قمة أبوظبي التي جمعت زعماء خليجين وعرب في يناير 2023 (رسمي)
27-04-2023 at 7 AM Aden Time
مركز سوث24
منذ اتفاق العلا في المملكة العربية السعودية في يناير 2021، الذي أعاد علاقات دول الرباعية مع دولة قطر، استمرت جهود الدول العربية الفاعلة في المنطقة في تجميع شتاتها وإعادة قراءة حساباتها السياسية الخارجية ضمن استراتيجية "تصفير الأزمات" لترتيب البيت الداخلي والإقليمي. هذه التفاهمات برزت في توجه دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لتحسين علاقاتيهما مع تركيا، والخروج من دائرة التأثير المباشر في الملف الليبي، وإستئناف العلااقات مع سوريا، وتوقيع الرياض اتفاقية استئناف العلاقات مع خصمها التاريخي اللدود في المنطقة، إيران، برعاية الصين. يأتي ذلك وسط مساعي إقليمية لإنهاء الصراع في اليمن، الذي دخل عامه التاسع أواخر مارس الماضي.
يشير توجه الدول العربية إلى المصالحة، إلى استعدادها لتنحية خلافاتهم جانبا والعمل من أجل منطقة أكثر سلامًا واستقرارًا. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات وعقبات تحتاج إلى معالجة. لا يزال الصراع في اليمن مستمراً، ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان التحالف الذي تقوده السعودية إنهاء الصراع دون تقديم تنازلات كبيرة لصالح مليشيات الحوثيين، خصوصا عقب زيارة وفد سعودي إلى صنعاء في 9 أبريل الجاري التقى خلالها قيادات بارزة من الجماعة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قضية الوضع المستقبلي لجنوب اليمن والدعوات إلى الاستقلال دون حل، خصوصا بعد ما أفرزت الحرب واقعا منقسما كما كان عليه الحال قبل توحيد البلدين في مايو 1990.
يمكن أيضًا اعتبار تطبيع العلاقات مع مختلف دول المنطقة، بما في ذلك تركيا وإيران، خطوة إيجابية نحو تخفيف التوترات في المنطقة. لكن بعض هذه المصالحات قوبلت بمقاومة وانتقادات من بعض الأطراف في المنطقة، خصوصا اسرائيل، وكذلك انزعاج واشنطن. كما انّ هذه التطورات، من المرجّح، أن تؤثر على ميزان القوى الدولي ودور الولايات المتحدة في المنطقة. ومع انشغال الولايات المتحدة بالصراع في أوكرانيا وتركيز خططها الاستراتيجية على الوضع في بحر الصين الجنوبي وتايوان، قد تشعر بعض الدول العربية أنها بحاجة إلى تحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها واستقرارها الإقليمي.
على الجانب الآخر من العالم العربي، في إفريقيا، يعد النزاع العسكري الأخير في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مصدر قلق كبير قد يكون له تداعيات أوسع على أمن المنطقة. ويبرز التساؤل حول من هو المستفيد من تصعيد الصراع في السودان، خاصة وأن الدول العربية تعمل على تسوية خلافاتها وإقامة جبهة موحدة أكثر.
سياسة تصفير الأزمات
رغم الجهود القائمة لتطبيع العلاقات، وإعادة تأثير الدور العربي في المسرح الإقليمي والعالمي، لا يمكن الجزم بنجاح سياسة تصفير الأزمات في المنطقة العربية بشكل قاطع، حيث إن الوضع في المنطقة معقد من الأساس ويتأثر بعدة عوامل ومصالح مختلفة. كما أنّ الدول العربية الفاعلة تتعامل بمعظم الحالات من منظور مصالحها الشخصية الأولى، ولا تأخذ بالحسبان التكاليف الباهضة التي سببتها الحروب وساهمت بها في مناطق عربية أخرى مثل اليمن وسوريا وليبيا.
من الجدير بالذكر أنّ بعض الصراعات والخلافات في المنطقة تم تسويتها مؤخراً، وهذا يعكس إرادة الدول العربية في التعاون والتوصل إلى حلول سلمية للأزمات. ومع ذلك، لا يزال هناك عدة صراعات وخلافات في المنطقة تحتاج إلى حلول سلمية وجهود دبلوماسية مستمرة لإنهائها.
فمثلا، إنّ إنهاء الصراع في اليمن، دون الوصول إلى اتفاق يرضي الأطراف المتنازعة، يعتبر مستحيلاً، ولا يمكن لأي دولة أن تفرض شروطها على الأطراف المحلية من منظورها الخاص وحسب. إنّ الحل السياسي الشامل والمستدام يتطلب التوصل إلى اتفاق يلبي مطالب جميع الأطراف المتنازعة ويحفظ حقوق الأطراف جميعها مع الأخذ بالاعتبار للخلفيات التاريخية والسياسية لهذه القضايا.
علاوة على ذلك، فإنّ تصفير الأزمات ليس مهمة سهلة، وتحتاج إلى إرادة سياسية قوية وأيضا إلى تعاون دولي فعال، وتحويل ذلك إلى ثقافة عامة بين أوساط النخب الإعلامية والسياسية والمؤثرة. ومن المهم أن تعمل الدول العربية على تعزيز الثقة بينها وتوثيق الروابط الاقتصادية والتجارية والثقافية لتعزيز التعاون والتضامن بينها، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين.
تقييم مساعي التطبيع
ولقياس مدى نجاح هذا النهج العربي نحو ترتيب البيت الداخلي، يمكن تقييم مساعي تطبيع العلاقات العربية سواء المحلي أو مع الدول الإقليمية كإيران أو تركيا، من خلال عدد من العوامل والمؤشرات:
1- المدى الزمني: يجب مراقبة مدى استمرار العلاقات المأزومة والصراعات السياسية بين الدول المعنية وتحديد مدى الاستقرار السياسي والاقتصادي بعد إبرام الاتفاقيات وتطبيع العلاقات.
2- المنافع المتبادلة: يجب مراقبة تحقيق الدول المعنية لأهدافها المشتركة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية والتعاون الثقافي.
3- المدى الواسع: يجب تحليل الآثار الناجمة عن العلاقات المتوترة بين الدول المعنية في ما مضى، والآثار الناجمة عن تطبيع العلاقات على المدى الواسع بما في ذلك الأثر على الدول المجاورة والعلاقات الدولية.
4- الشفافية: يجب مراقبة مدى الشفافية في عملية تطبيع العلاقات والاتفاقيات المتعلقة بها ومدى توافقها مع الأهداف الإقليمية والدولية.
5- القضايا الإنسانية: يجب مراقبة مدى الالتزام بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الدول المعنية ومدى تحسين الوضع الإنساني في الدول المتضررة من الصراعات والأزمات.
سياسة تعدد الأقطاب
لا شك أنّ التطورات الجديدة في المنطقة العربية، قد تعزز من سياسة تعدد الأقطاب الدولية وتؤثر إلى حد ما على الدور الأمريكي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، قد يقلل التطبيع العربي مع إيران من الحاجة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وقد يؤدي ذلك إلى خفض التواجد العسكري الأمريكي بصورة أكبر مما سبق. كما يبدو أن هناك محاولات لإعادة توازن القوى في المنطقة، وتحويلها إلى تحالفات جديدة تخدم مصالح محددة. وبالتالي، قد تزداد الحاجة إلى العمل مع الدول الأخرى، مثل روسيا والصين، لتحقيق أهداف مشتركة.
فقد أفضت، بالفعل، التفاعلات القائمة بخريطة النظام الدولي الحاجة للدول النامية والناشئة للبحث عن مسارات وصياغات تعاونية جديدة، وفك الارتباط عن السياسات الأُحادية الغربية. وهذا ما يدفع دول الشرق الأوسط وبالذات العربية، بإعادة النظر في شكل التحالفات القائمة والمُحتملة، وفي مقدمتها التحالف مع دول مجموعة "بريكس".
