29-03-2021 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
باتت حكومة المناصفة اليمنية قاب قوسين أو أدنى من فشل يهدد مستقبلها السياسي ويقضي بذلك على اتفاق الرياض، الذي تمخضت عنه أواخر العام الماضي. فمنذ وصولها مطلع العام الجاري إلى العاصمة عدن، تواجه الحكومة ملفات وأزمات متعددة المستويات، وحرب أمنية واقتصادية وسياسية، بدأت بهجوم صاروخي استهدفها في مطار عدن الدولي ظهيرة وصولها في 30 كانون الأول ديسمبر.
اقرأ المزيد: يومٌ دامي.. انفجاراتُ في مطار عدن تزامناً مع وصول حكومة المناصفة
الهجوم الذي نجت منه هذه الحكومة واتهمت فيه جماعة الحوثيين، بشمال اليمن، كان المؤشر الأول لنية إفشال هذه الحكومة قبل وصول أعضائها إلى مقرهم بـ "قصر المعاشيق الحكومي" بمدينة كريتر.
مُتعلّق: جريمة حرب.. الحوثي يُقرّ بمسؤوليته عن «الهجوم الإرهابي» على عدن
مُتعلّق: تحقيق بريطاني: الحوثيون مسؤولون عن هجوم مطار عدن الدولي
وفي حين تمثّل هذه الحكومة الشق السياسي من اتفاق الرياض، لا زال الشق العسكري منه بدون تنفيذ حتّى الآن عدا بعض الانسحابات المتبادلة من خطوط التماس بين القوات الجنوبية والقوات الحكومية الموالية للإخوان المُسلمين، بمحافظة أبين شرقي عدن.
ويرتبط نجاح حكومة المناصفة- إلى مدى بعيد- بتنفيذ الشق العسكري، إذ يهدّد بقاء الوضع العسكري الحالي باستمرار هيمنة وسيطرة أجنحة الإخوان المسلمين الحكومية على أجزاء واسعة من جنوب اليمن، التي غزتها الوحدات العسكرية الموالية للجماعة والقادمة من شمال اليمن بعد حرب أغسطس/ آب 2019، وينّص الشق العسكري من اتفاق الرياض على عودة هذه القوات إلى ثكناتها وانتشار قوات أمنية بينها النخبة الشبوانية.
إفشال
عقب هجوم مطار عدن، سرعان ما بدأت الأنشطة الإرهابية المزعزعة للأمن في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، واستمرت على مدار الأسابيع اللاحقة، وتنوّعت أساليبها بين العبوات الناسفة والقنابل الصوتية والأعيرة النارية وغيرها من أعمال العنف.
اقرأ المزيد: الأمن في عدن.. المُنفّذ والمستفيد
وتناغم الأداء المضاد لحكومة المناصفة على مستويات عدة، سياسية أمنية واقتصادية وعسكرية، مكوّناً توليفة من الدلائل على تحالف "مصالح" سري بين الأطراف المتضررة من اتفاق الرياض، فبينما سعى الحوثيون لإبادة الحكومة الوليدة، تكوّن جماعة الإخوان المسلمين ما يشبه دولة متمردة على اتفاق الرياض وحكومة المناصفة في المثلث النفطي الشاسع الممتد من مأرب شمالاً، وحتّى شبوة وحضرموت جنوباً.
على المستوى السياسي، أصدر الرئيس اليمني المُقيم بالرياض، عبد ربه منصور هادي، قراراً قضى بتعيين رئيس حكومة سابقة أسقطها الجنوبيون في 2018، أحمد عبيد بن دغر، رئيساً لمجلس الشورى، والعسكري المقرب من الإخوان المسلمين، أحمد الموساي، نائباً عاماً للجمهورية، وهو القرار الذي اعتبره الشريك الأساسي باتفاق الرياض، المجلس الانتقالي الجنوبي "غير شرعي وانفرادي ومخالف لاتفاق الرياض".
قرارات هادي التي رفضها الانتقالي، عمقّت أزمة الثقة بين طرفي اتفاق الرياض، وأضافت تعقيدات كثيرة للمشهد، كاشفة عن اختراق خطير في مركز القرار الرئاسي بالرياض، والنفوذ الكبير للقوى المعادية لاتفاق الرياض، واستقرار المناطق المحررة.
اقتصادياً، تسيطر القوات الموالية للإخوان المسلمين على منابع النفط في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت، وتُتهم الجماعة بممارسة نهب منظم للثروة النفطية، واستغلالها لتنفيذ أجندات خاصة، والتغطية على هذا النشاط بمشاريع وهمية، وعدم توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن.
تحقيق: ميناء قنا بشبوة.. ترويج للوهم أم تمرّد على الدولة؟
والملف الاقتصادي هو أهم الملفات أمام حكومة المُناصفة، حيث تقف البلاد على حافة انهيار اقتصادي شامل حسب تقارير أممية وخبراء اقتصاديين، إذ وصلت عملة الريال اليمني إلى دنى مستوى قياسي في تاريخها خلال الأعوام الماضية التي تلت حرب تحرير جنوب اليمن في 2015. وبين عامي 2019 – 2021، انهارت قيمة الريال بنسبة تجاوزت 50%، مسببة وضع خدمي واقتصادي كارثي كان أحد أهم عناصر التصعيد والتأزيم خلال الفترة الأخيرة.
اقرأ المزيد: عدن: أزمات قديمة وأخرى جديدة.. من المسؤول عن تدهور الأوضاع؟
وفي ظل كيانات موازية للدولة في مناطق الثروة النفطية، والحرب المستمرة مع الحوثيين، وتقاطع أهداف المتضررين من اتفاق الرياض، وفضائح الفساد ونهب الموارد، تبدو المشاكل الاقتصادية شبه مستحيلة للحلحلة أمام حكومة المناصفة، التي- طيلة الثلاثة الأشهر الماضية- لم تستطع تقديم شيء ملموس في سبيل وقف الانهيار الاقتصادي، في ظل تعنّت الإخوان المسلمين ورفضهم لتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض والانسحاب بوحداتهم العسكرية القادمة من شمال اليمن، إلى جبهات القتال مع الحوثيين.
إلى حد ما، أفلحت الحرب التي يشنّها خصوم اتفاق الرياض في إفشال حكومة المُناصفة في عدن، وإن لم تفشلها تماماً بعد.
فشل
بعد ما يقارب 90 يوماً على وصول هذه الحكومة، لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدن ومحافظات الجنوب، بل زادت سوءً، ووصلت معاناة المواطنين إلى حدود قاسية أسفرت عن غليان شعبي واحتجاجات بلغت ذروتها في منتصف مارس/أذار الجاري، حيث تظاهر المئات من الجنوبيين في ساحات مقر حكومة المناصفة في عدن، مطالبين بصرف المرتبات المنقطعة منذ أشهر، وتحسين الأوضاع المعيشية.
اقرأ المزيد: عدن: احتجاجات سلمية غاضبة في ساحات مقر حكومة المُناصفة
الفشل الحكومي في الجانب الخدمي والاقتصادي شكّل ضغطاً قوياً على المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك الأساسي في هذه الحكومة، والذي يملك خمس حقائب وزارية فيها، إذ يعتبر المجلس نفسه مسؤولاَ عن أوضاع الناس الذين فوّضوه جنوباً، وهو ما ترجمه عبر اجتماعات ولقاءات مستمرة دعت كلها حكومة المناصفة للقيام بمهامها، ولوّحت بخطوات قد تقدم عليها حال استمرار هذا الفشل.
يعقوب السفياني صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات |
بالتأكيد، لا يُمكن أن نعتبر فشل حكومة المُناصفة المستمر ناتجاً عن حرب خصوم هذه الحكومة فقط، فهنالك جزء كبير من الفشل الذي تتحمله حكومة المناصفة بذاتها، والتي يبدو أنّها لم تتجاوز أزمة الثقة حتّى الآن. ويمكن ملاحظة أنَّ نشاط هذه الحكومة يكاد يكون منعدماً إلا في بعض الوزرات التي كانت من نصيب الانتقالي الجنوبي.
مستقبل الحكومة
ومع أنه من المبكّر القطع بفشل حكومة المُناصفة، لكن يُمكن القول أنَّ هذه الحكومة تمضي نحو الفشل إذا ما استمرت الأوضاع والمعطيات الحالية بما هي عليه، وبين حرب الخصوم بأوجهها الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية من الخارج، وغضب وغليان الشعب وانهيار الوضع من الداخل، أصبحت حكومة المناصفة مُهدّدة بالفشل الشامل والأخير.
موجة الغضب الشعبي الثانية تلوح في الأفق، خصوصاً مع تحذير الهيئة العسكرية الجنوبية العليا من "انتفاضة غضب جديدة" على غرار ما حدث منتصف الشهر الجاري، بعد أن كانت هذه الهيئة قد أعلنت وقف الاحتجاجات والتظاهرات بتدخل من المجلس الانتقالي الجنوبي، وبعد وعود بحل مشاكل مرتبات العسكريين وتحسين الوضع الخدمي والمعيشي بعدن والجنوب، وهو ما يبدو أبعد ما يكون عن التحقيق.
