لدخول الحاويات."
القرار "الكارثي"
في مطلع يناير الماضي، أقر مجلس الوزراء اليمني برئاسة معين عبد الملك إجراءات من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى - الذي يرأسه عبد الملك أيضاً - برفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 50% من 500 ريالًا يمنيُا إلى 750 ريالًا.
وصاحب القرار أيضاً جرعة سعرية مركبة في المشتقات النفطية والغاز المنزلي والمياه والكهرباء، ضمن ما وصفته بالإصلاحات الاقتصادية. لاحقا، دعت الكتلة الوزارية للمجلس الانتقالي الجنوبي ووزراء جنوبيون آخرون للتراجع عن القرار ودراسته.
ورغم قرار المحكمة الإدارية في عدن بتعليق ذلك القرار في 6 فبراير الماضي، أكدت مصادر خاصة لـ "سوث24" في الحكومة وجمارك عدن استمرار العمل به حتَّى اللحظة رغم تزامنه مع محاولات الحوثيين لإضعاف دور ميناء عدن.
وفي حديث لـ "سوث24"، وصف تجار في عدن هذا القرار بـ "الكارثي". وقال أحد التجار إنَّ القرار ساعد في خلق فجوة بين ميناء عدن وميناء الحديدة لصالح الحوثيين، جعلت للأخير الامتياز من ناحية تكاليف جمركة البضائع.
وقال التاجر الذي فضَّل عدم ذكر اسمه: "آلية التفتيش للسفن في موانئ أخرى قبل ميناء عدن ومن ثم هذا القرار جعلا ميناء عدن يخسر امتيازاته الاستراتيجية والضخمة بالنسبة لنا كتجار. هذا الميناء في الوضع الطبيعي يتفوق على ميناء الحديدة، حتى لو فُتح الأخير بشكل كامل."
ولفت التاجر إلى أنَّ قرار تخفيض الجمارك بنسبة من قبل الحكومة اليمنية في يناير 2017 "عمل آنذاك على تعزيز ميناء عدن حيث تركت العديد من الشركات ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين"، محذرا من حدوث العكس اليوم.
وكان رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن دغر قد وجه بمذكرة في مطلع 2017 بتخفيض رسوم الجمارك في ميناء عدن، دون تحديد نسبة التخفيض.
وفي وقت سابق، انتقد قيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي قرار رفع سعر الدولار الجمركي وآلية التفتيش للسفن [التي تتم في ميناءي جدة وجيبوتي]، مشيرًا إلى الآثار السلبية على ميناء عدن.
وقال نائب خارجية الانتقالي أنيس الشرفي على تويتر: " منذ 2015 والجنوبيون يطالبون بنقل آلية تفتيش السفن الداخلة لموانئ البلاد إلى ميناء عدن، بما في ذلك مخاطبات عدة وجهود بذلتها قيادة الانتقالي ووزير النقل، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث [..]"
وانتقد الشرفي قرار رفع سعر الدولار الجمركي متهماً الحكومة برئاسة معين عبد الملك بمضاعفة السعر "على النحو الذي يضمن كساد مينائي عدن والمكلا نهائيا وريادة ميناء الحديدة ومن ثم دعم خزينة الحوثيين."
ويبلغ سعر الدولار الجمركي في شمال اليمن الخاضع للحوثيين، 250 ريالاً مقابل 548 ريالاً لكل دولار أمريكي في الأسواق. وفي الوقت الراهن، يبلغ سعر الدولار الجمركي في عدن 750 ريالاً أمام 1220 ريالاً لكل دولار في الأسواق.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ قرار رفع سعر الدولار الجمركي من قبل الحكومة اليمنية نص على إعفاء المواد الغذائية الأساسية، لكنَّ مصادر مسؤولة في الجهاز المركزي للإحصاء قالت لـ "سوث24" إن ارتفاع الأسعار بسبب القرار طال العديد من السلع الغذائية.
وأشارت المصادر إلى أنَّ نشرة سعرية سيصدرها خلال الفترة القادمة ستكشف نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب القرار. ولم تتجاوب وزارة الصناعة والتجارة مع طلب "سوث24" بالحصول على إيضاحات للعديد من الاستفسارات.
وفي يوليو 2021، كانت الحكومة اليمنية قد رفعت سعر الدولار الجمركي بنسبة 50% من 250 ريالاً إلى 500 ريالاً، كما حدث مطلع هذا العام. ورغم أن القرار أيضاً نص على إعفاء المواد الغذائية الأساسية، ارتفعت أسعار هذه المواد لاحقا بصورة كبيرة.
الأفضلية
يقلل الخبير الاقتصادي د. يوسف محمد من مخاطر ميناء الحديدة على ميناء عدن الاستراتيجي.
وقال الخبير لـ "سوث24": "لايزال ميناء الحديدة يفتقد للرافعات الحديثة العملاقة. في الوقت الراهن لا يمكن أن نقول إن ميناء الحديدة أصبح بمقدوره أو يستطيع أن يسحب عملية الاستيراد من ميناء عدن."
وأضاف: "من منظور المنافسة بين ميناء الحديدة وميناء عدن أعتقد أنَّ المنافسة ستكون لصالح ميناء عدن بسبب موقعة وسرعة عمليات التفريغ فيه. ميناء الحديدة ميناء داخلي مغلق بعكس ميناء عدن."
ولفت وزير النقل عبد السلام حميد في تصريحاته لـ "سوث24" إلى أنَّ "وزارة النقل والحكومة اليمنية ليستا ضد فتح موانئ الحديدة، لكن شريطة أن يتم ذلك من خلال اتفاق هدنة أو تسوية سياسية واضحة تراعي مصالح كافة الأطراف."
وأضاف: "حينها ستعمل الحكومة اليمنية الشرعية ومؤسساتها على رفع القدرات التنافسية للموانئ البحرية والمنافذ البرية من خلال تحسين وتعزيز البيئة التجارية والنشاط الاقتصادي الملائم، ومعالجة أوجه القصور والاختلالات."
وأشار الوزير إلى أنَّه "تمَّ البدء فعلا بالخطوات التي تجعل من الموانئ البحرية تقدم خدماتها للتجار والمستوردين بصورة جيدة وفاعلة."
وبالرغم من هذه الأفضلية الواضحة، تهدد آلية التفتيش المفروضة على ميناء عدن، في ميناء جدة في المملكة العربية السعودية إلى جانب قرار رفع سعر الدولار الجمركي الأخير، بتثبيط وتعطيل جزء كبير من نشاط هذا الميناء لصالح ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين، خصوصا إذا تم فتحه بشكل كامل رسميًا ضمن أي صفقة قادمة.
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر