27-06-2020 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| إياد قاسم
تستمر قناة الجزيرة القطرية التي تم تأسيسها في العام 1996، في التهاوي عربياً ودولياً، بعد أن كانت خلال سنوات مضت أبرز وجهات المشاهد العربي، وسط اتهامات أمريكية حديثة لقطر باستخدام هذا الإعلام لصالح إثارة الفرقة والطائفية والعنف في المنطقة.
كانت قد تصدّرت قناة الجزيرة (العربية) قائمة المشاهدة عربيا باعتبارها من أوائل القنوات التي انتهجت في بداياتها الأولى مفهوم "الرأي والرأي الآخر"، في واقع كان الإعلام الرسمي العربي هو المتسلط على وعي الجماهير وموجّه دفة قناعاتهم، لكنّ هذا التفاؤل سرعان ما بدأ ينهار وتحومُ حوله الشكوك، بعد أن تحوّلت القناة إلى أداة ضغط بيد النظام الحاكم في قطر وجماعة الإخوان المسلمين المتمكنة في سياسات الدوحة، لتصفية حسابات الدولة السياسية، تجاه كثير من دول المنطقة وقضايا الإقليم والعالم، منها تغطياتها الإعلامية والسياسية تجاه التطورات في جنوب اليمن.
كلينتون وتقرير الخارجية
قبل ست سنوات من اليوم وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون قناة الجزيرة القطرية في كتابها الشهير "خيارات صعبة" الصادر أواخر العام 2014، بأنها "أهم مصدر إخباري مؤثر في الشرق الأوسط." في سياق سردها لأحداث ما سمي "الربيع العربي" والأحداث في مصر على وجه الخصوص.
وفي يونيو 2020 تُوجّه وزارة الخارجية الأمريكية نفسها لدولة قطر اتهامات قاسية بـ "رصد محتوى إعلامي قطري يحض على التفرقة والطائفية والعنف"، وذلك في سياق تقريرها الحديث عن الإرهاب حول العالم لعام 2019.
وأشارت الخارجية الأمريكية إلى أنّ الدوحة لم تبذل الجهد الكافي للقضاء على "المحتوى التعليمي والديني الذي يتبنى التعصب والتمييز والطائفية والعنف"، مشيرة إلى أنّ "الأمثلة لا تزال موجودة في الكتب المدرسية وتُنشر عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى."
اقرأ أيضا: الإعلام القطري يشبّه الجنوبيين بالصهاينة ويدعو لإبادتهم
منصات قناة الجزيرة القطرية باتت مؤخراً، مساحة مفتوحة لشخصيات يمنية متهمة بـ "خلفيات دينية متطرفة وانتمائها لتنظيمات تتبع القاعدة وجماعة النصرة والإخوان"، تبنّت دعوات تحضّ على العنف والقتل بصورة مباشرة ضد السكان في جنوب اليمن، بين هؤلاء عادل الحسني وأنيس منصور، المقميَن في تركيا، بحسب نشطاء بارزين من جنوب اليمن.
قالت تقارير سياسية واستخبارية مؤخراً أنّ قطر تسعى لتحقيق نفوذ سياسي وعسكري لتركيا في اليمن. شنّت وسائل إعلام سعودية هجوماً واسعا ًعلى مساعي الدوحة لإرباك جهود التحالف في جنوب اليمن، بعد أن تحوّلت قناة الجزيرة لمنصة إعلامية مفتوحة لشخصيات سياسية وإعلامية ونشطاء ورجال دين يمنيين يقيمون في تركيا، ويجاهرون بالـ "العداء" لدولتي السعودية والإمارات، ويحرّضون على المعارك العسكرية الأخيرة في أبين".
غضب قَطر وسُقطرى
كان واضحا حجم الغضب الشديد الذي انعكس على تناول قناة الجزيرة القطرية للأوضاع في جنوب اليمن، عقب طرد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي لقواتٍ حكومية، يسيطر عليها حزب التجمع اليمني للإصلاح، من جزيرة سقطرى الاستراتيجية في خليج عدن يوم 19 و 20 يونيو من عاصمة الأرخبيل، حديبو.
لا تٌخفي قناة الجزيرة القطرية رغبتها في طرد أي حضور سعودي وإماراتي من الجزيرة الجنوبية. وتتهم المجلس الانتقالي الجنوبي بتنفيذ أجندة هاتين الدولتين.