يلعب الانتقالي الجنوبي دوراً كبيراً في فرملة الجماح الشعبي الغاضب بعدن والجنوب خلال هذه المرحلة، لكن هذا الدور يقل بمرور الأيام وزيادة المعاناة، ومن المتوقع أن يجد الانتقالي الجنوبي نفسه عاجزاً عن احتواء الغضب الشعبي إذا ما استمر الانهيار في الخدمات والمعيشة كما يحدث الآن.
سيشكل الفشل الشامل لحكومة المناصفة ضربة قاصمة لجهود سعودية امتدت لعام وأشهر سعت خلالها المملكة للتقريب والحل السلمي للأزمة جنوباً، وإعادة بوصلة الحرب باتجاه صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون كما يُفترض. هذا الفشل المحتمل، الذي يأتي متزامناً مع مساع أممية ودولية لحل شامل للأزمة اليمنية، قد يتجاوز ويلغي اتفاق الرياض.
وفي ظل تعثر تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، واستمرار الزحف الحوثي على محافظة مأرب الغنية بالغاز، سيشكّل فشل حكومة المناصفة زخماً جديداً للجماعة وضغوط أكبر على السعودية التي فشلت أدواتها التقليدية شمالاً في الانتصار أمام الجماعة الحوثية، والأخيرة دأبت خلال الأسابيع الماضية على تصعيد جوي خطير يستهدف بالُمسيرات والصواريخ منشآت نفطية ومدنية سعودية.
جنوباً، فشل حكومة المناصفة سيعني العودة بالأوضاع إلى مربع الصفر، وهو ما سيفضي إلى تجدد المعارك بين الجنوبيين والوحدات العسكرية الموالية للإخوان المسلمين، خصوصاً أن التموضع العسكري للطرفين لم يتغير كثيراً، ولا زال كل منهما بمستوى جاهزية يؤهل لنشوب معارك دامية.
ومما يسرّع بتدهور الوضع، النشاط الإرهابي المحموم الذي يستهدف القوات الجنوبية في المناطق القريبة من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين. ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي الجماعة بتقديم "تسهيلات" للتنظيمات الإرهابية، وتمكينها من معسكرات وأوكار كانت القوات الجنوبية قد دكتها سابقاً.
مُتعلّق: هجوم إرهابي يُشعل غضباً واسعاً في جنوب اليمن
مُتعلّق: تطوّرات أمنية خطيرة.. مسيّرات وهجمات إرهابية تهز جنوب اليمن
الإنقاذ
من شأن الدفع بتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، وإخراج الوحدات العسكرية الرابضة في وادي حضرموت وشبوة وأبين، وإرسالها إلى جبهات القتال مع الحوثيين، أن ينقذ حكومة المناصفة من الفشل المحتم الذي تتوجه إليه.
تحرير الموارد النفطية، وانتشار القوات الأمنية المتضمنة للنخبة الشبوانية والأحزمة الجنوبية، سيعمل على انفراجة فعلية في الأزمة الاقتصادية وكبح جماح الإرهاب المتزايد في آن واحد، بالإضافة إلى المكاسب العسكرية أمام الحوثيين من خلال دفع عشرات الألوية والوحدات المكدسة في المناطق المُحررة.
بدرجة أساسية، يقع الدفع بتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض واستكمال شقه السياسي، على عاتق السعودية، الراعية لهذا الاتفاق، والتي تواجه إنهاكاً حقيقياً في حرب اليمن، وتخوض سباقاً مع الزمن لاستباق الخطط الأممية والدولية الرامية لتحجيم دورها في الأزمة اليمنية.
اقرأ المزيد: المبادرة السعودية: الرياض تمدّ يدها للسلام والحوثيون يقللّون
الجدير بالذكر أنَّ آخر معاقل الشرعية اليمنية في شمال اليمن، وهي محافظة مأرب، مُهدد بالسقوط بيدي الحوثيين، حيث لن يتبقى سوى جيوب بسيطة في الشمال حتى يضحي الحوثيون الحاكم الأوحد له، بينما تتجه بوصلة القوات الرابضة في المثلث النفطي نحو عدن والجنوب المُحرر، وسينتج عن سقوط شمال اليمن معادلات سياسية وعسكرية جديدة.
اقرأ المزيد: خيارات المجلس الانتقالي الجنوبي ما بعد سقوط مأرب
مُتعلق: عودة الحدود التاريخية.. سيناريو ما بعد تسليم اليمن الشمالي للحوثيين
مُتعلّق: حضرموت.. هل ستصبح الوطن البديل للإخوان المسلمين؟
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات