اتفاقُ الرياض.. العقيدةُ والمحاصصةُ والأمرُ الواقع

كتابات رأي

الجمعة, 30-10-2020 الساعة 11:43 مساءً بتوقيت عدن

 مشهدُ  صنعاء اليوم وهي تكتسي باللون الأخضر الفاقع أعادني لتذكر مشاهد الفلم الأجنبي القديم "الضخامة" أو "الرجل الأخضر"، أول أفلام الخيال العلمي الذي تدور أحداثه حول محورية شخصية البطل "الرجل الأخضر" الذي يتضخّم جسمانياً بفعل عقاقير كيميائية أو ما شابه، فيثور على الأشرار ويحطمهم ويقضي عليهم.

"هل تضخّم صنعاء الخضراء، يفسّر تقزم مأرب وجماعة الإخوان وهي تلوذ بالفرار جنوباً، وهذه الأخيرة "مأرب" تفر وتتقزم شمالاً وتكُر وتتضخّم جنوبا في شبوة وعلى جبال العرقوب وفي شقرة، لقتال القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي؟!" 

صنعاء تتضخّم الآن عقائدياً وعسكرياً منذ لحظة تناولها للشعار العقائدي القائل: الموت لأمريكا، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، وملحقاته الفكرية والعسكرية المُستجدَة على خلفية ما تصفه بالعدوان العسكري من قبل التحالف العربي، الذي تقوده السعودية. ثمة أشرار في عُرف صنعاء لم تمسهم الأخيرة بسوء بقدر ما مست اليمنيين عامة والجنوبيين خاصة، ومع هذا ما زالت قصة الضخامة الاسطورية تحدث لصنعاء.    

في البدء عندما أتى اتفاق الرياض السياسي 5 نوفمبر 2019 المُبرم بين الطرفين المتصارعين جنوباً، حكومة إخوان مأرب والانتقالي الجنوبي عدن، لغرض فهم أي عقار كيميائي تناولت حكومة الإخوان في مأرب حتى  تضخّمت هنا وتقزمت هناك، ولن يتسنى هذا الا عبر الدفع بمأرب لمواجهة صنعاء وقتال الحوثيين، إلا انّ مأرب انحسرت وتقهقرت أكثر لصالح صنعاء وسيطرة القوات الحوثية لدرجة انحشارها انحشاراً ضيق في مركز المدينة.

"يدّعي حزب الإصلاح تواجه العسكري بعد انحشاره عنوة بالثوب الحكومي المسدول على رقعة جغرافية تتصف بمجتمع محلي مقاوم بشكلٍ تلقائي للحوثيين" 

عندما أبدت مأرب تقهقرها وفشلها في المواجهة العسكرية مع صنعاء، أتت "آلية تسريع" اتفاق الرياض لتنص على القفز من فوق الشق العسكري المتعثر من الاتفاقية إلى تنفيذ الشق السياسي والسير في خطوات تشكيل حكومة شرعية جديدة.

هنا سيدور الجدل حول تشكيل الحكومة ويقف بالضبط عند نقطة: أي آلية سياسية يجب اتباعها عند التشكيل، فآلية اختيار الحكومة السابقة والحالية قامت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية واتبعت نظام المحاصصة الحزبية بين ما عُرف حينها بحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه كطرفٍ، واحزاب اللقاء المشترك كطرفٍ آخر، بينما الازمة اليمنية الآن انتجت واقعاً اخر لا يمت لهذه الآلية بصلة.

بات حزب المؤتمر اثرً بعد عين وحلفاءه، وكذلك ما عُرف حينها بأحزاب اللقاء المشترك، عدا تقوقع حزب الإصلاح "جماعة الإخوان المسلمين"، وانحشاره عنوة في الثوب الحكومي الممدد على جغرافيا يتصف مجتمعها المحلي بالرافض والمقاوم تلقائياً للجماعة الحوثية، حيث يدّعي حزب الاصلاح تواجده العسكري على الأرض بتواجده السياسي في الحكومة وسيطرته على قرارها- وهذا هو حزب الاصلاح الذي ستفك طلاسمه عملية تشكيل الحكومة الجديد.