لكنّ هذا الأمر نفاه الدكتور اليمني محمد جُميح، وهو سفير لدى منظمة اليونسكو عن الحكومة اليمنية، في حديث لبرنامج زوايا الحدث الذي تبثه قناة بلقيس الممولة من قطر.
قال جميح يوم أمس الجمعة: "لا يمكن بحال من الأحوال، حتى وإن سيطر الانتقالي على عدن وسقطرى، وإن كانت تدعمه الإمارات، أن تُصبح هذه الأراضي جزءاً من الإمارات".
وعلى ذات الصعيد، أفردت قناة الجزيرة القطرية والإعلام الذي تموّله الدوحة، طيلة السنوات الماضية، وعقب إخراجها من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، مجموعة برامج خاصة قام بها صحفيون من شمال اليمن يعملون في الدوحة، وينتمون تنظيميا لجماعة الإخوان المسلمين، حاولت استهداف أجهزة الحزام والنخب الأمنية في جنوب اليمن، وحرّضت ضده بصورة جليّة وعلنية، كما هاجمت مساعي التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
اقرأ أيضا: الخارجية الأمريكية: مكاسب مكافحة الإرهاب في اليمن تراجعت بعد حلّ قوات (النخبة)
لقد حاولت قطر تصفية حساباتها السياسية (إعلاميًا) مع أبو ظبي في ملفات جنوب اليمن. لطالما هاجمت قناة الجزيرة دولة الإمارات بالسعي لفرض نفوذ لها في منطقة خليج عدن وباب المندب والقرن الإفريقي. لكنّ إعلام الدوحة، بذات الوقت، لا يتوانى عن تشجيع المساعي التركية غير العربية في التدخل في هذه المنطقة والشؤون العربية البينية.
قطر نفسها باتت قاعدة رسمية أيضاً لقرابة خمس ألف جندي تركي، عقب مقاطعة دول خليجية لها في العام 2017.
من كبار العقول إلى صغارها
لم يقتصر الأمر فقط على تحوّل وتراجع السياسة الإعلامية لخطاب القناة القطرية (الناطقة بالعربية) لصالح سياسة الدوحة والجماعات التي تموّلها أو الدول الحليفة لها في الإقليم، بل تعداه إلى تحوّل وتراجع الأداء الإعلامي كقيمة فكرية، نتيجة عزوف كثير من المفكّرين والأدباء وصناع الرأي والسياسية في المنطقة العربية من الحضور على شاشتها.
فمثلا برنامج القناة العربية الشهير "بلا حدود" الذي استضاف لفترات نخبة من صناع الفكر والسياسة، من ذوي الوزن الفكري والسياسي الثقيل في الملف اليمني، بات اليوم يكتفي باستضافة شخصيات مرتبكة، لا تملك تاريخاً سياسياً أو فكرياً، فضلا عن ظهورها متناقضة، أقرب ما تكون إلى أنّ ما تقوله كان بطلب مُسبق من إدارة البرنامج بذلك.
عادل الموفجة، من سجينٍ على ذمة ارتباطه بتنظيم أنصار الشريعة في أبين إلى محلل استراتيجي، وظفته القناة، ليعكس توجهها السياسي في الملف اليمني، ولا بأس أن يتحّول برنامج بلا حدود، الذي استضافه في 18 ديسمبر 2018، إلى طبق ترويجي يمنح الضيف صفة "المهم" لدى مشاهدي الفضائية. المهم أن يتجرأ هذا الضيف ويُفتي من على شاشتها بعد ذلك بـ "قتل الإمارتيين، واجتياح عدن".
البرنامج والقناة نفسيهما استضافا في فبراير 2019 أيضا الشخصية المثيرة للتندر في وسائل التواصل الاجتماعي، "علي البجيري"، المقرب السابق من الرئيس اليمني هادي، ليتحدث عن "دور اليمنيين في التصدي لأجندات التحالف السعودي الإماراتي للسيطرة على الجنوب."
كانت هذه هي البداية التي أعلن فيها البجيري عن الطلاق مع حكومة هادي، وإعلان الحرب على الرياض وأبو ظبي، والدعوة الصريحة المتكررة لتدخل تركيا في المشهد اليمني، وإن "أخذوا حقهم وحق اليمنيين جميعا" كما يقول.
الحال نفسه مع من تُصّر قناة الجزيرة القطرية أن تسميه بـ "شيخ مشائخ سقطرى"، عيسى بن ياقوت، الذي يطالب بإخراج المجلس الانتقالي من الجزيرة بالقوة، ويدعو لقتال السعوديين والإماراتيين.
