الأنظمة الراديكالية العربية وإسرائيل.. بين الأمس واليوم

كتابات رأي

الجمعة, 02-10-2020 الساعة 10:54 مساءً بتوقيت عدن

أتى  ميَلان الصفّ الإسرائيلي الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً، إلى جهة الأنظمة الراديكالية العربية في مواجهة أنظمة وثورات القوميين العرب في منتصف القرن الماضي، ليصنعَ تحالفاً ضمنياً من النوع العقائدي مع دولة إسرائيل لمواجهة الخطر المشترك.

في هكذا تحالف، السرية تُعتبر العنصر الأساس لبقائه، التي يعزز حضورها سببين:

- تقيّة دينية إسلامية يهودية، تحافظ على عدم اهتزاز معتقداتها الدينية كنواة تكوين كياناتها كدول.
- كَثرة المد القومي العربي في مواجهة قلة وجزر التيار الراديكالي العربي.

في تلك الفترة مثّلت الجغرافيا اليمنية الحد الأخير لجفاف المد القومي وغرق الجيش المصري هناك قبل انسحابه الكامل في وضع يُشبه الإقرار بالهزيمة لصالح عودة المدّ الراديكالي الذي أعاد تموضعه في ثنايا ثورة الجمهوريين على الملكية الزيدية واستطاع تنحية وتصفية الصفّ القومي، ليختطف ويتصدّر المشهد الثوري ويعيد إنتاج نفسه في صورة جمهورية إسلامية يمنية على حساب الجمهورية العربية اليمنية.

من هذه النقطة التاريخية انطلقت حركات الإسلام السياسي لتشكّل ما عرف اليوم بـ "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين" وتبلور فكرها وعملها العقائدي بصورة متطرّفة، مثّلت السرية المناخ المناسب لنمو عقيدتها المتطرّفة في أجواء شبيهة بأجواء العمل الغير مشروع الذي منحه التشريعُ الديني لزعمائه ومفكريه مشروعيتَه الدينية التي ترقى لمستوى الجهاد في سبيل الله.

مثّلت الجغرافيا اليمنية الحد الأخير لجفاف المد القومي لصالح عودة المدّ الراديكالي، ليتشكّل ما عرف اليوم "تنظيم الإخوان المسلمون" 
 

لذا فإنّ جذر الاتصال الراديكالي بإسرائيل في اليمن على وجه التحديد، لا يتوقف عند جزالة النظام الزيدي الملكي في حسن التعامل مع الأقلّية اليهودية في صعدة معقل الملكية، بخلاف التعامل المشين مع الأقلّية اليهودية في الجنوب وعدن. بل يمتد إلى المساعدة في تجفيف المد القومي والقضاء عليه، وبالتالي فإنّ عملية تجفيف ما يسمى ب "ثورات الربيع العربي" المعاصرة تمت بنفس الكيفية: المكان اليمن والأداة التيار الراديكالي بنسخته الشيعية الجديدة الزيدية القديمة بصورتها الملكية الجمهورية. 

قد يبدو اليوم أنّ ثمة انفصال راديكالي بإسرائيل يسطع نجمه في مواجهة حداثة الاتصال السياسي بإسرائيل في المنطقة العربية عموماً والجنوب خصوصا. إلاّ أنّ هكذا علاقات يظلّ نجاحها مرهوناً بطولة العمر والعيش والملح والخبرة المكتسبة عن أيّهما أمضى قدماً من الآخر وليس أنفع حالا ًمن الآخر.

تميلُ سياسةُ إسرائيل العليا إلى النهج المحافظ، بحسب خطاب لرئيس وزراءها بنيامين نتنياهو ألقاه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالتزامن مع ثورات الربيع العربي ومعارضة إسرائيل لدعمها من قبل الحزب الديمقراطي الأمريكي وسياسة الرئيس أوباما، لخصه في عبارته الشهيرة (يجب النظر إلى ما يحدث لا إلى ما يجب أن يحدث). أيّ أنّ ما يحدث في ثورات الربيع العربي هي الفوضى بينما ما يتطلع لحدوثه الديمقراطيون هي الديمقراطية التي لن تتحقق في المنطقة العربية.

 "ثمة انفصال راديكالي بإسرائيل يسطع نجمه في مواجهة حداثة الاتصال السياسي بإسرائيل في المنطقة العربية عموماً والجنوب خصوصا" 
 

فشل ثورات الربيع العربي في المنطقة العربية يؤكّد صحة النظرية الإسرائيلية عن عمل ودراية تامة، وضمن هذا يأتي نجاح الانقلاب الحوثي في اليمن ليؤكّد المؤكد وينفض تراب الاتصال الراديكالي بإسرائيل على أسس عقدية يراها الإسرائيلي صحية وسليمة على حساب الاتصال الراديكالي بجماعة الإخوان المسلمين الذي شذّ مؤخراً وانقلب سحرهُ على الساحر وعلى أثره طال أمريكا وحلفاءها ما طالهم من عمليات إرهابية.

عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ظنّ البعض أنّ أمريكا تخبّطت وذهبت لقتال الإرهاب في المكان الخطأ. إلا أنّها من موقع العلم والدراية تعرف من أين تؤكل الكتف ليستقر بها المآل الأخير على هذا التصويب المركّز على جماعات الإسلام السياسي بنسختها السنية المبتكرة في صورة "التنظيم العالمي لجماعة الإخوان".

ليبقى السؤال:

بالنسبة لإسرائيل أيّهما أوفرُ حظّاً: الاتصال الراديكالي العتيق أم الاتصال السياسي الحديث، على حساب الاتصال الراديكالي الوسيط؟!

كلمات مفتاحية: إسرائيل اليمن الأنظمة العربية التطبيع اليهود جنوب اليمن الحوثيون