إذاً، عملية تشكيل الحكومة يجب ان تُسند لآلية جديدة متصلة بالوقائع على الأرض وأطرافها الجدد من جانب، ومن جانب اخر غير منفصلة عن الأطراف القديمة بتواجدها العميق في الشق الحكومي السياسي للازمة اليمنية.

من أين أتت فكرة المناصفة الحكومية بين الشمال والجنوب، وعلى ماذا استندت؟ 

في ألية اختيار الحكومة الجديدة، تم القفز على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كمرجعية، واستبدلت بمخرجات الحوار الوطني ودستور الدولة الاتحادية كمرجعية تنص على المناصفة في الحكومة بين الشمال والجنوب، تتوافق مع الوقائع على الأرض كمرجعية أخرى تُزاحم وتنفي ما بات يُعرفُ بالمرجعيات الثلاث،. خلف هذا المبدأ تكمن جزئياً تفاصيل المحاصصة الحزبية بصورة توافقية في الحصتين، الشمالية والجنوبية.

"التراجع العسكري لصالح الحوثيين مقابل التصعيد أمام القوات الجنويبة بالتزامن مع مفاوضات اتفاق الرياض، ادّعاءُ الانتصارات العسكرية أمام الحوثيين بالتزامن مع الإعلان عن التوصل لصيغة توافقية لتشكيل الحكومة الجديدة، مراحل واستراتيجات الإخوان في مأرب" 

ربما جاء الأمل في إحداث تغيير في الواقع العسكري على الأرض الشمالية المائلة كفتة لصالح الحوثيين وسيطرتهم العسكرية المطلقة، بالتزامن مع اعلان طرفي اتفاق الرياض عن التوصل لصيغة توافقية لتشكيل الحكومة، ليكون سبباً في اشعال جبهات الساحل الغربي والحديدة مؤخراً، وإعلان الجبهة الشرقية "مأرب" عن احرازها تقدما عسكرياً في أجزاءٍ من محافظة الجوف،  بالاعتماد على انَّ الوقائع على الأرض أمست مرجعية من شأنها تحديد حصص الاحزاب السياسية من الحصة الشمالية من الحقائب الحكومية، وتوزيع الأهم والأفضل منها.

من الجدير بالذكر الإشارة إلى ثلاث مراحل سياسية وعسكرية مرت بها جماعة الإخوان في مأرب:

- الأولى تزامنت مع بدء تنفيذ اتفاق الرياض حيث استخدمت الجماعة فيها الانحسار والتراجع العسكري لصالح الحوثيين كوسيلة تُفوتُ فرصة تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق القاضي بالتوجه ناحية صنعاء.عندما كان الانحسار مفيداً لم تتوانَ الجماعة في استخدامه.

-  الثانية عند إقرار آلية لتسريع الاتفاق والذهاب لتنفيذ الشق السياسي قبل الشق العسكري، حيث أمعنت الجماعة في انحسارها العسكري أكثر لصالح الحوثيين إلى نقطة تقترب من اسقاط العاصمة مأرب، في نفس وقت لجوؤها لتصعيد قواتها المرابطة في مدينة شقرة عسكرياً ضد القوات الجنوبية في منطقة الشيخ سالم، على حدود محافظة أبين.

- الثالثة عند التوصل لصيغة توافقية لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث ارتأت  الجماعة أنّ ادّعاءها تحقيق بعض الانتصارات العسكرية أمام الحوثيين في بعض المناطق في الجوف سيُمكنها من احراز تقدم سياسي على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، ومن الواضح هنا أنَّ الاتفاق بين الجماعتين الإسلاميتين- الإخوانية والحوثية-  قد بلغَ حد التخادم العسكري والسياسي، وإبقاء الوضع في الشمال على ما هو عليه من السلم والتفاهم الثنائي على العمل الدؤوب لحرف الحرب عن الشمال وتوجيهها جنوبا.

كلمات مفتاحية: اتفاق الرياض حزب الإصلاح الإخوان المسلمين الحوثيين صنعاء مأرب المجلس الانتقالي الجنوبي