ذات صلة: التفاهمات السعودية - الإيرانية وتوسيع خارطة «بريكس» (ورقة تحليلية)
ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أنّ الولايات المتحدة لا تزال تمتلك تأثيرًا كبيرًا في المنطقة، وتحتفظ بعلاقات قوية مع العديد من الدول العربية، وتواصل دعمها لحلفائها الاستراتيجيين هناك، مثل السعودية إسرائيل. وبالتالي، قد لا يكون للتطورات الجديدة تأثير سريع على الدور الأمريكي في المنطقة في المدى القريب، وقد يتعين على واشنطن لمواجهة ذلك، تكييف سياستها للتعامل مع هذه التحولات.
الانعاكسات على الأمن الإقليمي
تعد التطورات الأخيرة في المنطقة العربية بمثابة نقطة تحول مهمة، إذ يمكن أن تؤدي إلى تحسن الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام. ومع تطبيع العلاقات بين دول الخليج العربي نفسها وبين الدول العربية وبعض خصومها في الشرق الأوسط، قد يتم تحقيق تعاون أكبر في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل التهديدات الإرهابية والتحديات الاقتصادية والتوافق على نهج مشترك لحل الأزمات في دول الصراع العربي كسوريا واليمن وليبيا وأخيرا السودان. وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية لم تنضم إلى هذه الجهود التي تمت مؤخرًا، إلا أنه من المتوقع أن يساعد هذا التحول في تقليل التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.
مع ذلك، لا يزال هناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة، بما في ذلك الصراع الدائر في اليمن والصراع السوري والصراعات الإقليمية الأخرى. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لحل هذه الصراعات وتحقيق الأمن والاستقرار الكامل في المنطقة، وقد تظل بعض الدول تتعرض للتهديدات الأمنية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تغير الأحوال السياسية في المنطقة إلى زيادة النفوذ الإقليمي لبعض الدول الكبرى مثل إيران وتركيا، مما يقود إلى مزيد من تجدد التوترات والصراعات، خصوصا إذا لم يكن نهج شامل لترتيب البيت العربي قائما على استراتيجية تبادل المصالح والمنافع، ويهدف في نهاية المطاف إلى انتشال دول الصراع الفقيرة في المنطقة من الوضع المأساوي التي تمر فيه بمختلف المجالات.
الحرب في السودان
في ضوء هذه المساعي العربية، يبرز الصراع في السودان، كأحد أبرز التحديات التي قد تنسف هذه الجهود. ولا يمكن معرفة بالتحديد في الوقت الحالي من المستفيد الأكبر من تفجير الصراع الداخلي في السودان، الذي لا شك أنه على النقيض يدمّر البنية التحتية والاقتصاد والأمن في البلاد، كما أنه يتسبب في تشريد السكان ويوسّع دائرة العنف والفوضى. من ناحية أخرى، قد تكون هناك بعض الأطراف التي تسعى إلى استغلال هذه التطورات في المنطقة من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وإبقاء المنطقة ساحة صراع متجددة بهدف التأثير على السياسات بعيدة المدى التي تمس مستقبل المنطقة العربية بمجملها.
في الختام، في حين أن التحركات الأخيرة نحو المصالحة بين الدول العربية مشجّعة، لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات التي تحتاج إلى معالجة، بما في ذلك التنافس على القيادة الإقليمية في المنطقة العربية. إذا استمرت الدول العربية على طريق المصالحة وتعزيز نهج "صفر مشاكل" وعملت على خلق منطقة أكثر سلامًا واستقرارًا، فسيكون لذلك بلا شك آثار إيجابية على المنطقة الأوسع وخارجها.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
Previous article
8 Days ago