النموذج الاتحادي للمؤسسات الأمنية في الجنوب

لا  يوجد ما يستدعي أن نذكّر الأخوة في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، بأنّ عليهم التفكير بعقلية اتحادية لا بعقلية وحدوية. فما حدث ويحدث في بنية العمل المؤسسي في القطاع الأمني من تشكيلات بُنيت على أسس وتكتلات مناطقية، يضعنا أمام نموذج اتحادي وليس وحدوي.

لست هنا بصدد تحريك العصب المناطقي وإثارته فهو مثار بالقدر الذي يأخذنا جميعا إلى التسليم بضرورة التفكير بعقلية اتحادية وإبداء حسن النوايا تجاه بعضنا بما يؤكد المبدأ الاتحادي الثابت، بغض النظر عن طبيعة الصراع الدائر الآن في أبين وماهيته وملابسات الأجندات والتدخلات الخارجية.

 ثمّة جانب مضيء من القمر لم نتنبه له بعد وانشغلنا بالحديث عن الجانب المظلم وذهبنا في انتقاد ما اعتبرناه ارتكاب الانتقالي الجنوبي خطأ فادح منذ البداية ويتمثل في "نواة العمل المؤسسي" التي بدت ترتكز على المناطقية العصبوية.. بينما في سياق يتصل بالتاريخ الجنوبي الغابر وعوامل نجاح الحكم الفيدرالي في الجنوب، وآخر يتصل بالإرث السياسي المُغبر الذي خلّفته التجربة الوحدوية مع اليمن وآثارها على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

تعتبر هكذا "نواة عمل مؤسسي" نواة صحية سياسياً للعاملَين التاريخي والسياسي اللذان ذكرتهما، ومناسبة اجتماعياً لعوامل الجغرافية والخصائص الديموغرافية والطبيعة السيكولوجية الجنوبية وناجحة أمنيا وعسكريا، إذا ما وجدت هذه البذرة من يخرجها من مربع التفكير بعقلية وحدوية تسعى إلى صبغ الكل بلونها، إلى مربع التفكير بعقلية اتحادية تحرص على تمكين الكل من إدارة نفسه أولاً ومن ثم مشاركته في إدارة الوطن الجنوبي ككل، أي تسعى لصبغ علم الدولة الجنوبية القادمة بكل ألوان الطيف الجنوبي.

إلى جانب هذا هناك أخطار أمنية وعسكرية وأطماع سياسية تتهدد الجنوب ككل وتجعل حاجة الكل للكل ضرورة قصوى، وهذه الأخيرة هي أحد أهم العوامل الداعية إلى اتحاد الجنوب تاريخياً وهو ما يعزز الترابط الجنوبي الجنوبي على كل الأصعدة بما يجعل الجنوب لحمة واحدة لا يمكن فصلها عن بعض.

لهذا أنا أرى في بذرة العمل المؤسسي على هذا النحو حالياً بأطرافها المتعددة جنوباً، ما يساعد في إرساء نموذج حكم اتحادي في الجنوب. إذ لم يعد لنموذج الحكم الوحدوي أي فرصة للنجاح.