لا ضير أن يظهر بن ياقوت، بالنسبة لمعايير الكفاءة السياسية والإعلامية الجديدة للقناة القطرية، متناقضاً في أكثر من مرة، وبذات المحاور التي وكما يبدو لم يحفظها بشكلٍ جيد.
الشيخ جاب العيد ،،،، pic.twitter.com/DxtdWeBdfb
— بدر العبدلي (@egl3000) June 26, 2020
إن الانحدار الذي تبديه قناة الجزيرة، في السلوك والأداء الإعلامي، سواء ذلك الذي لا يتفق ومعايير العمل الصحفي والإعلامي، أو ذلك الذي بات رهين الأجندة السياسية الخاضعة لحسابات الدولة القطرية والجماعات الإسلامية التي تدعمها، يدفعها بالضرورة للبحث عن ضيوف مفترضين لتمرير هذه السياسة، إذ لا يبدو أن مفكّرين وكتاب وسياسيين ذوي وزن ثقيل، سيقبلون بأن يكونوا حصان طروادة في هذه الملفات.
الباحث الجنوبي المقيم في ألمانيا أمين اليافعي انتقد الكيفية التي تتعاطى معها قناة الجزيرة مع ضيوفها الذين لا يمثّلون أجندة القناة"، مشيرا إلى أن "الضيوف المعارضين والمذيعين الأكثر شراسة يتولون مقاطعته والاشتباك معه وإمساكه في خناقه لمنعه من توصيل وجهة نظره".
كما أشار اليافعي في منشور له على فيسبوك، إلى أن هناك ضيف يمثّل دور وجهة نظر المعارضة، "وتريد الجزيرة تلميعه وتأهيله للقيام بدور ما في المستقبل وفي قلب الطرف الخصم"، هؤلاء بحسب اليافعي يتم منحهم "الوقت الأكبر، ويُكثر المذيعون بالحديث عن الحيادية ومنح الفرصة كاملة للضيوف".
يقول موقع الجزيرة النت، وهو أحد منصات القناة الإلكترونية بأن "قياس التأثير الإعلامي الأجنبي في العاصمة واشنطن من خلال طريقتين أساسيتين: أولاهما تتمثل في عدد الاقتباسات من قبل المسؤولين الرسميين، وثانيهما تتمثل في عدد مرات ظهور شخصيات من العيار الثقيل على شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد."
تضم شبكة قناة الجزيرة حاليا خمس قنوات تلفزيونية (الإخبارية والإنجليزية والوثائقية والجزيرة مباشر والجزيرة بلقان)، فضلا عن إغلاق قناة الجزيرة أمريكا في 2016، وتملك أيضا منصات القطاع الرقمي مثل AJ+ وموقع الجزيرة نت، إضافة إلى معهد الجزيرة للإعلام، ومركز الجزيرة للدراسات، ومركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، ويعمل في شبكة الجزيرة قرابة أربعة آلاف موظف، ولدى المؤسسة 70 مكتبا في مختلف أنحاء العالم، بحسب مصادر قناة الجزيرة نفسها.
لربما لا تزال تحافظ قناة الجزيرة الإنجليزية على تأثير محدود في أوساط المشاهد الأمريكي، لكن حتى هذا الأخير تأثّر بفعل السياسة الإعلامية الرسمية للقناة تجاه ملفات سياسية معقدة وتورطها العلني في تبنيها، بينها التدخل التركي في ليبيا، وحرب اليمن، وتمويل الجماعات الإرهابية، فضلا عن بعض الملفات السياسية ذات الاهتمام للمشاهد خارج المنطقة العربية، وما يتصل منها بتطورات الملف السياسي في واشنطن.
ولا يبدو أبدا أن القناة الناطقة بالعربية بات لديها الإمكانية المنفردة في اقتباس حديث المسؤولين الرسميين أو ظهور شخصيات "العيار الثقيل" فيما يتعلق بالملف اليمني. يكفي أن يكون عادل موفجه وصالح الجبواني وتسجيلات أحمد الميسري وربما ياسين التميمي أو عيسى ياقوت هي أبرز "عيار" من الشخصيات اليمنية، التي باتت الجزيرة تعتمد عليهم في توجيه الرأي، لتبرير سياستها الإعلامية ونهج الدولة القطرية في جنوب اليمن على وجه الخصوص.
إياد قاسم (الشعيبي): رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث وصحفي