البدايات السليمة و «الفاشية الجماهيرية»

كتابات رأي

السبت, 26-12-2020 الساعة 10:17 مساءً بتوقيت عدن

من  الطبيعي في هذه المرحلة المفصلية والهامة من تاريخ الجنوب التي تتخلق لتوها، أن ندرك على صعيد البناء الاستراتيجي الوطني، بكل ما تحويه كلمة "الوطني" من معنى ثوري وسياسي على حد سواء، ماهي القاعدة الصحية والسليمة لعملية بناء الدولة الجنوبية الراشدة، ونتساءل بجد عن أدوات النجاح والاستمرارية في هذا السعي.

فالبدايات لطالما مثّلت الأساس واللبنة الأولى لعملية البناء السياسي الوطني التي لا تحتمل الخطأ لما له من أثر كارثي مدّمر يُنذر بتهدم المبنى "الوطن الجنوب" على رؤوس ساكنيه "الشعب الجنوبي"، ويجعل الضياع والشتات والمكوث في العراء على خط الملاحة الدولية في هذه البقعة الجغرافية الجنوب عربية الهامة من العالم، هي السمة الأبرز مستقبلاً، في لحظة استنفار عسكري وأمني لقوى العالم الكبرى بداعي الحفاظ على أمنها القومي ومكافحة جماعات الإرهاب والتطرف وإحلال الامن والسلم الدوليين.

"لطالما مثّلت البدايات الأساس واللبنة الأولى لعملية البناء السياسي الوطني التي لا تحتمل الخطأ لما له من أثر كارثي" 

وبالتالي تكون البدايات السليمة التي نحن بصدد تحسس الطريق إليها هي من يأخذنا إلى النهايات السعيدة التي نقصدها الآن.

ولعله هنا من المفيد الإشارة إلى أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي قطع شوطاً لا بأس به في التأسيس لمنهجية العمل المؤسسي والأخذ بأدوات صحية وسليمة معتمداً بدرجة رئيسة على نفي ثقافة الفساد الإداري والمالي بعيداً، وإحلال ثقافة البناء الوطني الصحي والسليم مكانها.

إلاّ أنّ خطوة الانتقالي الجنوبي للسبب الثقافي ذاته الذي صنعته التموضعات السياسية لدى بعض الجنوبيين على نحو متقلب وغير ثابت في ظرف سياسي وتاريخي هام وخطر اتسم باللعب السياسي القلق في مواجهة العمل الثوري والسياسي الثابت، أوقع أو بمعنى أدق أرغم الانتقالي الجنوبي على تقديم معيار الانضباط الوطني على أسس ديموغرافية أكثر موثوقية، الأمر الذي وضعه في دائرة الاتهام بالسعي لتأسيس قاعدة لا وطنية ليست صحية، وهي القاعدة التي لو تحاشى العمل بها بواسطة الاعتماد على معيار ديموقراطي في اختيار أدوات عمله الثوري والسياسي لوقع في شرك العمل الفوضوي الذي يصعب السيطرة عليه والتحكم به وتوجيهه حيث ينبغي. وكما هو معلوم أنّ الديموقراطية في العمل الثوري ليست صحية خصوصاً في الظرف الحربي الخطير الذي يمر به الجنوب.

لهذا يقف التحدي الأكبر هنا في إمكانية اختيار أدوات بناء وطني بغض النظر عن انتمائها الجغرافي، تكون أدوات نظيفة وغير فاسدة باستطاعتها أن تؤسس لثقافة العمل الوطني الشريف الصحي الذي يمكن البناء عليه وتطويره ومن ثم يسهل تغيير أدواته عمله مستقبلاً على أسس سياسية أخرى.

هناك أدوات عمل سياسي من تيار جنوبيي الحكومة اليمنية للأسف الشديد أثبتت التجربة انتفاء معيار العمل الوطني الشريف والنظيف لديها. والمؤسف أكثر انّ نفس هذه الأدوات علاوة على اكتسابها ثقافة الفساد الإداري والمالي والمحسوبية تحاول أن تجتر ثقافة لا وطنية لصراعات تقوم على الانتماء الجغرافي.

"يقف التحدي الأكبر هنا في إمكانية اختيار أدوات بناء وطني بغض النظر عن انتمائها الجغرافي" 

وهي هنا تجمع ثقافتين غير وطنيتين في آنٍ واحد لا يمكن التغاضي عنها وإشراكها في العمل السياسي الجنوبي بهذه الكيفية التي تلوح في الأفق على هيئة دورة عنف وصراع جنوبي جنوبي، نحن في غنى عنه تمامًا. كما ينبغي الإشارة إلى أنه ليس كل جنوبيي الحكومة على هذه الشاكلة فثمة عناصر سياسية نظيفة وشريفة كثيرة يتطلع الانتقالي الجنوبي لإشراكها في العمل السياسي والمشروع الجنوبي الوطني وأظنه سيفعل إن لم يكن قد فعل.

المشكلة تكمن في ظهور أدوات الفساد المالي والإداري والأخلاقي أخيراً في موقع الصدارة والتمثيل الذي لا يليق بها أن تتواجد فيه في لحظة مجنونة تغذّي ما يمكن تسميتها بـ «الفاشية الجماهيرية». فللجماهير فاشية تُعلي من شأن المتطرفين والغوغائيين ودون أن تدرك تصيّرهم إلى أبطال ورموز، وهم أبعد من أن يكونوا كذلك.

- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

كلمات مفتاحية: حكومة المناصفة جنوب اليمن شمال اليمن المجلس الانتقالي الجنوبي مكافحة الفساد